26-03-2021 03:12 PM
بقلم : الفريق المتقاعد بشير المجالي
إن الإصلاحات لا تتّم بين ليلةٍ وضُحاها، ولا بين ليلةٍ وأخرى، ولا بقرارٍ فوريّ. الإصلاحات هي كيفية تلاقي الإيرادات والتّوافقات المَدروسَة وخَلق البيئة الحقيقيّة وتوفير المناخ المُناسب وبناء الثّقة بين مُكوِّنات الدّولة والتي أساسُها ومحورها الشّعب ومُكوِّناته ومحورها المجتمع بمختلف تنوّعاته وتشكيلاته المختلفة بثقافاتهم المُتعدِّدة والتي تتلاءم مُعظمها في خطابٍ سياسيّ اجتماعيّ مُوَّحد وفي مطالبٍ لها وجاهتها وعدالتها تُناسب الواقِع والتي أساسها وبُنيتها حقّ المواطن في العَيش الكريم والعَدالة الاجتماعيّة المنشودة.
إنَّ التوافُق على الإصلاحات تستوجب أن تكون هي الوصفة التي تُعالج أوجاع النّاس ومعاناتهم الإنسانيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة مثلما هي السِّياسيّة والإداريّة.
لقد بادرَ جلالةُ المَلك عبد الله الثاني بإطلاق صافرة الإصلاحات السِّياسيّة والإداريّة لتطوير التّنمية السِّياسيّة بمُختلف أشكالها، والتقطَ جلالته بسرعةٍ قياسيّة الاحتياجات اللازمة للتّنمية والتّطوير من هذا الجانب، وقد كان أسرع من كل النُّخب السَّياسيّة والاجتماعيّة وقادة الرأي العام في هذا الطَّرح في تطوير قانون الانتخاب وقانون الأحزاب السِّياسيّة وكان جلالةُ المَلك مُبادرًا قبل الجميع في ذلك، والكُرة اليوم هي في مَلعبِ الأردنييِّن جميعًا، وخاصَّة الشَّباب.
وهُنا أدعو الشَّباب اليوم وهُم بُناة المُستقبل لاستغلال هذه الفرصة لتطوير الوقت السِّياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ في إيجاد الثّوابت الرّاسِخة وتشكيل مُبادرات مُجتمعيّة ذات معاييرٍ تُراعي قِيَم المُجتمعات الأردنيَّة والثّقافات، وإيجاد قواسم مُشتركة تتفِّق عليها الغالبية العُظمى لتطوير مَناحي الحياة المُستقبليَّة للأردّن القادم في المِئوية الثانية، ولكي يكون ذلك تجديدًا لعهدٍ مشرقٍ وواعد. إنَّ ذلك لا يتّم بالدّعوةِ إلى وَقفةٍ هُنا أو هُناك، بل يحتاج إلى عملٍ دؤوبٍ بوضع منهجيّةٍ صحيحةٍ لمُتطّلبات المرحلة القادمة.
إنَّ وعي وثقافةِ الشُّعوب لها دَور كبير في تأهيل مُؤسسّات الدَّولة وخاصة العميقة في التقاط إرادة الشّعوب في التّطوير والتّغيير.
وهُنا ونحنُ مُقبِلون على المِئويّة الثّانية من تاريخ الأردّن ونحنُ نتعايشُ في ظِل الحُكم الهاشميّ ونحنُ الأردّنيون نعرفُ تمامًا ما هي معايير العائلة الهاشميّة، وخاصة في عهديّ جلالة الملك الحُسين -رحمه الله- وجلالة المَلك عبدالله الثّاني -أطال الله في عُمره- وهُنا أُقسِمُ وأجزِمُ أن جلالة الملك لا يحكم على النّاس من خِلال من يُطبِّل أو يُزمِّر له على وسائِل التّواصل الاجتماعيّ أو من خِلال اللقاءات على أي مستوى كان. إنَّ معيار جلالة المَلك هو فيما يُقدِّمُه الإنسان الأردّنيّ المُنتمي لبَلَدِهِ أو وطَنِهِ أو ما يخدِم مُجتمعِه. نُشاهِدُ جلالة المَلك يقوم بزياراتٍ وجولاتٍ لأصحاب المصانع وأصحاب المشاريع الكبيرة والمُتوسّطة وحتى الصّغيرة منها؛ ليُبارِك مُبادراتهم وعملهم وإنجازاتهم، وكم نُلاحظُ على وَجهِهِ مَدَى السَّعادة والسُّرور، وهذا بِحَقّ ما يُسعِد المَلك - حفظه الله-.
إنّنّا اليوم نعيشُ واقعًا مأساويًا حَرِجًا، وقد يتفّقُ معي الكثير بأنَّ الأولوية الآن هو الالتفات وبجدَّيّةٍ تامةٍ للوضعِ الصِّحيّ الذي باتَ يُشكِّل حالة وحاجة ماسَّة؛ لأن نَلتّف جميعًا لمُواجهة هذا الوباء اللعين الذي صار يفتِكُ بالجميع، وأصبحَ لا يُفرِّق بينَ صغيرٍ أو كبيرٍ، ولا بينَ وجيهٍ أو وضيعٍ، الأمر الذي يتطّلَب مِنَّا جميعًا تكاتُف وتضافُر كل الجهود لتخَطّي هذه المحنة، والتي قد تكون صعبة على الجميع حكومةً وشعبًا ولا ترحم أيٍّ كان، ونحن نُشاهد اليوم أنَّ الموت أصبحَ بالجملة، وقوافِل الوفيات صارت الواحدة تلو الأخرى، فَقَدنا صِحَّتنا واقتصادنا والنّاس أصبحت تتدافع أمام المستشفيات بحثًا عن حبَّة الدّواء أو حُقنةً من الأكسجين، ونحن جميعًا مطالبون أمامَ هذه المعركة الضّروس أن نلتَّف حول بعضنا البعض وأن نُساعِد بعضنا البعض وأن ننبُذ الفرقة والبغضاء والحَسَد والغيبة والنميمة وأن نحِّبُ لكُلٍ مِنّا ما نُحِّبُّه لأنفسنا وأهلنا.
يجبُ أن لا يقع الوَطَن رهينةً لِمَن يُطلقون عليهم السَّحيجة أو مِمَن يدَّعون أنَّهم هم المُوالون فقط وبين من يدَّعون أنَّهم هم المعارضون أو الوطنييّون فقط، وبالتالي فإنَّهم يُقسِّمون ويُجزّءون الوَطن. إن الوَطَن للجميع، وأن تربية الأردّنييّن وثقافتهم نَشَأت على انتمائهم لهذا الوطن وولائِهم لهذا النِّظام مُنذُ نَشْأته وعلى مَدارِ مِئة عام، والأردنييّون اليوم هُم على قَدَرٍ عالٍ من الوعي والثّقافة ولا يَسمَحون لأيٍّ كان بأن يُشَكِّك بولائِهم وانتمائِهم والمُزاودَة عليهم، هؤلاء هُم الذين يُطلِقون البيانات تلو البيانات بإسم عائِلاتهم أو عشائِرهم أو قبائِلهم على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، على اعتبار أنَّهم يُمَثّلونهم، أقول لهم كفى! لأنَّ الأردّنييّن ليسوا بحاجة إلى دروس ومَواعِظ في الوَلاء والانتماء. اتقوا الله في هذا الوَطن وارحموه؛ لقد أصبحتم عالةً على الوَطن والنِّظام... وإلى متى؟ لقد امتلأت بُطونكم وانتفخت جُيوبكم.
هناك مُمثِّلون حقيقيّون للأردنييّن وقامات اعتباريّة أردنية معروفة لم يلجأ أيّ منهم يومًا لاستغلال وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الشّكل والأسلوب لأنَّهم أكبر من ذلك ولا يحتاجون لذلك ومنزلتهم محفوظة لدى الجميع.
ارحموا هذا الوَطَن، ارحموا شعبه....
حمى الله الأردّن وشعبه من العَبَث والعَابِثين والمُنافِقين والمُتمَّلقين، والذين هَمّهم ومُبتغاهم هو البحث عن المَواقع والمَناصِب بأي طريقة أو وسيلة كانت.
حَفِظَ اللّٰه الأردّن قيادةً وشعبًا، وحَمَى الأردن والأردنيين والإنسانية جمعاء من شرِّ هذا الوباء اللعين.