30-03-2021 03:43 PM
سرايا - يرى الاقتصادي الأسترالي والبرفسور في جامعة كوينزلاند جون كويغنغ بمقال نشرته صحيفة “الغارديان” أن جنوح سفينة الحاويات العملاقة في قناة السويس ووقفها للملاحة البحرية لأكثر من أسبوع يؤكد مرة أخرى أن الطرق البحرية لم تعد مهمة كما يزعم البعض.
وقال إن السفينة “إيفرغيفن” حررت في النهاية ولكن نقاشا مكثفا دار حول الكلفة الاقتصادية العالمية بسبب إغلاق القناة. وتم التركيز على فكرة أن نسبة 12% من التجارة العالمية تعبر القناة. وبالمقارنة لم تعلق إلا قلة من المراقبين على حقيقة أن القناة أغلقت ولمدد طويلة في الماضي، مما يعطينا فكرة جيدة حول ثمن إغلاقها.
وكما يظهر فالثمن هو أقل مما تقترحه بعض التغطيات الإعلامية، فقد أغلقت القناة مرتين بسبب الحروب، الأولى عام 1956 والثانية في 1967. ففي عام 1956 أغلقت القناة بسبب قرار الحكومة المصرية تأميمها بعدما كانت مملوكة من البريطانيين والفرنسيين. وردت الدولتان على التحرك المصري بعملية عسكرية لاستعادة السيطرة، مما أدى لإغراق معظم السفن التي كانت فيها. وفي النهاية انتهت الحرب وأعيد فتح القناة بعد أربعة أشهر من الإغلاق.
أما حرب 1967 فقد أدت لإغلاق القناة مدة ستة أعوام. ومنحت هذه المدة الطويلة فرصة لقراءة أثر الإغلاق. ويقول إنه قام قبل عدة سنوات بدراسة هذا معتمدا على عمل جيمس فيرير من كلية دارتموث. وبدأ فيرير بدراسة زيادة مسافة الملاحة بين الدول بسبب إغلاق القناة. ولأي دولة فإن الزيادة قورنت بتدفق التجارة من أجل دراسة مستوى الأثر.
وبالنسبة لعدد قليل من الدول مثل الهند وباكستان، فقد كانت زيادة الملاحة للتجارة المرجحة كبيرة (حوالي 30%) لكن الأثر على النشاط الاقتصادي كان صغيرا. وكانت الزيادة بالنسبة لبريطانيا 3.2% وفرنسا 1.5%. وقدر فيرير أنه وعلى المدى البعيد، فالزيادة النسبية لمسافات النقل البحري، لنقل 10% ينتج عنها انخفاض في التجارة، أي نصف هذه النسبة 5%. ويقدر أيضا أن الانخفاض في التجارة ينتج عنه انخفاض في الدخل القومي أو الناتج المحلي العام، حوالي 25% في الحد الأعلى.
وبجمع هذه الأرقام وتقدير نسبة التجارة للناتج المحلي العام، قام الكاتب بتقدير خسارة بريطانيا من إغلاق القناة طوال الفترة ووجد أنها تصل إلى 0.06% وفي حالة فرنسا فالرقم هو 0.03%. ولم يقدم فيرير تقديرا حول خسارة أستراليا من إغلاق قناة السويس، واللجوء بدلا من ذلك للطريق الأطول حول رأس الرجاء الصالح والذي لم يكن كبيرا من ناحية تناسبية. ومن هنا فمن المستبعد أن يكون تأثير إغلاق القناة على الاقتصاد الأسترالي أكبر من تلك الأرقام المقدرة لبريطانيا. فنسبة 0.06% من الناتج المحلي العام تصل إلى 100 مليون في العام، وهو رقم لا يستهان به، ولكنه لا يقارن بالتعطيل الذي تسبب به كوفيد-19.
وأدى الإغلاق المؤقت لقناة السويس لتسليط الضوء على موضوع خلافي آخر وهو السيطرة على بحر جنوب الصين. فهل ستؤدي أزمة تنتج عن محاولات الصين السيطرة على البحر إلى آثار خطيرة؟ ولطالما تم الحديث عن أهمية البحر، حيث تمر عبره نسبة 20% من التجارة العالمية (3.4 تريليون دولار أمريكي حسب تقدير) وهو مبلغ كبير. لكن معظم التجارة تذهب من وإلى الصين.
وكما لاحظ الكاتب عام 2016 فيمكن للصين السيطرة على هذا البحر كما يحلو لها مستخدمة سياسات محلية. وكما هو واضح فقد استخدمت الصين هذه السلطة ضد أستراليا فيما يتعلق بكم واسع من الصادرات. أما بالنسبة لتريليون دولار أمريكي المتبقية والتي تمثل نسبة 1.5% من الناتج المحلي العام الدولي، فيمكنها حالة الأزمة البحث عن طرق بديلة كما حدث عندما أغلقت قناة السويس. وربما حاولت بعض السفن البحث عن طرق عبر المحيط الجنوبي. وقد يكون هذا الطريق غير مريح ومكلفا، ولو قمنا باستخدام نفس الطريقة في حساب الخسائر بطريقة تناسبية فالأثر سيكون متواضعا. ومن السهل الحديث عن خطوط الملاحة البحرية وأهميتها أكثر مما هي في الحقيقة. وفي كل الأحيان، عندما يغلق خط ملاحي، يجري البحث عن خط آخر وتسير التجارة كالمعتاد.