17-04-2021 09:41 AM
سرايا - كتب - الوزير الأسبق "الدكتور صبري ربيحات"
في مطلع السبعينيات من القرن الماضي كنت لا ازال على مقاعد الدراسة في مدارس لواء الصلابة والشقاء وفي قرية عيمة ، قرية المهاجرين التي تركها اكثر من ٩٠٪ من اهلها بفعل القحط والاهمال..
في تلك القرية التي تقع على بعد تسعة كيلو مترات الى الشمال الغربي من بلدة الطفيلة ينتهي اسفلت الشارع الضيق الواصل للقرية عند مدخلها وتستسلم الهندسة لايقاع الطبيعة فلا شيء يبدو اكثر صلابة من حجر الصوان الجاثم على مدخل القرية غير بعيد عن العمود او الصخرة الاخرى التي انشقت الى جزئين الامر الذي جعل الاهالي يعرفونها ب "المشقوقة"
عند هذه الصخرة يجتمع الذي شكل نقطة الترقب والملاحظة ومحطة التوديع والاستقبال لكل من يدخل عيمة او يغادرها الى عمان او الديار المقدسة.
كانت المواصلات بين عيمة وعمان مباشرة في معظمها، الرسائل والهدايا والامانات وحتى خبز الطابون والبيض البلدي وزيت الزيتون يجري ارساله من عيمه الى افراد الاسر المتغربين في العاصمة ومن خلال اربعة من ابناء القرية الذين تولوا ترتيب رحلات النقل بمواعيد معلومة وحسب ما تيسر.
الركاب والحاجيات والاخبار تنتقل من القرية الى الحي ومن الحي الي القرية بسرعة مذهلة لدرجة ان البعض لم يشعر انه غادر القرية بفعل التواصل مع الاهل ممن اثروا البقاء للاهتمام بالمزروعات او لادامة بيوت استضافة الابناء والاحفاد والناخبين الذين سرعان ما يتوافدوا على القرية عند سماعهم لانباء تجدد انتخابات البلدية او الاتحاد الوطني او غيرهما من اشكال التجمهر والاستقطاب التي شكلت مناسبات لاعادة التموضع واعلان الانحياز.
حتى ذلك التاريخ لم تحظى القرية التي احبها المرحوم وصفي التل بعناية اي مسؤول بالرغم من بعض الزيارات الشكلية التي قام بعض المحافظين الذين شغلوا موقع المحافظ لمنطقة الكرك التي كانت الطفيلة ضمن حدودها.
في ذات صباح ربيعي من عام ١٩٧٢ رايت وللمرة الاولى متصرف اللواء في لباسه الميداني يصحب البلدوزر الذي جاء ليخلع الصخرة الأزلية التي احتلت غالبية مساحة الطريق وفرضت على السيارات العابرة التأني لتجاوز حوافها.
.
صورة المتصرف حسن المومني كانت أول و أبهى الصور التي حملتها ذاكرتي عن الحاكم الإداري الاردني وهو يؤدي عمله بصدق وتفان واخلاص.
لقد امضى الرجل الطيب السمح المهاب ذلك اليوم موجها ومشرفاً لأعمال فتح الطريق لقريتنا بحب وتواضع لا يمكن وصفهما بكلمات. المشهد الذي شدني كان عينة من مسيرة وانجازات الرجل التي بقيت ماثلة و حفرت اثرا في ذاكرة الطفيلة واهلها وربطت الرجل بالناس في رباط لا اظن ان احدا من اهل المنطقة لا يعرفه ويقدره.
منذ ذلك اليوم وانا احمل في جوانحي مودة واعجاب وتقدير لحسن المومني الذي اصبح لاحقا وزيرا للبلديات.
في عام ٢٠٠٦ وابان عملي كوزير للتنمية السياسية زرت قرى صخرة وعبين وعبلين وتشرفت بلقاء الرجل الذي لا زالت صورته وهو يشرف على شق الطريق لقريتي ماثلة وحية.
في تلك الزيارة شكرت أبا أيمن بأثر رجعي وعبرت له عن اعجابي به وبنموذج العمل التنموي الذي اتبعه يوم كان المتصرف مدججا بسلطات اختار ان لا يستخدم منها الا ما ينفع الناس .
الرحمة لروحك ايها الوزير المتصرف المواطن النبيل واطبب العزاء لاسرتك ورفاقك ولنا ولنموذج العمل الذي مثلته والارث الذي تركته لعائلتك ولنا جميعا.