17-04-2021 09:55 PM
سرايا - رحلة أي إنسان إلى الوجود تبدأ من خلية واحدة. فما سر هذه الخلية الخارقة؟ وكيف تستطيع أن تشكل 37 تريليون خلية معقدة لكل منها وظيفة محددة؟ كان ذلك ولا يزال أحد الأسرار التي لم يبح بها الجسم البشري للعلماء حتى الآن.
في بدء تكوين الإنسان كانت خلية البويضة المخصبة. تنقسم هذه البويضة إلى خليتين ثم إلى 4 ثم 8، وتواصل رحلة انقسامها وتحورها وصولا إلى تكوين الجنين من هيكل عظمي وأنسجة وغدد وعشرات الأجهزة والأعضاء التي لكل منها دور محدد.
ورغم أن هذه العملية تحدث مع كل جنين بشري، فإنه لا تزال معرفة كيف تنقسم خلية البويضة المخصبة إلى عشرات الأنسجة ليصبح لدينا في الإنسان البالغ نحو 37 تريليون خلية لكل منها دور متخصص، واحدة من مجاهل علم دراسة جسم الإنسان ووظائفه الحيوية التي ما زالت تحير العلماء وتثير فضولهم بشدة.
محاكاة عكسية
في محاولة لفهم انقسام الخلايا البشرية وتطورها وتحورها، ابتكر الباحثون في جامعة ييل (Yale University) ومايو كلينيك (Mayo Clinic) أسلوبا للمحاكاة لتتبع عمليات الانقسام والتطور والتحور في الخلايا عكسيا، وصولا إلى المراحل الأولى لانقسام خلايا الجنين لتمنحنا هذا التنوع المذهل من الخلايا والأنسجة، ونشر الباحثون نتائج الدراسة في دورية ساينس (Science).
في هذه المحاكاة استخدم الباحثون بعض خلايا الجلد من شخصين بالغين لتتبع تسلسل تطورها الخلوي عكسيا عبر تحديد التحورات أو التحولات الضئيلة التي طرأت على جينومات هذه الخلايا رجوعا إلى الخلية الأولى.
هذه التحورات غير الموروثة تحدث عند كل انقسام للخلية أثناء مراحل تكوين الإنسان. وتقل نسبة الخلايا التي ما زالت تحمل آثارا أو بقايا التحورات التي حدثت نظرا لاستمرار هذه الانقسامات، لكنها تترك للعلماء خيطا أو مسارا لتتبع هذه التحورات وصولا إلى الخلايا الأولى.
وكلما زادت نسبة الخلايا التي تحمل آثار أي تحور، كان ذلك دليلا يرشد الباحثين إلى أن التحور قد حدث في مرحلة مبكرة من تسلسل تطور الخلية، بالقرب من أصلها المشترك أو الخلية الأم أثناء مراحل تطور الجنين.
التحورات في مرحلة مبكرة
وعلم الباحثون من الدراسة أن بعض التحورات في خلايا الجلد حدثت في مرحلة مبكرة من تطور الجنين، وذلك لأن هذه التحورات رُصِدت أيضًا في عينات الدم واللعاب والبول المأخوذة من البالغين.
وفي الجسم البشري، تنشأ خلايا كل نوع من هذه الأنسجة المتخصصة من طبقة جنينية مختلفة، أو أنواع الخلايا المتمايزة الأولى في الجنين التي أدت إلى نشأة أنسجة النظام العصبي والأمعاء والدم والأنسجة الرابطة.
وكشفت نتائج الدراسة أن التحورات التي حدثت في الجنين ترثها أو تحتفظ بها كل خلية لاحقة طوال مراحل تطور الجسم وصولا إلى مرحلة البلوغ، مما أتاح للباحثين إعادة تكوين أنساب أو مسارات تسلسل التحور أو التطور الخلوي لهؤلاء الأفراد.
ليس هذا فحسب، بل إن نتائج التتبع العكسي لتطور الخلايا تفتح الباب أمام العلماء لرصد الاضطرابات في تطور الخلايا رجوعا إلى بداياتها في الخلايا المشتركة.
فالاضطرابات العصبية النفسية مثل الشيزوفرينيا والتوحد تنشأ من خلل أولي في وظائف الخلايا، مما يعطل العمليات الأولية المنظمة لتطور الخلايا، وقد يؤدي ذلك إلى تغيير في نمو وتوسع تسلسل التطور في خلايا معينة أو عند انفصالها لتكوين خطوط جديدة من الخلايا أثناء عملية التطور.
تكنولوجيا واعدة
ومن اكتشافات الباحثين المثيرة عند تتبع تطور الخلايا أن مسارات تتبع التحور في الخلايا التي تلتقي عند الانقسام الأول ليست متماثلة، فإحدى الخليتين الأوليين الناتجتين عن انقسام الخلية الأولى في الجنين كانت مسؤولة عن 90% من أنواع الخلايا في الجسم البالغ، بينما كانت الخلية الأخرى مسؤولة فقط عن إنتاج خلايا المشيمة التي تغذي الجنين الجديد.
ومع أن العلماء يقولون إن التكنولوجيا المتاحة لتتبع الفروق الفردية في مسارات تحور الخلايا خلال كل خطوة من مراحل تطورها، ما زالت محدودة لكنها واعدة، فرغم أن العينات المأخوذة لم تتطلب أي تدخل جراحي، فإنها فتحت نافذة واسعة على التاريخ الشخصي لتطور خلايا الجسم البشري.