18-04-2021 08:36 AM
بقلم : هاني الفلاحات
في ليلة السادس من رمضان وقبيل أذان الفجر تابعت برنامجاً على محطة الـ mbc عن شخص سمعت اسمه سابقاً ولكني لم أعرفه كما عرفته من خلال هذا البرنامج، إنه مدير شركة أرامكو السعودية 1995-2008م عبدالله جمعه، ويبدو أن الرجل الذي كان تخصصه أساساً العلوم السياسية من القاهرة وبيروت، ثم تابع تعليمه حتى أكمل برنامج التطوير الإداري في جامعة هارفارد في مدينة كامبردج.
أعجبتني الطريقة التي قدّمَته بها قناة الـ mbc فظهر الرجل عملاقاً من عمالقة الادارة في السعودية، وبدا أن الرجل أيقونة للعطاء ورمزاً للابداع؛ فتحدث عنه زملاؤه حتى المتقاعدون منهم عن قائد فذّ، وزعيم روحي كان من شعاراته "إخراج المارد من القمقم"، وكان بذلك يستنهض همم زملائه في العمل، وتحدث عنه رجال الدولة وعِليَة القوم كبطل وطني، الذي أصبحت أرامكو في زمنه صاحبة أكثر من 600.000 براءة إختراع، عندما دعم موظفيه وآزرهم وحفظ حقوقهم وضمنها لهم، كما كان صاحب الشعار العالمي لمعظم شركات البترول العالمية عندما أجاب إحدى الناشطات للبيئة في البرازيل يوم قالت له أمام حشد ضخم: أما تستحي من نفسك عندما تقدم نفسك كمدير لأكبر شركات البترول في العالم، فابتسم وهو يجيبها وقال: أفتخر بنفسي عندما أرى الاطفال يركبون الباص للذهاب للروضة، وأفتخر أكثر عندما أرى الناس يعالجون في المشافي على أجهزة تعمل بفضل انتاجي، واكون أكثر سعادة عندما أنظر اليك وقد سترت جسمكِ باكثر من 70% من منتجات بترولي، وأضاف أنني أعمل على إسعاد الناس، فعادت واعتذرت له وقالت: وأنا سأغيّر بفضلك عملي ليكون لإسعاد الناس، وهكذا أصبح مفهوم إسعاد الناس شعاراً لشركات البترول بفضله.
وفي ذات الوقت آلمني في وطني إسناد الادارات العامة والكبرى الى الفشله، الذين دمروا البلاد والعباد، والذين دمّروا المؤسسات وأفشلوا الوطن، ويؤلمني كل يوم وأنا أراهم يتربعون على هرم مؤسساتنا يعيثون فيها فساداً بلا وازع من ضمير ولا رادعٍ من أخلاق، ليس هذا فحسب بل تمادوا في غَيّهم وهم يُفرغون مؤسساتنا من المبدعين؛ فلقد اثبت التاريخ أن الفشلة عندما يتربعون على عرش المؤسسات دون وجه حق، لا يبلثوا أن يتخلصوا من كل المتميزين لأنهم – الفشله – لا يقوون على مواجهة الاقدر والأفهم والأعلم منهم، كما أنهم يُقربون اليهم من هم على شاكلتهم، فتصبح المؤسسه في زمانهم وبعده عنواناً للتردي ورمزاً للانحدار والتراجع، ونصيح في كل يوم: ما هي أسباب ضعف الحكومات وتراجع أداء القطاع العام؟!.
والمحزن المبكي، أن حالات النجاح القليلة لا نُعظمها ولا نهتم لأمرها، ولا نُقدّر دورها، بل لا نعطيها فرصة أطول لتدوم نجاحاتها، وتتعزز انجازاتها، وكأننا أعداء للنجاح، فكم أحيل مميزون على التقاعد مبكراً فقط لأنهم أبدعوا ونجحوا، وكم إستبعد عظماء عن ميادين العطاء لأنهم شرفاء، في حين يتعفن الفشلة في مواقع المسؤولية المتقدمة، فمن يا ترى المسؤول عن كل هذا؟!
أما أكثر المشاهد في وطني إيلاماً يوم نرى العظماء في وطني يُشَوّهون ويُلوثون ويُتهمون بالفساد، فننتزع من صدورهم كل معاني الانتماء وكل آيات الولاء لأنهم يدفعون ضريبة انتمائهم الاصيل وولائهم النقيّ وحُبهم الحقيقي للارض والانسان على ثرى وطنهم، فمن صاحب المصلحة في إغتيال شخصياتهم؟! ومن هو صاحب المنفعة في تدمير إرثهم وتشويه صورتهم؟!
وفي الختام، كم تمنيت أن أرى تلفزيوننا الوطني يقدم لنا سيرة أحد أبطال النجاح، وأحد رموز العطاء الوطني، لا سِيَر الفاسدين والطارئين على الجغرافيا الوطنية.