حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 1900

(كتاب الزمن) .. المراوحة بين الخيالي والواقعي

(كتاب الزمن) .. المراوحة بين الخيالي والواقعي

(كتاب الزمن) ..  المراوحة بين الخيالي والواقعي

18-04-2021 09:12 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - في الوقت الذي ينجذب فيه بعض الكُّتاب إلى ما يُعرف بأدب الحقيقة أو أدب الواقع، يرى
آخرون أنّ الخيال هو خير ما يمكن أن ينطلق منه الكاتب لكتابة نصه السردي حتى ينعم
بسقف عالٍ من الحرية وينجو من محاذير قد تعيق وصول روايته إلى القارئ نفسه.

وإنْ كان هناك من يعتقد وَاهماً أنّ الرواية الواقعية مناقضة للرواية الخيالية في مقاصدها،
فإنّ التمعن في كلا الصنفين يُبرز أنهما لا يختلفان في ارتباطهما بالواقع بطريقة أو
بأخرى، ذلك أنّ النص السردي عينٌ على الواقع حتى لو كان خياليّاً في سرده لأحداث
الحاضر أو المستقبل. والحق أنّ العديد من المؤرخين والنقاد ما زالوا يتساءلون: كيف
تسنّى لأيليا اهرنبورغ أن يتنبأ في روايته البكر «مغامرات خوليو خرينيتو» التي صدرت في
عام 1921 ،بظهور الفاشية وصنع القنبلة الذرية. والأمثلة عديدة في الواقع السردي العالمي
والعربي أيضا، القديم منه أو الحديث.
ومن الأعمال السردية الحديثة التي يمكن أن نصنفها ما بين الخيالي والواقعي، نذكر
رواية «كِتاب الزمن» للكاتب القطري فيصل الأنصاري التي صدرت مؤخرا عن دار روائع الكتب
في تركيا. وجاءت في 189 صفحة وقُسمت إلى أربعة فصول احتوى كل منها على عناوين
فرعية تواكب سير الأحداث فكأنها مفاتيح تهيئ القارئ لما سيقرأ.
تدور أحداث الرواية في منطقة الخليج العربي في عام 2124 ،ويبدو واضحاً أنّ الكاتب اعتمد
على الترميز والإشارة وأحيانا على التلميح والتبطين ليفاجئ القارئ بما هو غير متوقع
حتى لو كان ما يقرأه يجري في المستقبل. ولكنه المستقبل الذي يرسمه بملامح الحاضر
إلى حدٍّ بعيد، فالتفكك ما زال يحكم قبضته على جسد الأمة، وطموحات الوحدة ما زالت
مغرية لمن يقاومون لأجلها.. فها هو يقول على لسان إحدى شخصيات الرواية: «أخطر عدوٍّ
للأمة في جميع مراحل التاريخ هو التناحر والاختلاف وتغليب مصالح الفئات على المصالح
العليا، لن تمر لحظة انهزام أو تراجع في التاريخ إلّا وعنوانها الأبرز هو التشرذم والشتات».
بطل الرواية نائب في البرلمان، وهو وريث «كِتاب الزمن» المفقود، و يتعرض إلى ضغوطات
من أحزاب تسعى لتنحيته، لأن ما يدعو له من أفكار تقوم حول التكاتف والوحدة، تشوّش
عليهم إنجاز مخططاتهم في إجازة التعامل مع العدو بمنطق المصلحة.
بشكل مفاجئ وبترتيب متسارع يقلب الكاتب التسلسل المنطقي للأحداث فيعود بها
إلى الوراء ويماهي ما بين الماضي والحاضر، حيث يخوض البطل رحلة بحث عن «كتاب
الزمن»، الذي يتجاوز عمره 2000 عام، لكنه فُقد منذ مئات السنين، فيعود للبحث عن التاريخ
سواء على مستوى رحلته العجائبية أو على مستوى معارفه ومعلوماته. فكأننا بالكاتب
ينبه القارئ على أهمية قراءة التاريخ من جديد، فمن يُهمِل تاريخه لن يستطيع الصمود لا
في الحاضر ولا في المستقبل. لكن الممتع أنّنا مع كل رحلة في الزمن، نكاد نجزم أن

فيصل الأنصاري يأخذنا مع بطله من حالة إلى أخرى وليس فقط من زمن إلى آخر. كلّ ذلك
يحدث بحبكة زمنية وتحكمٍ في عنصريْ التشويق والمفاجأة.
فمن صراعات الواقع وتناحر الأحزاب السياسية في زمن البطل، ننتقل إلى الماضي
فنُدهشُ ببراعة البنيان والعمارة وما يصحبهما من فن وإبداع ناهيك عن الدقة
والتفاصيل المتعلقة بالأحداث التاريخية. ونتساءل هنا: هل تزوّد الكاتب بما قرأه واطلع
عليه من مراجع تاريخية أم بزيارات سابقة إلى عدد من الأماكن التي وصفها وصفا دقيقا
في كثير من المواضع. وعلى سبيل المثال نذكر وصفه لدمشق قائلا: «فتلك الأسقف في
أقصى الشرق هناك جاءت من ألواح الزنك، أما الجنوبية فاتخذت أسقفا من القرميد المائل،
جلست في وسطها قبة كبيرة داكنة اللون، أحاطت بها مئذنتان قصيرتان حوت كل
منهما جرسا عظيما، والمنازل في الجنوب تشابكت».
كما برع الكاتب في وصف الشخصيات وملابسهم وحتى انفعالاتهم ليكون القارئ عليما
حتى بما يساور البطل من خوف وهواجس وأفكار، إذ كان البطل الرئيس هو الراوي
المطلع على كل شيء. هذا بالإضافة إلى المعلومات التاريخيةعن عدد من الشخصيات
والأحداث التاريخية، وهو ما يُظهر تمكّن الكاتب واطلاعه، بما ساعد الرواية على أن تتماهى
مع الرواية التاريخية في كثير من فصولها التي ارتبطت برحلة البطل عبر نفق الزمن.
ناهيك عن إشارات سياسية تكشف عن التحولات الجيوسياسية التي عرفتها المنطقة
العربية عبر مراحل زمنية عديدة جعلتها لا تهنأ بالاستقرار طويلا. فمن خلال رحلة البطل
عبر الزمن، تتخذ الأحداث مسارا دائريا، فما حدث اليوم يشبه ما حدث في الماضي، وكأننا
بالأنصاري يلفت الانتباه إلى أن الأمة تسير على النهج المتسم بالتفرق نفسه، وإذا لم
تتدارك الحال ستكون نتائج المستقبل كما الماضي.
يبدو أنّ الكاتب قد عوّل على بطله ليأخذ زمام الأمور ويكون القائد ليس فقط على أرض
الرواية وإنما كأنموذج يحتذى به أمام القارئ، فعزّزه بكل عناصر القوة التي تجعله يحظى
بتأييد القارئ وتحمّسه لما يقوم به، إذ رسمه كقائد رأي وسياسي مسؤول تجاه أمته، وكأنه
يريد أن يُحرك فينا تلك القناعة الراسخة بأن الخير لا بد أن ينتصر. مثلما انتصر البطل
باسترداد كتاب الزمن وهزيمة منافسيه وإسكات المتشككين في أصل أجداده
وفضلهم.
وإن كان تسلسل الأحداث يعتمد في ذلك على الخيال من حيث الانتقال من الحاضر إلى
المستقبل عبر كبسولة الزمن التي اخترعها العلماء، فإنّ في ذلك إشارة نبيهة وغير

مباشرة أيضا وظفها الكاتب ليدعو إلى أهمية الأخذ بالعلوم لاستعادة أمجاد الماضي
حفظا للأمانة التي يرمز إليها «كتاب الزّمن».
تنتهي الرواية بالعثور على «كِتاب الزمن»، ولكنّ الكاتب ينجح في إثارة فضول القارئ
بجعله يستشرف علامات رحلة أخرى تكون إلى المستقبل. فها هو العالِم «جمال»، يدعو
صديقه البطل إلى رحلة جديدة: «جئت اليوم لأبشرك أنّنا انتهينا من إنجاز نفق المستقبل
وهو جاهز للرحلة الأولى». فهل يدعو فيصل الأنصاري بذلك قارئه لترقُبِ جزءٍ ثانٍ من
«كِتاب الزّمن"؟











طباعة
  • المشاهدات: 1900

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم