25-04-2021 02:51 PM
بقلم : الأستاذ الدكتور عدنان الجادري
جامعة عمان العربية
يشهد عصرنا الحاضر ونحن في العقد الثالث من الالفية الثالثة تنوعاً في مظاهر التقدم وايجابياته كنتيجة مباشرة للتغير السريع الذي لم يعرف له مثيلاً عبر التاريخ. وتعود معظم الإنجازات التي حققتها البشرية بشكل مباشر الى نتاجات الثورات الصناعية التي فتحت ابواب مشرعة لتكنولوجيات جديدة شكلت مدخلاً لعصر جديد اطلق عليه عصر التطبيقات الرقمية . و هذه الثورات التي نحن نعاصر الرابعة منها ليست الحلقة الاخيرة في سلسلة الثورات التي تعايشها البشرية ابتداءً بالثورة الزراعية وانتهاء بالثورة الرقمية , بل إنما هناك ثورات اخرى قادمة اعقد واوسع في تطبيقاتها وتاثيراتها على حياة البشرية. وتعد الثورة الصناعية الرابعة التي نعيشها الآن وكما يشير الباحثون الاقتصاديون وعلى رأسهم كلاوس شواب SCHWAB KLAUS المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي الدولي أنَّ تأثيرها يفوق التأثيرات الناجمة عن الثورات الصناعية الثلاث السابقة، وذلك بسبب سرعتها الجامحة، واتساع مجال تأثيرها سواء على الأفراد والمجتمعات أو الأعمال والحكومات, فهي لا تغير فقط في آلية عمل الأشياء بل تغير الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا. ويجدر الاشارة والتأكيد أن هذه الثورة اسست قاعدة رصينة لتطوير المجتمعات الإنسانيَّة والأنطلاق نحو آفاق جديده بفعل وتاثير الذكاء الاصطناعي الذي يعتبر التقنية الأحدث في تطوير المعرفة الأنسانية وتغيير وجه التاريخ .
وليس من شك ان تاثيرات هذه الثورات الصناعية أصابت خصوصية حياة البشرية بكثير من التعقيد والجدل وولدت تبعات وافرازات نفسية وصحية مؤثرة على حياة الانسان وقدراته العقليه , وذلك لان الآلة اصبحت بديلاً لا مفر منه للقيام باعماله وتادية الكثير من المهام وخصوصاً المعقدة منها , وستؤدِّي إلى تغيير جوهري في طبيعة الأشياء وفي طبيعة الإنسان نفسه. ولكن مهما يكن من شيئ فان هذه الثورات وبالاخص المعاصرة منها والتي يمكن ان نطلق عليها بالأكترونية تتعاظم في اهميتها وفوائدها فيما تقدمه للبشرية من انجازات ضخمة . فالمنظومة الالكترونية باتت تشكل العمود الفقري للمؤسسات الحكومية و البنكية والتعاملات التجارية والمؤسسات الطبية والصناعات الدوائية والاجهزة البحثية والتعليمية ونظم النقل والمواصلات وغيرها ... ونقلت العالم بأسره من عالم مادي ملموس إلى عالم افتراضي الكتروني، من خلال ما نلمسه من انتشار واسع في استخدام الإنترنت وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات الحياة المختلفة .
ان هذا الواقع وما يحمله من تحديات على مجتمعنا المعاصر يفرض على المؤسسات وبالاخص التعليمية والبحثية و المسؤولة عن أحداث التنمية الشاملة قراءة المتغيرات والمسستجدات التي افرزتها تلك الثورات الصناعية بشكل موضوعي ومنهجي واختيار السبل الكفيلة للاستجابة والتوافق مع العالم الجديد.
وتأتي الجامعات في مقدمة هذه المؤسسات من حيث اهميتها وتبوؤها المكانه الريادية الفاعلة في هذه المضمار وذلك لانها تمتلك الامكانات العلمية والبشرية والفنية بدرجة عالية لأداء مهامها وخصوصاً ما يتعلق منها بإعداد العلماء و الكوادر البشرية القادرة على ادارة وقيادة المجتمع في كافة مجالاته وأنشطته . والجامعات في كل العهود التي مرت بها البشرية رمزاً لنهضة الأمم وعنواناً لعظمتها ورقيها وتمثل عقل المجتمع وضميره الأنساني في مواجهة التحديات والتغيرات على الصعيد الحضاري والفكري وعين المجتمع في رؤيته وتطلعاته نحو المستقبل استلهاماً من تراثه وشخصيته الحضارية .
وليس هناك ادنى شك أن الجامعات في بداية نشأتها ركزت وظيفتها الرئيسه على التعليم وتقديم المعرفة , الا إن البحث العلمي بات يشكل وظيفة أساسية من وظائف الجامعه ويعود ذلك تحديداً الى منتصف القرن التاسع عشر فقد تحولت وظيفتها من التركيز على التعليم وتقديم المعرفة فحسب إلى وظيفة البحث العلمي كونه يمثل الأداة الرئيسة والطاقة المحركة لإنتاج وتطوير المعرفة. ومن الملاحظ أنه بالرغم من قدم تاسيس بعض الجامعات المرموقة مثل جامعة هارفرد التي تاسست عام 1636 و جامعة ييل التي تاسست عام 1701 وجامعة برنستون وجامعة كولومبيا وجامعة بنسلفانيا التي تاسست في النصف الثاني من القرن الثامن عشر لم تكن بداياتها جامعات بحثية ولكنها اتجهت لان تكون جامعات بحثية في حقبة لاحقة . ولكن المرحلة الحاسمة التي احدثت نقلة نوعية في اهداف ونشاطات الجامعات والأنطلاق نحو مأسسة الجامعات البحثية بدأت عقب تاسيس جامعة ( جونز هوبكنز ) عام 1876 التي ارست دعائم الانطلاق لأن تصبح الولايات المتحدة الامريكية كقوه عظمى ...وذلك لانها نهجت نمطاً جديدأً من التوجهات التي تركز على البحث العلمي والانتاج المعرفي وتطوير الصناعة وتعظيم العائد الأقتصادي وأسست لجيل جديد من الجامعات ا لذي يطلق عليه جيل الجامعات البحثية. وتجدر الاشارة الى ان أولى الدول التي تبنت نهج وفكرة الجامعات البحثية في العالم هي ألمانيا وتبعتها المملكة المتحدة ثم تبنتها الجامعات الامريكية استناداً الى النموذج الالماني. و كان لقادة الجامعات امثال بنيامين فرانكلين في جامعة بنسلفانيا ورجل الاعمال جونز هوبكنز الذي اسس اول جامعة بحثية ودانيال جيلمان اول رئيس لجامعة جونز هوبكنز هم اول من قادوا الجامعات البحثية في امريكا . ولكن الفضل الأكبر يعود لجامعة جونزهوبكنز كأول جامعة بحثية تهتم بالبحث العلمي واخذت نموذجها من ارقى الجامعات الألمانية ( جامعة برلين وجامعة جوتنجن ) في النصف الاول من القرن العشرين . وبعد ذلك اخذت الجامعات الامريكية التوسع بتبني التوجهات البحثية في حين تراجعت الجامعات الالمانية في ذلك واتسعت الفجوة بين الدولتين الى ان احتلت امريكا المركز الاولى في تصنيف الجامعات العالمية ومكانة متميزة بين الجامعات البحثية في العالم . وان الرؤية التي استندت عليها الجامعات البحثية اعطاء اهمية قصوى للبحث العلمي وجعلته من أولويات اهتمامها كونه من أهم مصادر التمويل الخارجي لها وأطلق على هذا التحول الجديد بالثورة الأكاديمية في امريكا وذلك ايماناً بالدور الذي يؤديه البحث العلمي في عملية التنمية الاقتصادية للبلاد. ولهذا حرصت الدول التي تتبنى هذا النهج في وقتنا المعاصر في البحث عن افضل صيغ التنسيق والتعاون بين البحث العلمي في الجامعات والمؤسسات الأقصادية والإنتاجية وذلك من خلال إنشاء المراكز البحثية المشتركة لتحقيق التفاعل الحيوي بين أساتذة الجامعة ورجال الصناعة والأعمال في المجتمع . وعموماَ يعكس هذا النهج حرص الجامعات على أداء وظيفتها البحثية الى جنب وظيفتها التعليميه لأهميتها في تقدم المجتمع وتنميته واسهامها في زيادة موارد الدخل للجامعات وذلك في ضوء ما تحصل عليه من دعم وتمويل مادي مقابل ما تقوم به من مشاريع بحثية للمؤسسات وقطاعات المجتمع. .
ويذكر بهذا الصدد عالم الاجتماع جوناثان كول في كتابه جامعات عظيمة ( Great Universities) عن قصة الجامعات البحثية الامريكية وكيف تحولت اهدافها من التعليم الى انتاج المعرفة والتركيز على اعداد جيل من العلماء وليس حشود من الخريجين . وهذه الرؤية قد تخالف الاعتقاد السائد في كثير من جامعات دول العالم التي تنظر لمهمة الجامعات بالدرجة الأساس هو نقل المعرفة وتواردها من جيل الى جيل آخر واعداد الخريجين لتلبية احتياجات سوق العمل من الأيدي العاملة , ويتناسون قادة تلك الجامعات عمق العلاقة التفاعلية والمتبادلة بين التعليم والبحث العلمي واستحالة الفصل بينهما. ولهذا اصبح الرأي السائد ان تستمر الجامعات الرصينة في اكتشاف انواع جديدة من المعرفة وتنمية انماط تفكير متنوعة ومختلفة . وبناءً على هذا االتصور اخذت الجامعات العريقة تتنافس وتتسابق في النهوض العلمي الذي يعد مدخلاً لارساء قواعد النهوض الاقتصادي والحضاري التي باتت تستثمرها الدول لتصبح قوى مؤئرة ومهيمنة على اقتصاديات الدول الضعيفة في العالم .
وجامعة عمان العربية التي تأسست عام 1999 م تعد واحدة من مؤسسات التعليم العالي في الاردن الذي انبثقت من ارضه الحضارة مطرزة بالعلم والفكر والأبداع ونبراساً يملئ الارض . وتؤدي رسالتها وتمارس وظائفها وتحقق اهدافها وفق أطار فلسفي قائم على ثوابت وقيم ومعايير ورؤية واضحة لاداء مهامها وتحقيق اهدافها بفاعلية وصدق ومسؤولية لبلوغ الريادة والتميز. وتسعى الجامعة وبشكل مستمر إلى المزاوجة بين التعليم والبحث العلمي وتطبيق معايير الجودة والاداء الاكاديمي والانفتاح على الجامعات العالمية المناظرة سعيا منها للحصول على التصنيف الدولي ، مسخرة في ذلك كافة الطاقات والامكانات المادية والبشرية وتوفير بيئة ذات جودة عالية في مجالي التعليم الاكاديمي والبحث العلمي المتخصص، وتنمية المهارات البحثية والخبرات للعاملين مما جعلها خلال فترة قياسية في مقدمة الجامعات الخاصة وفي مصاف الجامعات العالمية المرموقة.
وبالنسبة لوظيفتها المتعلقة بالبحث العلمي فقد تميزت جامعة عمان العربية لأن تكون جامعة بحثية منذ تأسيسها وذلك باسهامها في اعداد جيل متسلح بمهارات بحثية متقدمة من حملة شهادتي الماجستير وقبلها الدكتوراة ليتبوؤا مكانة اكاديمية وقيادية في مؤسسات السوق الأردني والعربي . ولأعضاء هيئة التدريس دور كبير ومؤثر في تفعيل حركة البحث العلمي وتطويره وذلك من خلال انتاج البحوث العلمية والتي وصلت الى بحث واكثر في المتوسط لكل عضو هيئة تدريس سنوياً على مستوى الجامعة وهذه النسبة تعد حالة متقدمة قياساً بالجامعات الوطنية والاقليمية والدولية . أضافة الى بحوث طلبة الماجستير التي يتم نشرها من قبلهم وبمشاركة مشرفيهم باعتبارها شرطًاً من متطلبات التخرج بعد اكمالهم مناقشة رسائلهم الجامعية وفقاً لتعليمات عمادة البحث العلمي والدراسات العليا المعمول بها في الجامعة .
وتجدر الاشارة الى ان سياسة البحث العلمي في الجامعة تنظم وتوجه وفق استرتيجية علمية دقيقة وواضحة الرؤى والمعالم يدركها اعضاء هيئة التدريس من خلال عقد الندوات والاجتماعات المتخصصة التي لا تألو الجامعة جهداً من عقدها . ناهيك عن ما تقدمه من دعم مادي ومعنوي للمشروعات البحثية التي يقدمها اعضاء هيئة التدريس وأسترشاداً برؤيتها ورسالتها واهدافها وشعارها المتمثل بالريادة والتميز ولغرض ارساء معالم نهضتها ومستقبلها الأكاديمي وتحديد موقعها على خارطة الجامعات البحثية العالمية.
فطوبى لجامعة عمان العربية انطلاقتها في التركيز على البحث العلمي بهدف انتاج المعرفة والاهتمام بالتعليم ولتحتل موقع الريادة كجامعة بحثية ولتاخذ موقعها المتميز على خارطة الجامعات البحثية العالمية المرموقة بمشيئة الله وحفظه .
والله من وراء القصد