حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 2190

الثانوية العامة في عام الكورونا الثاني بين إنجاز المهمة وهمّ التطوير

الثانوية العامة في عام الكورونا الثاني بين إنجاز المهمة وهمّ التطوير

الثانوية العامة في عام الكورونا الثاني بين إنجاز المهمة وهمّ التطوير

25-04-2021 04:43 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : زيد أبو زيد

العام الثاني على كورونا يلقي ظلاله على كل مظاهر الحياة، وتختلف القطاعات كلها في سرعة استجابتها محليًّا وعالميًّا لآثاره المدمرة على المجتمع، ولا شك في أن التعليم من القطاعات التي عانت كثيرًا حتى تمكنت نسبيًّا من التكيف على مستوى المدارس والجامعات؛ فوظفت التكنولوجيا وبثت الحياة في خطط كثيرة حفظتهاالأدراج طويلًا لطرائق التعليم الإلكتروني، ومن ثم مكنت الطلبة من الوصول إلى التعليم عن بعد، وأحيانًا عن قرب، ومازجت بين التعليم الوجاهي وعن بعد وبين الإلكتروني والتقليدي، وعقدت امتحان الثانوية العامة بإجراءات محكمة من حيث وضع الأسئلة، وتصحيح الإجابات، واستخراج النتائج وإعلانها، والآن ومع إنهاء وزارة التربية والتعليم معظم إجراءات وعمليات عقد امتحان الدورة الجديدة للعام 2020/2021، نعود لطرح ملف تطوير امتحان الثانوية العامة الأردنية الذي كانَ همًّا مستعصيًا على الحل عبر عقود خلت بعد أن وصلنا إلى قناعة تامة بأن وزارة التربية والتعليم تسطيع إنجاز مهمتها في عقد الامتحان بكل الظروف وبإبداع وحرفية عالية.
فمنذ عقود وامتحان الثانوية العامة (امتحان نهاية المرحلة الثانوية) يمثل في كل دول العالم التي تطبقه عقدة ومعضلة بالرغم من الجهود التي بذلت لتخفيف حدة آثاره النفسية والتنموية على الطالب والمجتمع، إلا أنها بقيت جهودًا قاصرةً عن حل عقده التي تراكمت عبر سنوات، وبأكثر من جانب، وبحسب الدولة التي تطبقه، وسعت كل دول العالم إلى إزالة آثاره السلبية على المجتمع اقتصاديًّا واجتماعيًّا وحتى سياسيًّا، ومنها الأردن الذي بذل جهودًا لضبط الامتحان من حيث إجراءات وأسس عقده، وتحقيق عدالة إخضاع جميع المتقدمين لظروف متشابهة ليحقق أثرًا إيجابيًّا، ولا سيما بعد إنهاء ما يسمى بالفرصة الأخيرة، وتطبيق معادلة احتساب مجموعة من المواد في معدل الطالب من بين المواد التي يحقق فيها الطالب شروط النجاح لدخول الجامعات أو المعاهد المتوسطة، ولكن أصل المشكلة التي تتفاقم كل عام لم تحل، فمئات الآلاف من الطلبة ينقطعون عن الامتحان أو يخرجون فعليًّا من الإسهام في الاقتصاد الوطني، وتحقيق أي نمو في الناتج المحلي الإجمالي، بل يصبحون بشكل أو بآخر عالة وعبئًا على الاقتصاد وعلى المجتمع في ظل أوضاع سياسية وأمنية مقلقة في العالم، ولا سيما في الإقليم الشرق أوسطي، وانتشار الجريمة، وتعاطي المخدرات، وانتشار البطالة لأرقام غير مسبوقة فاقمتها جائحة كورونا، وأفقدت الآلالف وظائفهم في البلاد والملايين على مستوى الإقليم ومئات الملايين على مستوى العالم، بل وأعجزت القطاعات الإنتاجية عن توظيف خريجين جدد لتزيد المشكلة، ومع غياب النظرة القائمة على الوعي الثقافي بخطورة الفكر المتطرف بأشكاله المنظمة وغير المنظمة؛ ما يجعل من حل المشكلة بداية لإصلاح اجتماعي هائل وليس تربوي فقط.
إن التطوير لامتحان الثانوية العامة يجب ألا يقتصر على مرحلة ما أو زمن ما، ولكن ظروف التعامل مع جائحة كورونا تربويًّا قد يكون مدخلًا لاستكمال كل إصلاحات النظام التربوي من طرائق التدريس، وأسس استخدام التكنولوجيا في التعليم، وتطوير منصات التعليم، وتدريب المعلمين، وتطوير قدراتهم، وتأهيل البنية التحتية في قطاع تكنولوجيا التعليم، واستكمال إنشاء المدارس وصيانتها وتأهيلها، ووضع مفهوم التخطيط اللوجستي موضع الفعل للأثاث واللوازم والكتب والموجودات المادية، ومع ذلك بل وقبلها تطوير الثانوية العامة استكمالًا لخطط التطوير التي بدأت فعلًا منذ سنوات، وطبقت أجزاء منها عبر عقود، ثم عادت الوزارة وتراجعت عن بعضها لتعود وتصيغ أفكارها من جديد ليخرج الامتحان في حلة جديدة، ولكنها تحتاج دائمًا الى التطوير.
ولتوضيح الفكرة فإن الحصول على شهادة الدراسة الثانوية العامة يجب ألا يكون مستحيلاً، والشعور النفسي بالنجاح بما له من أثر إيجابي يجب ألا يكون حلمًا بعيد المنال، بل المطلوب أن نجعل التفوق والتميز هو العنوان والتحدي مستذكرين رواية أحد الحكماء عن أن الحياة مليئة بالحجارة فيجب ألا نتعثر بها بل نجمعها لنبني بها درجًا يوصلنا إلى النجاح، فالواجب أن يُعرف واقع النجاح في الحياة، وألا يكون الفشل عنوانًا لمجتمع فتي موارده البشرية هي أساس اقتصاده وعنوان رقيه.
ما دعاني إلى طرح الأمر نجاحات وزارة التربية والتعليم الأردنية في عقدها لامتحان الثانوية العامة في كل الظروف وظروف جائحة كورونا على الطلبة وتلازم الموضوعين في البحث دائمًا عن التطوير وبخاصة أن السنوات الأخيرة شهدت حزمة قرارات تتعلق بامتحان الثانوية العامة أسهمت في فتح المجال مجددًا أمام فئة من الطلبة تقطعت بهم السبل عن استكمال حياتهم والمشاركة في بناء مجتمعهم وأخذ مكانهم في مستقبل وطنهم للتقدم للامتحان مرة أخرى تحت عنوان الفرصة الجديدة، وهو مطلب شعبي بامتياز، فكان أن تفوقت الوزارة هذه المرة على نفسها بفتح الدورات مجددًا أمام الطلبة متجاوزة حتى رغبة المجتمع لتكون هذه المحطة عنوانًا لمشروع تطويري واسع لكل امتحان الثانوية العامة بوصفه جزءًا من تطوير المنظومة التربوية والنظام التعليمي بكل مكوناته، وإعادة توصيف حالة الطالب بعد خضوعه لامتحان الثانوية العامة باحتساب المجموع التراكمي للعلامات، وربطها بسياسة القبول في الجامعات للتخصصات المختلفة بحيث يتجه الطلبة إلى التخصصات الجامعية التي يرغبون فيها، وتعززها علامات المواد الفرعية في الثانوية العامة تحقيقًا لتميز الأداء الجامعي وربطًا عمليًّا بين الدراسة الجامعية والمدرسية، فكان هذا النهج الإصلاحي الحجر الذي حرك المياه الآسنة، والتيار الذي انطلق متجددًا نحو التغيير والتحديث الذي يجب ألا يقتصر على الجانب الأكاديمي بل يتعداه إلى نوعية التعليم بمساراته المختلفة الزراعية والصناعية والفندقية والتكنولوجيا التي أصبحت المجتمعات تقوم على تطورها وتقدمها وما يتطلبها المجتمع من تنمية وصولًا إلى أن يصبح التعليم التقني هو الأساس في مخرجات الثانوية العامة في مجتمع يريد التحول إلى الإنتاج.
وفي هذه المرحلة من تقييم النظام التربوي لا يوجد نقص في التصريحات التي تذكرنا بأن الأردن كان يحتل مرتبة رائدة في المنطقة العربية في مجال التعليم، وهذه حقيقة دعمتها الأرقام في الماضي، ويعززها عددٌ كثيرٌ من المبادرات التي هدفت إلى إصلاح التعليم، لكن الحقيقة أن نوعية التعليم في الأردن ومخرجاته تراجعت لإصرار المخططين على الاعتماد على المادة الدراسية مغفلين التوسع في الجانب العقلي والثقافي والإدراكي، وجاءت اللحظة التي نتوقف عندها لنسأل: كيف حدث هذا، وكيف تفوقت علينا دول كانت كل الدراسات في الماضي تشير إلى فجوة بيننا وبينهم ولكنهم تجاوزوا الفجوة إلى التفوق علينا في ما يتعلق بجودة التعليم ومهارات الطلبة في حل مشكلات الحياة اليومية، ودليلي في ذلك دراسات الرياضيات والعلوم العالمية التي تشارك بها الأردن مثل التيمز والبيزا، ولعلها ليست المقياس الأكثر دقة لقياس مخرجات التعليم، إلا أن هذه الامتحانات العالمية التي يشارك بها طلبة الأردن ترسم لنا صورة أوضح عن مكانة المعرفة التي يكتسبها الطلاب في العلوم والرياضيات والمهارات القرائية من خلال النظام التعليمي بالنسبة إلى الدول الأخرى، وهي دراسات أثبتت النتائج تراجعًا نسبيًّا فيها لطلبة الأردن مقارنة بطلبة دول أخرى في إطارنا الإقليمي وعلى مستوى العالم؛ ما يبرر ثورة بيضاء لإعادة النظر في مجمل النظام التعليمي.
وهنا فإن فهم العلاقة بين التعليم والاقتصاد يساعدنا على فهم السبب وراء نجاح بعض الشركات والمصانع وفشل شركات ومصانع أخرى، وهو المستوى التعليمي للعمالة والموظفين، فليس صحيحًا بالمطلق أن تخريج عدد كبير من خريجي الثانوية العامة سيقلص حجم العمالة؛ لأن من العبث الأخذ بمبدأ أن العمالة يجب أن تكون من غير المتعلمين أو من غير خريجي الثانوية أو المعاهد أو الجامعات، لأنه في عصرٍ تعد فيه المنافسة أسلوب الحياة الوحيد فقد فرضت العولمة والتجارة الدولية شروطًا وقيودًا جديدة على المؤسسات، ومنها ضرورة امتلاك قدرة تنافسية تميزها عن غيرها من الشركات، وغالبًا ما تمتلك البلاد ذات الاقتصاد الناجح مزايا تنافسية على غيرها بالرغم من أنه من النادر ما يتخصص بلد في مجال معين، لذلك من الممكن أن يمتلك البلد الواحد مزايا وعيوب مختلفة في السوق العالمية، وهنا يعد التعليم والتدريب من العوامل الرئيسة في تحديد نجاح الاقتصاد، وعند دراسة جوانب التعليم يجب دراسة تأثيرها في الفرد، صاحب العمل والاقتصاد بصورة كلية، وعليه فإن الخريجين في العقد القادم سيكونون العمالة المؤهلة والمدربة التي ستنهض بالاقتصاد الوطني بسبب مستوى تعليمهم المستمر مدى الحياه وروحهم المعنوية العالية؛ إذ هم خريجو ثانوية عامة أو معاهد أو جامعيون لم يوصموا بالفشل واستنفاذ حقهم في الحياة.
وهنا وبشكل عام، فإن العمال ذوي التدريب والخبرة والتعليم العالي سيتقاضون أجورًا أعلى من هؤلاء الذين يفتقرون إلى هذه العوامل، وهو ما سيرفع من مستوى معيشتهم لزيادة إنتاجيتهم، وهي نظرة تنموية وربطًا للتنمية بالتربية؛ لذلك عملت العديد من البلدان على تطوير نظام تعليمي جيد وقادر على تعليم الأجيال الصاعدة على مختلف الصناعات وخصوصًا المتقدمة.
إن زيادة النمو الاقتصادي في المستقبل يتوقف بدرجة كبيرة على التعليم؛ لأنه في أي عمل إنتاجي يقوم الشخص الأكثر تعليمًا بمهام وظيفته بشكل أفضل من الشخص الأقل تعليمًا، ولا يقتصر الأمر على أنه يؤدي واجباته بطريقة أجود وأسرع وبإشراف أقل، ولكنه يقوم أحيانًا بأشياء أكثر مما هو مطلوب منه، ولذلك سيسهم حملة الثانوية العامة بدور كبير في تحسين العمل وزيادة الإنتاجية، كما أن الطالب الذي على مقاعد الدراسة لن يشاهد في نهاية الطريق سدًّا وحاجزًا أمامه لاستكمال الدراسة؛ ما سيسهم في زيادة سنوات التعليم، وهي خطوة تجعل الناس أكثر تقبلاً للأفكار الجديدة، وأكثر وعيًا بالأساليب الأفضل لأداء العمل، وتفتح أمام الناس فرص عمل أكثر ومجالات أكثر تنوعًا، وتجعلهم أكثر قدرة على التقدم والرقي في مجال المهنة، وفي البحث عن مهن أخرى. ومن الجدير بالذكر أن الحد الأدنى من التعليم للقوى العاملة في الدول الصناعية يكاد يصبح تعليمًا ثانويًّا مضافًا إليه تعليم مهني لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات، وتعد شهادة المدرسة الثانوية الحد الأدنى الضروري لممارسة العمل في كثير من الصناعات الأساسية، ولا يمكن اعتبار الحد الأدنى شيئًا ثابتًا بل يجب النظر إليه على أنه خط مرن قابل للارتفاع المستمر وفقاً لمتطلبات العمل والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وإن عملية النمو والتنمية هي في محصلتها النهائية ارتفاع في مستوى حياة الإنسان وزيادة في دخله وتمتعه بقدر أكبر من الخدمات وارتفاع في مستوى تعليمه؛ ولذلك أبارك هذه الخطوات الإصلاحية التي تنهض بها وزارة التربية والتعليم الأردنية؛ فهذا هو وطني الأردن الذي جسَّد الماضي عظمةً والحاضرَ أملاً والمستقبلَ تحقيقًا، أليس من حقِهِ علينا أن نصونه ونقبِّلَ ترابهُ وننتمي إليه وندعم مبادراته الإصلاحية في كل المجالات مع مئويته الثانية تحت راية الملك المعزز عبدالله الثاني عزز الله ملكه، لنرفع من شأنِ الوطن كما كان دائمًا، ولا نتوانى عن خدمته شرط أن نعمل معًا، ونبحث معًا، ونخلص معًا.








طباعة
  • المشاهدات: 2190
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم