26-04-2021 09:13 AM
سرايا - لسوريا تاريخ عريق غابر في التاريخ، مرت على هذه المنطقة حضاراتٌ عديدة، لعل أكثرها تأثيرًا هي فجر الديانة المسيحية، فمن هذا البلد، بدأت الدعوة لدين النبي عيسى، لكن لا ننسى أيضًا حضاراتٍ أخرى شملت البيزنطيين والرومانيين واليونانيين، الذين تركوا آثارًا لم تمحى حتى الآن، ما تزال شاهدةً على الحقب التاريخية المختلفة.
عند الحديث عن حضارة سوريا وتاريخها، لا بد أن نتحدث عن العاصمة السورية دمشق، إنها واحدةً من أقدم المدن المأهولة في التاريخ، وفيها يوجد الجامع الأموي الكبير، الذي يذكرنا بالعصر الذهبي لهذه المدينة. حين كانت عاصمةً للدولة الأموية، التي امتدت حدود أراضيها من أسيا الوسطى حتى دول المغرب العربي في شمال إفريقيا.
معبد الإله بعل
لهذا المسجد تاريخ طويل. تم بناؤه منذ 1200 سنة قبل الميلاد من قبل السكان القدامى لسوريا المعروفين بالأراميين، وذلك ليكون معبدًا لإلههم "هدد الآرامي". يعرف الإله هدد باسمٍ أخر هو "الإله بعل"، وهو إله العواصف والأمطار (الطقس)، تقول الأسطورة أن هذا الإله كان يتجول في السماء على عربته ويقوم بجلد الغيوم بسياطه مما يؤدي إلى هطول الأمطار.
في سوريا وبعض الدول المجاورة، ما يزال اسم بعل شائعًا، لدرجة أن السكان المحليين يطلقون اسم "الزراعة البعلية" على الزراعات التي تعتمد على مياه الأمطار بدلًا من الري.
معبد الإله جوبيتر
استمر معبد هدد الآرامي في لعب دوره المركزي حتى قام الرومان البيزنطيين بغزو دمشق عام 64 ميلادي، فقاموا بتحويله إلى معبد للإله "جوبيتر"، وهو إله السماء والرعد وملك الآلهة في الدين الروماني القديم والأساطير الرومانية القديمة. وهو اسم كوكب المشتري، أكبر كواكب المجموعة الشمسية.
كاتدرائية يوحنا العمدان
في نهاية القرن الرابع للميلاد، وتحديداً في عام 391 ميلادي، اعتنقت الدولة الرومانية الدين المسيحي، فتحول معبد جوبيتر إلى "كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان"، نسبةً إلى يوحنا المعمدان الذي عمّد النبي عيسى المسيح.
داخل المسجد الأموي، يوجد مقام يوحنا المعمدان، تقول الأسطورة أن رأسه دُفن هنا، يطلق المسلمون على يوحنا المعمدان اسم "النبي يحيى بن زكريا".
المسجد الأموي
في عام 635 ميلادي، غزا العرب المسلمون مدينة دمشق وتمكنوا من الاستيلاء عليها، وبعد فترة قصيرة، أصبحت دمشق عاصمةً للخلافة الإسلامية التي تحكمها سلالة بني أمية التي يعود أصلها لقبيلة قريش، وهي نفس القبيلة التي ينحدر منها النبي محمد.
حصل الخليفة الأموي الأول "معاوية بن أبي سفيان" على لقبه كخليفة للدولة الإسلامية وأمير للمؤمنين في القدس عام 660، لكنه جعل دمشق عاصمة لدولته الحديثة.
في بدايات الدولة الأموية، بقيت كاتدرائية يوحنا المعمدان مفتوحة وسمح للمسيحيين بالتعبد فيها. لكن في عام 706 ميلادي، أمر الخليفة الأموي السادس "الوليد بن عبد الملك" من المهندسين والمعماريين والحرفيين بتحويل الكاتدرائية إلى مسجد.
احتج المسيحيون على قرار الخليفة بتحويل الكاتدرائية إلى مسجد، ورداً احتجاجهم هذا، أمر الخليفة بإعادة كل الكنائس التي تمت مصادرتها من قبل المسلمين عند دخولهم دمشق.
في عام 715 ميلادي، بعد وفاة الوليد بن عبد الملك بفترة قصيرة، انتهت العمل في الكاتدرائية، وتحولت كاتدرائية يوحنا المعمدان رسميًا إلى المسجد الأموي.
بحسب رواية المؤرخ الفارسي ابن الفقيه الذي عاش في القرن العاشر الميلادي، بلغت تكلفة مشروع تحويل الكاتدرائية إلى مسجد بين 600 ألف ومليون دينار، وقد عمل في المشروع حرفيون أقباط وحوالي 12 ألف عامل، منهم عمال فرس وهنود ويونانيين ومغاربة.
بعد انتهاء حكم الأمويين على يد العباسيين عام 750 للميلاد، تم نقل عاصمة الدولة الإسلامية من دمشق إلى بغداد، وسعى العباسيون إلى التخلص من كل بقايا الدولة الأموية، لكنهم كانوا يعتبرون المسجد الأموي رمزًا لنصر الإسلام على الرومان، لهذا السبب، نجا الجامع الأموي من مشروع إزالة بقايا الأمويين، لكن الخليفة العباسي "المأمون بن هارون الرشيد" أمر بإزالة كل النقوش والرسومات الأموية من الجامع واستبدالها.
عانت مدينة دمشق من الإهمال في عصر الدولة العباسية، لهذا السبب، لم يشهد المسجد الأموي سوى القليل من أعمال البناء والترميم.
في القرن العاشر الميلادي، تم تركيب ساعة ضخمة في الجزء الغربي من الجدار الجنوبي للجامع، يقال إن هذه الساعة بقيت تعمل حتى توقفت في منتصف القرن الثاني عشر الميلادي.
في عام 970 ميلادي، غزا الفاطميون مدينة دمشق، وأصبحت المدينة خاضعة للدولة الفاطمية الشيعية، لكن الفاطميين سمحوا للسكان من المذهب السني بدخول المسجد.
في عام 1069، اندلع حريق أدى لتدمير جزء كبير من المسجد بسبب انتفاضة أهالي المدينة على تصرفات الجيش الفاطمي ضدهم.
في عام 1078، انتزع السلاجقة الأتراك السيطرة على مدينة دمشق وتمكنوا من طرد الفاطميين، وأمر الملك "تتش بن ألب أرسلان" بإعادة ترميم المسجد وإصلاح الأضرار التي لحقت به بسبب الحريق.
في عهد الدولة الأيوبية، تعرض المسجد لحريق كبير أخر عام 1167، وتم ترميمه في عهد السلطان الأيوبي صلاح الدين، الذي دفن بعد وفاته على بعد أمتار من المسجد.
في عام 1245، حاصر الخليفة الأيوبي "أيوب الصالح" مدينة دمشق بسبب نزاعه مع أمير دمشق "الصالح إسماعيل"، وخلال الحصار، تم تدمير أجزاء من المسجد، بما في ذلك المئذنة الشرقية للمسجد المعروفة باسم مئذنة عيسى (سميت بمئذنة عيسى بسبب الاعتقاد أن النبي عيسى سوف ينزل في آخر الزمان فيها لمواجهة المسيح الدجّال).
في عام 1260. أقيم تحالف بين المغول والصليبيين، وتمكنوا من الاستيلاء على مدينة دمشق، ولأول مرة منذ تحويل كاتدرائية يوحنا المعمدان إلى مسجد في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، أقيم قداس كاثوليكي. لكن في نفس العام، تمكن السلطان المملوكي قظز من استعادة المدينة.
في عام 1400، تمكن المغول بقيادة تيمور لنك من الاستيلاء على دمشق. وخلال المعارك، تعرض المسجد لحريق دمر أجزاء كبيرة منه. وانهارت المئذنة الشرقية والقبة فيه. أعيد ترميم المسجد فيما بعد في عهد السلطان المملوكي قايتباي عام 1488.
في عام 1516، انتصر العثمانيون بقيادة سليم الأول على المماليك في معركة مرج دابق وسيطروا على مدينة دمشق، شارك سليم الأول في صلاة الجمعة بالجامع الأموي.
خلال الحكم العثماني، تحول المسجد الأموي إلى وقف كبير يعمل فيه 596 شخصًا.
في عام 2001، قام بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني بزيارة المسجد الأموي، كانت هذه هي الزيارة الأولى التي يقوم بها البابا لمسجد، حيث ألقى نظرة على مقام يوحنا المعمدان.