20-05-2021 11:55 AM
بقلم : د.حاكم المحاميد
لا شك أن حي الشيخ جراح قد أعاد الأمة إلى سابق عهدها بعد ان ران على قلوب القوم النسيان، وبدأت القضية في الابتعاد عن المركزية.
ما يحدث في فلسطين سحب ملف القضية الفلسطينية من الادراج ووضعه على طاولة العالم بكل قوة وثقة، فما يتعرض له ابناء فلسطين اليوم وما يقدمون من صمود اعاد ترتيب الاوراق وخلطها، وبدا واضحا دور الأردن المحوري والمركزي في قضية مركزية، وما يقدم من مواقف صلبة ورؤية واضحة تجاه ما يدور في الاراضي المحتلة يعتبر باروميتر لقياس مدى التصاق الاردن ملكا وشعبا في هذه القضية وعلاقته فيها.
في كتابي الموسوم "مدينة القدس في ظل الاحتلال الاسرائيلي 1948- 1990" قدمت خلاصة واضحة للموقف الأردني الثابت والصلب تجاه قضيته المركزية، وقراءة ناجزة لتاريخ الصراع مع الصهيونية، والاعمار الهاشمي والوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، اضافة الى بحث في تاريخ التهويد والاستيطان في المدينة المقدسة، منطلقا من حضور الاستيطان في الفكر الصهيوني، التي تستند إلى الرواية التوراتية التي تعدّ فلسطين مركزاً لدولة إسرائيل، وتميت تاريخها منذ جلائهم عنها، كما توقِف تاريخ اليهود أنفسهم منذ رحيلهم عنها، وقد جسدت الحركة الصهيونية في فلسطين العقيدة التوراتية، عبر ممارساتها العملية باستعمارها الاستيطاني في فلسطين، والقدس، مستندة الى أيدلوجية صهيونية تقوم على أساس نفي الآخر واقتلاعه، لا التعايش معه أو القبول بوجوده، وعليه، فإن غايتها هي الإجلاء والإحلال، وتهجير الشعب الفلسطيني لتوطين هؤلاء المهاجرين مكانه وفق أسس منها: أن اليهود -رغم انتمائهم للعديد من الدول والمجتمعات- يمثلون قومية واحدة تتميز بصفات عرقية سامية، ومعاداة السامية، وان فلسطين هي أرض الميعاد، لذلك فان الاستيطان على الأرض الفلسطينية، يمثل حجر الزاوية في الأيديولوجية الصهيونية؛ لأغراض ديمغرافية وأمنية وسياسية واقتصادية ومائية وطائفية.
وفى عام 1870م، تم تأسـيس أول مسـتوطنة (مكفا إسرائيل) وتعنى أمل إسرائيل في لواء القدس، لتتوسع بعد ذلك أملاك اليهود في منطقة القـدس، يهدف للإعداد لإنشاء الدولة، وبعد إنشائها في عام 1948م، اتجه الاحتلال إلى تحقيق أهداف أخرى، تتمثل في ترسيخ القاعدة البشرية والاقتصادية والعسكرية للدولة الجديدة، وبما يخدم أغراضها التوسعية الاستيطانية المستقبلية، لذلك فقد كان أول عمل قامت به الحكومة الإسرائيلية (البرلمان ) بتاريخ 5/7/1950م، قانون العودة، والذي بموجبه يمنح كل يهودي داخل فلسطين حق الاستيطان فيها، فقد تكللت جهود الصهيونية ومن ورائها القوى الاستعمارية بالنجاح، وعندما تم الإعلان عن قيام إسرائيل عام 1948م على77% من مساحة فلسطين التاريخية، وتمكنت إسرائيل من طرد معظم السكان الفلسطينيين، بعد أن ارتكبت العديد من المذابح والمجازر، ودمرت القرى والمدن الفلسطينية.
وبعد حرب الخامس من حزيران عام1967م، والتي كانت من أهم نتائجها استكمال سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، بعد احتلالها للضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة، بدأت عملية تغيير ديمغرافي، ففي جميع حالات الاستيلاء كانت تجلب أعداداً من اليهود من مختلف أنحاء العالم، ليحلوا مكان السكان العرب الفلسطينيين، وبدأـت بالتهجير القسري للفلسطينيين من القدس من خلال إلغاء الإقامات وهدم المباني بشكل عسكري او عقابي او اداري او قضائي وكان الهدم في مدينة القدس وحدها قد تجاوز حوالي 30% من عمليات الهدم في فلسطين.
لم تترك الدولة الاردنية ونظامها الهاشمي فلسطين وعاصمتها القدس الشريفة وحيدة في معركتها ضد الصلف الصهيوني وما تتعرض له من قتل وتهجير واستيطان لعين، فوقفت الى جانب الحق الفلسطيني وقدمت من اجله كل ما يمكن وخاضت في سبيله العديد من المعارك.
ويتجلّى الموقف الهاشمي في ما قدمته هذه العائلة الشريفة للقدس ومقدساتها من اعمار تاريخي بدأ منذ اكثر من مائة سنة حيث كان الشريف الحسين بن علي الذي اوصى بدفنه في القدس ومن بعده ابنه الملك المؤسس عبدالله الاول الذي اغتالته يد الغدر على بوابة المسجد الاقصى، ومن بعدهم الملك طلال والملك الحسين رحمهما الله قد قدموا نموذجا في السخاء تجاه هذه المدينة، ليقف الملك عبدالله الثاني بن الحسين سليل هذه الدوحة الهاشمية طودا شامخا في وجه ما يخطط الاحتلال لهذه المدينة، ويستمر في تقديم كل ما يلزم لصون عفتها وكرامتها من تدنيس المحتل.
لقد ارتبط الهاشميون تاريخياً بعقد شرعي وأخلاقي مع مكة المكرمة والمقدسات الإسلامية، فحفظوا لها مكانتها، ومع قيام الدولة الأردنية، استكملت في ظل الولاية الهاشمية مسيرة الحفاظ على المقدسات في مدينة القدس الشريف. انطلاقا من الإعمار الهاشمي الأول وتصدى الهاشميون لمزاعم الصهيونية في القدس، حيث تبرع الشريف الحسين بن علي، شريف مكة، طيب الله ثراه، بمبلغ 50 ألف ليرة ذهبية، لإعمار المسجد الأقصى ومساجد أخرى في فلسطين، لتشكل أساس المال الإسلامي لإعمار المقدسات، ملبيا بذلك نداء أهل القدس كأول المستجيبين، حين زاره وفد مقدسي عام 1924م في الحجاز، برئاسة الحاج أمين الحسيني رئيس المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، وأطلعه على المخاطر التي يتعرض لها المسجد الأقصى.
وفي عهد الملك المؤسس، كان طيلة فترة حكمه من 1921-1951م سادناً وحارساً للمقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس خاصة وفي فلسطين عامة.
وما إن تولى جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، سلطاته الدستورية حتى صدرت توجيهاته إلى الحكومة لإعمار المسجد الأقصى المبارك وترميم جدرانه الخارجية الحجرية، وإعمار قبة الصخرة المشرفة، وتركيب قبة خارجية من الألمنيوم الذهبي اللون، وتركيب رخام للجدران الداخلية والخارجية، وإعادة ترميم الفسيفساء فيها وكتابة الآيات القرآنية، ثم ترميم منبر صلاح الدين بعد احراقه من قبل المتطرفين اليهود.
وأضحت المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، جزءا لا يتجزأ من برامج عمل الحكومات الأردنية، وكتب التكليف السامي لها، والتي أكد جلالته فيها ضرورة الاهتمام بها والعناية بمرافقها والتعهد بحمايتها.
وجسد اهتمام جلالته بالمسجد الأقصى، استمرارية هاشمية في رعاية مدينة القدس ومقدساتها، لما لها من مكانة ومنزلة في سائر الديانات السماوية.
سيبقى الأردن سندا لفلسطين وعاصمتها القدس ولأهلها إلى ان يرث الله الارض ومن عليها.