24-05-2021 09:49 AM
بقلم : ابراهيم متعب الجازي
إلى من كان السبب في وجودي بعد الله، من رباني صغيراً ورعاني شاباً وصاحبني كبيراً، الرجل الطيب صاحب النخوة والكرامة، واليد البيضاء والروح المعطاءة، الباقي في قلبي رغم الغياب، يا روحاً أحببتها ولم يسعفني الوقت لأكتفي منها حباً وبراً والدي الاستاذ الفاضل و مربي الاجيال الاستاذ متعب جزاع الجازي .
ومضت الأربعين يوماً بكل ما حملته من قسوة الفراق ووجع البعاد وحرقته على رحيلك الموجع الحزين يا والدي، إنه الفراق الأبدي الذي لا عودة منه أبداً، لست أنا فقط بل كا ما حولي يشعر بالنقص في غيابك، تفتقدك الأماكن والأشياء والوجدان. أشتاق إليك، بل كل ما في الدنيا يشتاق إليك ويشهد لروحك بالخير ويدعو لك عني بخير الجزاء.
فوالله أني قد فقدت رجلا يصعب على الرجال أن تنساه. رغم صعوبات الحياة يا والدي، إلا أنك كنت إلى أن غبت، نظيف اليد عفيف اللسان، مرفوع الرأس وطيب المعشر، يدك ممدودة إلى الخير وسباقا فيه. كنت هامةً يتعب من يحاول مضاهاتها يا متعب، كنت هامة جاوزت في علوها الجبال، وتزينت بمكارم الأخلاق، كنت سديد الرأي، ناطقاً للحق لا تخشى فيه لوم اللائمين. عودتني الصدق، غرست فيَّ الكرامة والمروءة والرجولة طفلاً، وأسقيتنيها شاباً، وعلى نهجك يا والدي ستجدني بإذن الله ماضياً.
أحقاً إنها الذكرى الأربعين لرحيلك القاسي؟ سيطول السفر هذه المرة يا أبا إبراهيم. ودعتك كثيراً في ذلك المطار، وكم أرسلت معك أمنياتي ودعواتي، واستقبلتك كثيراً في نفس المطار بأشواقي وقبلاتي على أكفك الطاهرة، ولكنًّ اليوم اختلف المطار وتغيرت الوجهة يا أبي! إنها الرحلة التي أدمت القلب والعين. بعض الرجال يولدون مرة واحدة في هذا الزمان ولا يتكررون، وأنت منهم. ورجائي أن أكون قد تزودت منك ونهلت من نهر علمك وكرمك وقوتك وحيلتك ما يجعلني أكمل المشوار كما كنت تحب وتتمنى. جاءت هذه الرحلة المشؤومة مبكرة جدا يا والدي، وغيبك شبح الموت الغاشم عن عالمنا، لك في الغياب محبتي وودادي، ولكن الأرواح تلتقي وأنت تعلم كما أنا أعلم أن روحك الطاهرة لن تغيب عني.
والله تفداك الروح والنفس والأموال والأولاد يا حبيبي، فوالله إنها لرخيصة أمام حضرة وجودك وبقائك، ولكن أقف ويدي عاجزة أمام أمر الله إلا عن الدعاء لك، وذكرك في كل صلاة وقيام. ألا ليت كان للموت من رادع يا أبي، ألا ليت كان له من بديل أو ساعة مؤقت لايقافه ولكنه الحق الوحيد الذي يكرهه المؤمنين.
وإن لرجائي الآن أن تكون في دار الحق مبتهجاً، فقد تركت من ورائك ابراهيماً على خطاك ماشياً، وأحمداً وعلياً والفهد وأنوراً، على نهجك يا أبي، على دربك يا والدي سائرون. ففي كل منا جزء منك، في أصواتنا وكلماتنا في عيوننا ونظراتنا، في أرواحنا. ورفيقة دربك أمي، يلهج لسانها بالدعاء لك في كل حين، يؤلمها ذكرك في غيابك ويؤرق ليلها فقدك أيها العزيز الغالي. وسبع نشميات لمبادئك حاملات، وعلى وصاياك محافظات. مهما مر من الدهر ستظل تعيش فينا ونبضك يضخ الدم في عروقنا.
ما زالت كلماتك في أذني يتردد صداها، "أبوك حصان يا ابراهيم، أبوك فقيدة عند الرجال الغانمين". يشهدون لك الغانمين يا أبوي. رغم الألم إلا أن ما يخفف عني هو رؤية محبيك من القريب والبعيد وهم يدعون لك بالرحمة. كم سمعت منهم يا حبيبي عنك. كم مدحوك وكم حرصوا أن أعلم مدى حبك وقيمتك لديهم ولكم تأججت في خاطري مشاعر الفخر والشكر والامتنان لك يا والدي. حتى في رحيلك تركت لي الأثر والسمعة الطيبة عند الناس، تركت لي ما يجعلني أرفع رأسي عالياً عندما يقولون "ولد متعب" ألا لين إني ولد متعب وما أخيب ظنك بإذن الله.
أستودعك يا الله جسد والدي الطاهر الذي غاب عنا وروحه التي لم تغب. أكرم نزله ووسع مسكنه وارحمه رحمة واسعة يا أرحم الراحمين. ولا نقول في هذا المصاب الجلل الا ما يرضي الله، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ملتقانا جنات الفردوس يا أبي، وإلى حينها، فوالله إن قلوبنا لحزينة وأفئدتنا لمفطورة، وأرواحنا تكوى بنار الفراق والشوق إليك.
رحمة الله عليك
وإلى اللقاء يا حبيبي .
ولدك المحب ابو متعب
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
24-05-2021 09:49 AM
سرايا |
2 - |
الله يرحمه ويجعل مثواه الجنة يا رب
|
24-05-2021 01:53 PM
احمد ابو زيد التبليغ عن إساءة |