بقلم : نايف المصاروة

ق ل ل. .مصدر استقلَّ/ استقلَّ بـ. بالراي وفي (السياسة) تحرُّر من أيّة سُلطة خارجيَّة.

وفي الاصطلاح : الاستقلال.. هو التَّحَرُّرِ وَالخَلاَصِ مِنَ القَيْدِ وَالسَّيْطَرَةِ من كل دخيل وغريب.
والاستقلال هو بسط السيادة على الأرض، والحرية في القرار، وتحرر الإرادة والإنعتاق من التبعية.

ارتبط استقلال الاردن بعدة مراحل، منها مرحلة الجهاد ضد الاحتلال الإتحادي، ومن الضرورة بمكان الإشارة الى دور القبائل والعشائر الأردنية في هذه المرحلة، والتي كان لها الدور الاكبر بزواله والتحرر من كل قيوده.

ثم مرحلة الاستعمار البريطاني،والذي نقض العهود والمواثيق ، واحتل البلاد وجثم على صدور العباد لسنوات، من خلال ما سمي بالإنتداب.
فكانت حركات التحرر والتمرد، وقد تأسست الامارة عام 1921 تحت الانتداب البريطاني ، وفي عام 1923 اعترفت الحكومة البريطانية بإستقلال منقوص لشرق الأردن، وتمثل ذلك بالبقاء تحت الانتداب البريطاني.

وتتابعت حركات الرفض والتحرر، وقد اعلن اهل الاردن بقيادة شيوخ عشائره ورموز قبائله، رفضهم للمعاهدة الأردنية البريطانية، التي وقعت عام 1928،وقد عقدت عدة مؤتمرات وطنية، منها مؤتمر عمان وأم العمد، والبلقاء، ومؤتمر ام قيس، الذي صدر عنه عدة توصيات، عرفت بالميثاق الوطني، ومن اهم بنوده، المطالبة بإستقلال إمارة شرق الأردن، وأن تكون دولة عربية ذات سيادة، وأن تدار من قبل حكومة دستورية برئاسة الأمير عبدالله بن الحسين.
واستمرت المطالبات الشعبية ،وقامت الثورات، وتشكلت الأحزاب السياسية ، وكانت مطالب الجميع '' الاستقلال التام عن الإنتداب البريطاني '' .
وفي عام 1938 وبعد أن شبت ونشبت الثورة الفلسطينية، وقف الاردنيون الى جانب أشقاءهم في فلسطين ، وعمت التظاهرات والإضرابات في كل ربوع الاردن بشكل عام وفي عمان بشكل خاص ، وكان شعارها رفض المخطط الإستعماري البريطاني الصهيوني في المنطقة.
وقد تجلى ذلك بقيام أحرار الاردن، بالعديد من حركات الإحتجاج والتمرد، على سلطة الإحتلال البريطاني ، كمهاجمة انابيب النفط وتفجيرها، ومهاجمة الطرق التي كانت تسلكها قوات بيك باشا، ومهاجمة المخافر ودار الحكومة.
كل ذلك وغيره أدى تشكيل قوة ضغط ، على المحتل والمستعمر البريطاني، مما شكل اليقين التام لديهة، بأنه لا مناص من إعادة الحقوق لإصحابها، وترك البلاد وإدارة شؤونها من قبل أهلها.

ونتيحة لذلك وفي يوم السبت الواقع في 23 جمادى الاخرة 1365 هجرية، الموافق 25 أيار سنة 1946 ميلادية ، فقد اصدر المجلس التشريعي الاردني بالاجماع القرار التاريخي الآتي :

اولا : اعلان البلاد الاردنية دولة مستقلة استقلالا تاما وذات حكومة ملكية وراثية نيابية .

ثانيا : البيعة بالملك لسيد البلاد ومؤسس كيانها وريث النهضة العربية ( عبدالله بن الحسين ) المعظم، بوصفة ملكا دستوريا على راس الدولة الاردنية، بلقب حضرة صاحب الجلالة ملك المملكة الاردنية الهاشمية.

ثالثا : اقرار تعديل القانون الاساسي الاردني على هذا الاساس طبقا لما هو مثبت في لائحة ( قانون تعديل القانون الاساسي ) الملحقة بهذا القرار .

بمعنى أن الإستقلال ما تحقق بين عشية وضحاها، ولم يأتي على طبق من ذهب، بل كان من خلال الجلد والجد والبذل والجهاد الذي امتد لأكثر من خمسة وعشرين عاما.

سنوات من الجهاد المتعدد، تارة بالثورات، وتارة بعقد المؤتمرات وإقامة الندوات للتنوير والوعي الوطني ، وتارة أخرى بالمواجهات المسلحة ورفض الوجود الاجنبي، وقوافل من الشهداء والجرحى.

والمرحلة الثالثة الإستقلال هي مرحلة الإعداد والإعتماد على الذات وحماية وصون معنى ورمزية الإستقلال.

الاستقلال زوال المحتل أنى كان أو كان مسماه ، عسكريا واقتصاديا وسياسيا وأمنيا وثقافيا، وبسط السيادة الوطنية على الأرض وحدودها ، والدفاع عنها والموت في سبيل ذلك ، وتحرر الإرادة وحرية القرار والإنعتاق من التبعية .

وأعيد القول وأكرره.. وسأبقى ،عشائريتنا وقبليتنا ستبقى لنا رمزا وعزا ووحدة، وللوطن قوة ومنعة.

وللحاقدين عليها وما أكثرهم، لهم ولغيرهم اقول أيضا ، الاردنيون ليسو حديثي عهد بالفكر السياسي ، بل إنهم وقبل ان يولد الكثيرين من دعاة الفكر السياسي الإنبطاحي، الذين لا يعرف لبعضهم وجه في السياسة، فتميل توجهاتهم وقناعاتهم حيث مالت رياح المصالح، وقبل ان يكون المفتونين بالمعسكر الليبرالي او المعسكر الإشتراكي، وقبل ان تكون اكسفورد، كان الاردنيون يمارسون السياسة التي يعرفها الرجال، وليس اشباه الذكور، وتعرفها الحرائر قبل ان تعرفها بعض الإماء.

ليس مستحيلا ولا أعجوبة أن تكون مستقلا، في رأيك وقرارك السيادي والسياسي، فقط تحتاج للعزم الأكيد، على نيل الحرية، والتضحية في سبيل ذلك بالنفس والمال، لتكون متبوعا لا تابعا، وحرا في قرارك، وسيدا في نفسك لا مسودا عليك .

ومن أوجه تمام الإستقلال الوطني الاردني، تولي شؤون ادارة البلاد، وبناء المؤسسات الدستورية، واستقلال القضاء، وعلو الهمة والإعتماد على الذات، وتعريب قيادة الجيش، وبسط الأمن والنظام واحترام الحقوق والحريات.

ومن أوجه الاستقلال أيضا ،إستغلال الموارد الطبيعية، وتسخيرها لخدمة الإقتصاد الوطني .
في بضعة سنوات وبالعزم والإرادة، رسم الأردنيون قصة نجاح لا تزال ماثلة ، وتصدر الأردن دول المنطقة كلها، في الإدارة والتدريب والتعليم والصحة والنقل وكل القطاعات الأخرى.

لا شك أن دوام أي حال من المحال، فتقلبات الدهر وعواملها لها أثرها وتأثيراتها، وقد تؤدي الى تراجع في السلوك، او الى ضعف في الأداء، ولكنها لن تؤدي قطعا الى طريق الذل والإنكسار الى المستعمر، أي مستعمر.

من تمام الإستقلال الوطني ضرورة الإصلاح السياسي، وتطويره بما يتوافق مع روح العصر، ولكن مع المحافظة على الثوابت الوطنية ، فنقيم كل العلاقات ومع كل الامم والملل، ولكن الأولوية هي للعلاقة وتوطيدها وتطويرها مع الشقيق.
وهنا أسال.. واكرر لماذا نلمس تراجعا في سياستنا الخاجية، ولماذا تأخرنا في الإستجابة للرأي الشعبي والتشريعي في طرد سفير الكيان الصهيوني المحتل، ولماذا نبقي على علاقتنا معهم، وهم يسرقون مياهنا ويسيئوون الى كل علاقاتنا وينقضون في كل يوم مواثيقنا واتفاقياتنا؟

وهل الغاء كل الإتفاقيات وقطع العلاقات مع الصهاينة يؤثر على سيادتنا واستقلاننا؟

أم ان ذلك مصدر قوة لنا وعلو همة لشعبنا، وبرهان دامغ على قدرتنا واستقلاننا وسيادة قرارنا ؟

ومن الإستقلال قوة الإقتصاد واستقراره وتنوع مصادره، وترسيخ نهج الإعتماد على الذات، في الشأن الصناعي والزراعي بالذات.
كنا روادا في زراعة القمح وكل انواع الحبوب، ويكفي حاجتنا وكنا نصدره الى دول الجوار، والسؤال لماذا تراجعنا؟
وما هي اسباب التراجع؟
وهل تغيرت الأرض فأصبحت غير الأرض، فلم تعد تنتج، أم تغير الساسة وتغيرت السياسة، لنعود الى بعض المستعمرين نستجدي ونشتري؟

في عالم اليوم القوة الحقيقية، هي قوة الإقتصاد والصناديق السيادية، وتنوع الصناعات الوطنية الكبرى منها والمتوسطة والصغرى، وقدرتها على التشغيل وخلق فرص العمل، ومدى مساهمتها في الإستقرار الوطني.

ولدينا ثروات وطنية كبرى كالفوسفات والبوتاس والنحاس والصخر الزيتي واليورانيوم والغاز، وإشارات على وجود النفط وغيرها، وفيها وبها ما أكثر الطامعين، والسؤال لماذا خصخصت بعض الشركات الوطنية، التي كانت مصدر قوة ورافدا من روافد الخزينة العامة؟
ولماذا بيعت بثمن بخس، وهل ثمنها يساوي قيمتها السوقية؟
وهل من قرار سيادي جريء لإعادتها مجددا الى حاضنة الدولة وملكيتها كما كانت ؟
وهل مشاريع الخصخصة كانت رافدا للإستقلال، وعامل قوة للقرار السيادي أم أضعفته ؟
ولماذا لا تستغل كل الثروات الوطنية، لتشكل قوة إقتصادية و سيادية، ولتحقق النماء والرخاء للوطن واهله؟
التطوير هو منهج البناء والتجديد والتحديث لكل قديم، فلماذا التراجع في الشأن الإقتصادي والإداري والصحي والتعليمي؟
وهل هذا التراجع البين والواضح يخدم مسيرة الإستقلال أم يضعفها، وما اسباب ودوافع التراجع ؟

وهل ارتفاع الدين العام، وتكرار عجز الموازنة العامة، يدعم الإستقلال ويقويه أم يضعفه؟
وما هي الأ سباب وأين أسس المراجعة والتصحيح لكل البرامج والخطط الإقتصادية؟
ونحن نتجاوز المئوية الاولى من عمر الدولة، ونحتفي بالإستقلال، لماذا لا زلنا نفتقر الى المياه؟
ولماذا قبلنا بواقع الفقر المائي، ولا نحفظ او نحافظ على القديم منها، ولا نسعى للبحث وتجديد المصادر؟

وأما الطاقة، فالبرغم من امتلاكنا لكل اسباب الإكتفاء، حتى أعلنا مرارا، عن قدرتنا للتصدير الى دول الجوار، وبالأمس القريب، تنقطع الكهرباء وندخل في معضلة في الإدارة والراي، وأسأل... هل للطير.. أن يقطع الكهرباء التي مضى على اقامتها اكثر من ثمانين عاما؟

واين خطط الطوارئ والبدائل؟

ولماذا تترك القدرات والخبرات الوطنية، ويستعاض عنها وتستبدل بالاجنبية، كالشريك الإستراجيجي، او كخبرات فنية لبيان اسباب الخلل !
يا صناع قرارنا.. نعم الاستقلال اغنية بهية، وألحان على كل أدوات الموسيقى، واشعار وما اجمل الشعر في رحاب الوطن ولأجله.
لكن الإستقلال في عنوانه العريض، بسط السيادة وتولي القيادة، والشعور بالإستقرار والتطوير والتجديد والتحديث الدائم، والأهم هو حرية القرار!

ختاما.. قد نجتهد في البناء والنماء ، ولكننا لن نختلف على الهدف والغاية ، وقد نختلف على الريادة وكيف تكون الزيادة، والتي هي عرضة للنقص والنضوب، ولكننا قطعا لن نختلف على القيادة بشرعيتها وتاريخها.

كل عام وفي كل حين وآن والأردن الأغلى هو الأبهى والأنقى والأبقى.
كل عام وكل الأحرار والشرفاء الأردنيين بكل الخير والسلام.