29-05-2021 01:11 PM
غاب الارشاد النفسي لفترة طويلة و ترك أثرًا كبيرًا في نشأة شبابنا الحاليين و كبارنا سابقاً ، فقد نشأوا في بيئة تغيّب فيهامفهوم الارشاد ودوره وأساسياته ، ولم يكونوا واعين حقاً للاثر الذي سيتركه على حياتهم و صحتهم لاحقاً.
ومن مفهوم عربي شرقي ، فكان السبب الوحيد او الاساسي لزيارة طبيب نفسي او مرشدهو المرض النفسي –كالمختلين عقلياً- !.
ما كان لنا إلا أن تركيزنا على التجربة الفعلية للطلبة في الاردن مع الارشاد النفسي ، وجدنا أن اغلب الطلبة لم يكونوا واعين بمفهوم الارشاد حيث كان لغيابه في حياتهم رد فعل غريب ،وهو انكار اهميته الحقيقية .
و بالرغم من قيام وزارة التربية والتعليم بعقد دورتين تدريبيتين حول الدعم النفسي والاجتماعي لرؤساء قسمالإرشاد التربوي والمرشدين التربويين في جميع مديريات التربية والتعليم بالاردن في يناير/2021وأنه شارك فيها رؤساء اقسام الإرشاد في 42 مديرية للتربية والتعليم، و2082 مرشدا تربويا في مدارس الوزارة،والثقافة العسكرية، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) ،إلا ان الارشاد لا يزال غير مفعّل على ارض الواقع ولا سيما في ظل جائحة تركت الكثير من الآثار النفسية على الطلبة والآباءوحتى على القائمين على عملية التعليم ككل.
اجمع الطلبة على انهم إما لا يعرفون من هو المرشد في مدرستهم أو جامعتهم أو انهم لم يستفيدوا من وجوده حقًا ،ولكن عوّض ذلك الغياب في بعض الاحيان تواجد معلمين و اساتذة جامعيين في حياة الطلبة يقومون على دعمهم وارشادهم ، وذلك لم يكن كافياً ؛فكما سيوضح لنا لاحقاً ،ان عملية الارشاد يجب ان تكون من مختص حتى تتم على أتمّ وجه ممكن .
قال الطالب اسامة سعادة ، تخصص علم نفس تطبيقي ، انه لم يكن هناك مرشد في مدرسته حتى بعد الصف العاشر،و كان دوره يقتصر على إعطاء محاضرات عن المخدرات و الإدمان فقط، فلم يفيد الطلاب كثيراً "كأنه لا وجود له".
وعندما سألنا سعادة عن ايمانه بدور الارشاد في نشأة الشباب اجاب :" بالتأكيد و بشدة ، ففي هذه المراحليمر الشباب في الكثير من التقلبات و التغيرات و تغير اسلوب حياتهم،و كثيرًا ما يتعاملون مع هذه الأمور بشكل سلبي و باتخاذ قرارات و عادات سيئة في حياتهم قد تؤدي الى مشاكل مزمنة ،فيجب ان يكون هناك مرشد لتوعيتهم و للإجابة عن أسئلتهم و إعطائهم الأساليب الصحيحة و مساعدتهم على التعامل و التكيف مع التغيرات".
وعلى الجهة المعاكسة قالت الطالبة رهف يونس ، تخصص صحافة واعلام ، إن المرشدة أيام المدرسة لم يقتصر حضورهاودورها الفعّال عند اندلاع المشاكل فقط بل كانت تعطي من وقت لاخر محاضرات لجميع الطلبة.
واجمع الطلاب على ان دور المرشد في المدرسة كان يفعّل في حال اندلاع مشكلة بين الطلاب غالباً ، وفي معظم المدارس لم يكن هناك حصة ارشاد مستقلة بل كانت تعقد في حال تغيب احد اساتذة المواد عن الحصة واقتصرت علىالتوعية العامة وليس المشاكل الحالية التي يواجها الطلاب .
وفي لقاء مع اخصائية الارشاد النفسي و التربوي و الاسري ،الدكتورة رزان الحجيري، عرّفت الارشاد النفسي بأنهخدمة تقدَم من قِبَل المرشد للمسترشد" الذي يبحث عن استشارة أو حل لمشكلة" وهو لا يقتصر على فئة أو عمر معين ،ويعتبرالارشاد النفسي نمط حياة يستمر مع الفرد طوال فترة حياته، وهو الاسلوب الصحيح للحصول على حياة صحية.
وبينت الحجيري ان المفهوم الخاطئ في مجتمعاتنا العربية لعب دوراً اساسياً في تهميش دور الارشاد النفسيولا سيما ان النظرة المجتمعية التي تعطي وصمة عار للذي يذهب لمستشار أو طبيب نفسي تصنف المرء على انه "مريض نفسي"،ولا يرونه على انه يتبع نهج علمي و يحافظ على صحته النفسية.
ووضحت أن الفرد يمر بتطورات عدة خلال مراحل حياته المختلفة ، ففي سن المراهقة يبدأ الطفل بشعور "اللامركزية" حيثتتولد لديه الرغبة في ان ينفصل عن والديه و أن يستقل عنهم ، و هنا يأتي دور المرشد النفسي ليوضح للاهل هذه التغيرات وكيفية التعامل معها بطريقة صحية .
شرحت دور المرشد النفسي والذي يعمل في ثلاث محاور؛وهي المحور النمائي (البعد الجسدي والنفسي والاجتماعي والانفعالي) فيوجه الاهل حول طبيعة تطور و نموّ الابن ؛اذ انه يمر بمرحلة التعلق الآمن وغير الآمن و ايضاً قلق الانفصال وغيرها، والمحور الوقائي الذي يعالج المشكلات قبل وقوعها إضافة للمحور العلاجي وهي المرحلة ما بعد وقوع المشكلة وطرق حلها ،فعمل المحاور الثلاثة معاً يحقق الصحة النفسية.
وعددت الحجيري خصائص المرشد النفسي والتي تشكل حجر اساس للعمل في هذا المجال ،مثل قدرته على فهم المسترشد و أن يصغي اليه و يكون قادر على التواصل معه ،اضافة للفهم التعاطفي "فهم المشاعر"و يتمتع بالسرية التامة و الحيادية والمرونة ايضاً ، وعند توافر هذه الخصائص يستطيع المرشد أن يؤدي دوره بشكل كامل.
وانتقدت اولئك الافراد الذين يمارسون الارشاد النفسي دون خبرات أو دراسة ، الذين يعتبرون شهادة الدورة –دورة في الارشاد النفسي- قد تكون كافيةويبدأون باعطاء النصائح والاستشارات للافراد مما يؤثر سلباً على مصداقية المرشدين النفسيين و يقنن التعامل معهم .
واعطت على ذلك مثال حي ؛ فقالت انه اذا قرأ الفرد الكثير من الكتب حول القلب لن يستطيع ان يجري عملية جراحية للقلبالا اذا كان متخصص في هذا المجال ،وتلك المفارقة تنطبق تمامًا على عمل الارشاد النفسي و دوره ،وانه يجب ان نقوم باستشارة مختصين حتى لا نقع مع اشخاص يزيدون الامر سوءًا .
و بالرغم من نظرة المجتمع و وما عشناه في تجاربنا السابقة ، يجب علينا ان نكون واعين للأثر الذي سيخلفهغياب الارشاد النفسي علينا وعلى أٌسرنا على المدى البعيد ؛لذا تحدى المجتمع و جملة "مريض نفسي" أو حتى تحدى نفسك إن كنت تؤمن بها ، فمَن منا ليس لديه امراض نفسية او عقًد غير محلولة ؟