12-06-2021 02:24 PM
سرايا - توجه الجزائرون منذ ساعات صباح السبت، إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في الانتخابات التشريعية المبكرة، وسط حماسة ومشاركة من لدن أحزاب وفعاليات شعبية وسياسية، ومقاطعة من طرف جهات وأحزاب أخرى.
وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها من الساعة الثامنة بالتوقيت المحلي (الساعة السابعة ت غ) إلى الساعة السابعة مساء بتوقيت الجزائر، فيما لا يتوقع صدور النتائج الرسمية قبل الأحد.
ودعي نحو 24 مليون ناخب لاختيار 407 نواب جدد في مجلس الشعب الوطني (مجلس النواب في البرلمان) لمدة خمس سنوات، حيث يتعين الاختيار من بين ما يقرب من 1500 قائمة ما يقرب من 13 ألف مرشح، انحاز كثير منهم إلى قوائم مستقلة ذات صبغة قبلية وعشائرية لضمان الفوز، على حساب الواجهات الحزبية والسياسية المشاركة.
ويمكن لهؤلاء المرشحين الجدد، ذوي الانتماء القبلي المبهم، ترسيخ أنفسهم كقوة جديدة داخل المجلس المقبل، فيما دعت المعارضة العلمانية واليسارية، التي تراجعت شعبيتها، إلى المقاطعة أو ترك الحرية لأفرادها بالاقتراع من عدمه.
وهذه هي أول انتخابات تشريعية منذ انطلاق حركة الاحتجاجات الشعبية السلمية غير المسبوقة في 22 شباط/ فبراير 2019 رفضا لترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، والذي اضطر إلى الاستقالة بعد شهرين بعدما أمضى 20 عاما في الحكم.
ومنذ ليل الثلاثاء الماضي، بدأ الصمت الدعائي الانتخابي، وسط حالة جدل كبيرة داخل البلاد، بسبب دعوات المقاطعة التي تبنتها أحزاب "ليبرالية وعلمانية"، إلى جانب دعوات بالمقاطعة من قبل الحراك، احتجاجا على نهج وخطة تسيير البلاد.
وتشكل نسبة المشاركة الرهان الرئيسي بعدما شهد الاستحقاقان الانتخابيان السابقان (الاقتراع الرئاسي العام 2019 والاستفتاء الدستوري العام 2020)، نسبة امتناع غير مسبوقة عن التصويت بلغت 60% و76% على التوالي.
وفي 4 نيسان/ أبريل الماضي، أعلنت "جبهة القوى الاشتراكية" وهي أقدم حزب معارض بالجزائر، عدم المشاركة في الانتخابات، حيث عزا شافع بوعيش، القيادي في حزب "القوى الاشتراكية"، قرار المقاطعة إلى غياب ما سماه "شروط تنظيم انتخابات شفافة".
ووفق بوعيش، وهو برلماني سابق، فإن "السلطة لا تريد الخروج عن الأجندة التي سطرتها، وستعمل عبر هذه الانتخابات على تعويض الأحزاب الكلاسيكية في البرلمان بممثلي المجتمع المدني والقوائم المستقلة".
وتوقع بوعيش في تصريح صحفي أن تكون نسبة المشاركة ضعيفة وبمنطقة القبائل (معقل الحزب) ستكون منعدمة، كما في رئاسيات 1999 والانتخابات النيابية لعام 2002 (قاطعهما حزبه)".
وفي 15 آذار/ مارس الماضي، كان حزب "العمال" (يساري معارض) أول من أعلن مقاطعته الانتخابات النيابية المبكرة، وذلك للمرة الأولى منذ تأسيسه.
وبررت حينها الأمينة العامة للحزب لويزة حنون، في مؤتمر صحفي، الأمر بـ"عدم قدرة الانتخابات على تصحيح القرارات غير الاجتماعية المتّخذة من طرف الحكومة".
وبعدها في الـ20 من الشهر نفسه، أعلن حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" (علماني/ معارض) في اجتماع له بالعاصمة مقاطعة الانتخابات للأسباب ذاتها.
في المقابل دعت الأحزاب الموالية للحكومة ووسائل الإعلام الرسمية إلى "المشاركة بقوة في هذه الانتخابات المصيرية من أجل استقرار البلاد" .
ويستعد النظام لاستيعاب نسبة مقاطعة قوية محتملة، آملا في الوقت نفسه بنسبة مشاركة تتراوح بين 40% و 50%، أملا في استمرار السعي إلى طبيق "خارطة الطريق" الانتخابية التي وضعتها.
وتأتي الانتخابات على وقع فقدان جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، مصداقيتهما الشعبية، بكونهما الشريكان في التحالف الرئاسي الذي دعم سابقا بوتفليقة.
في الإطار قررت الأحزاب الإسلامية المرخص لها المشاركة في الانتخابات بقوة، وسط آمال في إحداث نسب فوز متقدمة.
وقال عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي والمقرب من الإخوان المسلمين، إنه "جاهز للحكم" في حال تحقيق النصر.
وأكد مقري أن حزبه سيعمل على إقناع الجميع بتشكيل حكومة وحدة وطنية عقب الانتخابات النيابية المزمعة في 12 حزيران/ يونيو المقبل.
وأبدى مقري تفاؤله بنجاح حزبه قائلا إن "المؤشرات الأولية تؤكد أن الحركة في الموقع التنافسي الأول بهذه الانتخابات"، وفق تصريحات له لوكالة الأناضول التركية.
أبرز الأحزاب المشاركة
تشهد الانتخابات مشاركة عدّة أحزاب محسوبة على التيار الوطني (موالاة في عهد عبد العزيز بوتفليقة/ 1999- 2019)، من بينها جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم في عهد بوتفليقة) والتجمع الوطني الديمقراطي (زعيمه السابق أحمد أويحيى المسجون بتهم الفساد) والتحالف الوطني الجمهوري، وتجمع "أمل الجزائر".
وتشارك أيضا أحزاب إسلامية، مثل "حركة مجتمع السلم" (أكبر حزب إسلامي في البلاد) و"حركة البناء الوطني" لرئيسها عبد القادر بن قرينة (حل ثانيا في الانتخابات الرئاسية الماضية) و"حركة الإصلاح الوطني" و"جبهة العدالة والتنمية" لرئيسها عبد الله جاب الله.
الحراك والانتخابات
منذ أن أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، دعوة الناخبين إلى انتخابات نيابية مبكّرة، في 11 آذار/ مارس الماضي، رفع متظاهرون في الحراك لافتات ترفض الانتخابات.
ويعبر ناشطون في الحراك عن رفضهم لكل المواعيد الانتخابية، بدءا برئاسيات 12 كانون الأول/ ديسمبر 2019، مروراً بالاستفتاء على تعديل الدستور في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، وصولا إلى الانتخابات البرلمانية المبكرة.
والثلاثاء، قال تبون، في مقابلة مع فضائية "الجزيرة" (قطرية) إن "الحراك الأصلي (في إشارة إلى حراك 22 شباط/ فبراير 2019) أنقذ الدولة الجزائرية من كارثة واضحة المعالم".
واستدرك بأن "المسيرات الأخيرة مجهولة الهوية وليست موحدة فكريا سواء في المطالب أو في الشعارات".
ولفت إلى أن "50 محافظة في البلاد لا تشهد أي مسيرات في الفترة الأخيرة، والمتظاهرون هم مئات فقط".
من جهته، اعتبر ناصر جابي، أستاذ علم الاجتماع، أن "هذه الانتخابات تعكس سوء التفاهم بين النظام السياسي والشعب".
وقال جابي، وهو أحد أبرز ناشطي المعارضة، لـ"الأناضول" إن "الشعب كان يأمل في أن تكون الانتخابات مختلفة، على صعيد الحملة الانتخابية والنقاش السياسي والاجتماعي وعدد المشاركين وغيرها".
وأردف: "للأسف بدت الحملة الانتخابية تشبه ما كان حاصلا قبل الحراك في 2019، فجاءت باهتة والمرشحون لم يقنعوا الكثير من الجزائريين وسط غياب البرامج، لأنّ هدفهم الوصول إلى البرلمان فقط".
وتوقع جابي أن تكون نسبة العزوف عن الانتخابات عالية، "خصوصاً في المحافظات الكبرى ومنطقة القبائل، وعند الجالية بالخارج انطلاقا من الحملة الدعائية الباهتة".
نظام الانتخاب بالقائمة المفتوحة
وتجرى الانتخابات وفق نظام القائمة المفتوحة لأول مرة، بشكل طرح تغييرات كبيرة من حيث التصويت وفرز الأصوات وتحديد الفائزين، ما قد يؤخر صدور نتائج السباق.
ونص قانون الانتخابات الجزائري الجديد (صدر في آذار/ مارس الماضي) في المادة 191، على اعتماد نظام القائمة المفتوحة في انتخابات أعضاء المجلس الشعبي الوطني.
ويعني ذلك أنه يسمح للناخب باختيار المرشحين داخل القائمة الواحدة حسب رغبته، بخلاف المغلقة التي كانت تفرض عليه اختيار القائمة كما هي، وفق ترتيب الحزب دون إمكانية التصرف فيها.
ووفق شهادات سابقة لقيادات حزبية ونيابية حُوكمت في قضايا فساد ذات علاقة بالانتخابات، فإن المراتب الأولى في قوائم أحزاب كبيرة وخاصة، كانت تمنح مقابل "رشاوى"، حيث يضمن ذلك للمترشح دخول البرلمان أو رئاسة البلديات.
وبحسب متابعين فإن نظام القائمة المفتوحة سيحفز المشاركة في الاقتراع من منطلق أن الشخص يمكن أن يصوت له الناخبون بحكم القرابة أو العلاقات أو الأفكار حتى ولو كانوا رافضين لانتمائه الحزبي.
وأفادت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات قبل أيام، بأن الناخب بإمكانه منح صوته لفرد أو أكثر من القائمة ويمكن أن يصوّت لجميع أفرادها من خلال وضع علامة (×) أمام الشخص أو الأشخاص الذين اختارهم.
وأوضحت سلطة الانتخابات أنه في حال عدم وضع علامة (×) أمام أي مرشح فإن الورقة تحتسب صوتا لكافة أفرادها.
وبخصوص الأوراق الملغاة فلقد تم حصرها في 5 حالات هي: ظرف فارغ، أو فيه ورقتان أو أكثر، أو يتضمن ورقة خارجية لا علاقة لها بالانتخابات، أو ورقة ممزقة أو متلفة أو مشوهة.
أما الحالة الخامسة التي تعتبر فيها ورقة تصويت ملغاة، فهي عندما لا يتم وضع علامة (×) في المكان المخصص لها (مربع صغير يقابل صورة كل مرشح)، أو وضعها بشكل صحيح أمام مرشح وبشكل غير ملائم أم مرشحين آخرين.
وتتم عملية فرز الأصوات وفق سلطة الانتخابات على مرحلتين، الأولى أصوات القوائم والثانية للمرشحين.
ولتحديد الفائزين بالمقاعد حسب قانون الانتخابات الجزائري وجب أولا احتساب الأصوات المعبر عنها (الصحيحة)، ويحصل عليها بطرح الأوراق الملغاة من العدد الإجمالي للمصوتين في كل ولاية.
وتنص المادة 194 من قانون الانتخابات على أنه لا تؤخذ في الحسبان، عند توزيع المقاعد، القوائم التي لم تحصل على خمسة بالمئة على الأقل، من الأصوات المعبر عنها في الولاية المعنية.
ويحدد قانون الانتخابات نسبة العتبة الانتخابية وهي 5 بالمئة، التي تشترط على القوائم الحصول عليها من أجل دخول عملية احتساب المقاعد.
ويتم إقصاء القوائم التي لم تحصل على نسبة 5 بالمئة من الأصوات المعبر عنها (الأصوات الصحيحة) في الدائرة (الولاية) الانتخابية.
ويكون الحصول على العتبة الانتخابية بقسمة عدد الأوراق المعبر عنها (الأصوات الصحيحة) على 5، وناتج القسمة يكون بمثابة عدد الأصوات التي يجب الحصول عليها من كل قائمة كي تدخل مرحلة حسابات الفوز والحصول على مقاعد.
بعد حصر القوائم التي حصلت على العتبة الانتخابية، يتم طرح أصوات القوائم التي لم تتمكن من بلوغ نسبة 5 بالمئة من عدد الأصوات الخاصة بالقوائم التي حققتها.
وتتم لاحقا قسمة عدد الأصوات الخاصة بالقوائم التي حققت العتبة، على عدد المقاعد الخاصة بالولاية المعنية، للحصول على ما يعرف بـ"المعامل الانتخابي".
وتحصل كل قائمة على عدد المقاعد بقدر عدد المرات التي حصلت فيها على المعامل الانتخابي.
ويتم توزيع المقاعد التي تحصلت عليها كل قائمة على مرشحيها حسب عدد الأصوات التي حصل عليها كل منهم (وفق الأعلى أصواتا).
ونص قانون الانتخابات الجديد في المادة 96، على أن رئيس السلطة المستقلة للانتخابات يعلن النتائج المؤقتة للانتخابات التشريعية في أجل أقصاه 48 ساعة من استلامها محاضر نتائج الانتخابات في الولايات، ويمكن عند الاقتضاء تأجيل عملية الإعلان عنها بـ 24 ساعة.
وبموجب التعديلات الجديدة يمكن أن يتأخر الإعلان عن النتائج لعدة أيام قد تصل إلى ستة، بالنظر إلى المهلة التي منحها قانون الانتخابات وهي 96 ساعة (4 أيام) كي تسلم المندوبيات الولائية النتائج لسلطة الانتخابات المركزية، ويومان لرئيس السلطة ليعلن عن النتائج.