02-03-2008 04:00 PM
لماذا نستغرب ونتعجب ونستهجن ونستنكر الإبادة الجماعية والمحرقة العلنية التي يتعرض لها شعبنا الأبي وأهلنا في قطاع غزة؟
ولماذا ندين هذا الهجوم اللاإنساني الكاسح الذي يجتاح حياة الأطفال والأبرياء والمدنيين ورجال المقاومة الشرفاء؟
أتعجب حقا من هذه المهزلة الإعلامية السياسية الرسمية التي تشجب وبشدة ما يجري على الأراضي الفلسطينية المستباحة؟
نحن حقا خونة... ولا أخشى من الاعتراف بأننا جميعا من المحيط إلى الخليج دولا وشعوبا خونة...
كثيرا ما أشعر بالغضب والقهر والاستفزاز إلا أنني عادة أحاول أن أتمالك نفسي وأقنن غضبي وألزم الصمت حتى تهدأ ثورتي إلا هذه المرة... الآن بالذات أريد الكتابة وأنا غاضبة وساخطة ومستفزة وممزقة من هذا الوحل الدنس الذي حشونا أنفسنا في أحشائه.
نعم... نحن أبناء السامري الذي صنع العجل وقال لقومه: "هذا إلهكم وإله موسى"، نحن من فضلنا التقوقع في قمقم الخوف والجبن والتبعية على أن نتعملق كرجل حر ينتفض غيرة وعزة وكبرياء على شرفه وعرضه وحماه.
ألم نسقه القهوة العربية بعد أن غمز لإسرائيل مضيئا لها الضوء الأخضر بأن تجرّعنا كؤوسا مترعة بالدماء؟
ألم نرقص معه على أشلاء وجثث الضحايا الفلسطينيين والأفغانستانيين والفلسطينيين والعراقيين والفلسطينيين واللبنانيين؟
ألم يرقص فخامته بالسيف العربي الصدأ المهترئ الملطّخ بدمائنا بينما يشحذ هو سفنه الحربية المجهزة بالصواريخ وآلاف الجنود ليحتفل بنا على أسياخ الجريمة التي تجري الآن والتي ستستمر حتى آخر قطعة مقاومة طازجة؟
ولمَ لا يرسل المدمرة يو اس اس كول وقد أرسلنا له بناتنا ليرقصن له احتفاء به حين قرر جلالته زيارتنا؟
ولمَ لا تشق الصواريخ صدورنا وتدمي جباهنا وتقتل أطفالنا وتذبحنا من الوريد إلى الوريد وقد زرعنا على صدره وسام فخر وحب وإعجاب قبل أشهر؟
ولمَ لا يغتالون قادة حماس؟
لمَ لا يهدّدون سوريا بل ويشنون الحرب عليها؟
لمَ لا يلاحقون حسن نصر الله وحزب الله كما فعلوا بأسامة بن لادن والقاعدة وطالبان؟
وهل سيكلّفهم هذا أموالا طائلة؟ النفط رهن إشارتهم وأسير العيون الزرقاء والشعر الأشقر.
هل يخافون المعارضة الداخلية واحتجاج الشعب الأمريكي على سياستهم العدائية البربرية التي تلقي بأبنائهم في أتون حرب تلتهم شبابهم دون رحمة أو رأفة؟ آبار النفط العراقية المنسية وآبار النفط الكويتية والسعودية ستنسيهم لون دماء قتلاهم.
هل يخشون الغضب العارم الذي سيكتسح المنطقة العربية التي أنهكتها وأفقرتها وأذلتها هذه الحروب الطاحنة التي نحن دائما مسرحها وضحاياها؟
لم يصدر منا منذ ال67 وحتى اليوم موقف عربي واحد دلّل على غضبنا واستيائنا ورفضنا، وما "الزعل" و"الغنج" العربي على المستويين الرسمي والشعبي سوى مسرحية هزلية ومهرجانا سياسيا مدروسا ومحسوبا وفاشلا على الصعيد العملي.
هل أُغلقت سفارة إسرائيلية أو أمريكية واحدة في أي دولة عربية؟
هل طُرد سفير أو دبلوماسي أمريكي أو إسرائيلي واحد من أي دولة عربية؟
هل أدلى مسئول عربي واحد ببيان أكد فيه على رفض السياسة الأمريكية الإمبريالية الدكتاتورية الغوغائية والهجوم الإسرائيلي الوحشي على جزء لا يتجزء من الأراضي العربية معلنا قطع جميع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل؟
هل خرجت الدول المسماة بدول الاعتدال ببيان مفاده رفض التواجد الأمريكي في المنطقة ومطالبته بحمل حقائبه المدمرة والعودة إلى جهنّمه الذي يريد أن يفتح أبوابها علينا في لبنان وسوريا؟
هل الأسلحة والجيوش العربية المتعفّنة في توابيت الخرس والذعر تحرّكت متجهة إلى الحدود الإسرائيلية في إعلان صريح وواضح على رفض هذه المجزرة القديمة الجديدة التي اعتدنا على متابعة أحداثها ونحن نتجشأ تخمة وهوانا وعجزا وذلا؟
كم عدد المليارات التي ننفقها في صفقات الأسلحة الأمريكية؟
وفي المقابل كم عدد سكاكين المطبخ التي استخدمناها في كلمة "لا" أمام الهيمنة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي الآثم؟
يُهدي بوش إسرائيل الأسلحة التي يقصفوننا بها الآن ونشتري نحن منهم بأبهظ الأثمان الأسلحة التي نكدّسها في بطن الهزيمة!
ونحن الشعوب الذابلة على أرصفة البطش والخوف والغلاء والفقر والجوع قد تورّمنا مسيرات واحتجاجات واستنكارات وتحليلات، وأصبحت الكتابة في هذه المرحلة ترفا بل وعبئا على الموقف.
وما زال الإعلام العربي الموجّه المُؤمرك المتطبع يُخوّفنا من أحمدي نجاد ويروي لنا الأساطير عن الإمبراطورية الإيرانية التي تتأهب لابتلاعنا، ويحرّضنا على حماس وإسماعيل هنية وخالد مشعل، ويرسم لنا حسن نصر الله لسان إيران في لبنان وحزب الله ما هي إلا معارضة إيرانية شيعية ومصاص دماء، وسوريا متطرفة ومتعجرفة وستجر المنطقة إلى الخراب والويلات!
وإن كنا نحن كعرب غير قادرين وغير مؤهلين وغير جديرين بأن نكون طرفا مستقلا في هذا العالم يملك قراره وقوته وقوّته ورأيه وأرضه ومصيره، فهل ستضربنا إيران بمفاعلها النووي كما استخدمت أمريكا الأسلحة النووية والكيماوية في العراق؟ وهل ستقصفنا بالصواريخ وتبيدنا كما فعلت وتفعل وستفعل إسرائيل؟ هل سيعلّقوننا على المشانق الشيعية كما يحلو لأمريكا أن توهمنا؟
لن تفعل وسيبقى أحمدي نجاد أصدق منا وأشجع، وستبقى سوريا الحبيبة تبصق في وجه التطبيع والخيانة والاستعباد، وسيبقى حزب الله الدرع الوحيد والجيش الوحيد وأسطورة النصر الوحيدة في تاريخ حربنا مع إسرائيل الملطّخ بالهزائم والعمالة والمؤامرة، وستبقى حماس هي الممثل الشرعي والوحيد للمقاومة الحرّة الباسلة التي ما زالت ترفض سياسة الدولار والقصور والمعاهدات والانسياق في ركب التجارة بالوطن وبالشعب...
اقصفوا غزة حتى تُثيروا الرأي العام الفلسطيني والعربي ضد حماس...
اقصفوا لبنان حتى نُحمّل حزب الله وحسن نصر الله المسئولية...
اقصفوا سوريا حتى تتورط إيران بالحرب وحتى ينهار جدار الرفض والمقاومة الأخير بعد أن ذوى صوت العراق...
اقصفونا ولا ترحمونا...
اقصفوا غزة والقدس ورام الله ونابلس ولبنان وسوريا ومنطقة الهلال الخصيب والخليج العربي وشمال إفريقيا بل وجنوبه، فربما لو أصابت صواريخكم أطفالنا نحن ودمّرت دباباتكم بيوتنا نحن وأقض قصفكم مضاجعنا وأضاءت قنابلكم سواد ليلنا لتعلّمنا شيئا عن ثقافة الثورة والحرب والمقاومة والموت في سبيل الوطن والحرية...
فنحن نموت كل يوم ومنذ سنوات مئات المرات إلا أننا نموت بصمت كاللصوص الجبناء، ويختالون هم في وضح الشجاعة شهداء، يكبرون ويُزهرون ونتساقط نحن بلا أسماء...
بقلم: د. آية عبد الله الأسمر
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
02-03-2008 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |