25-06-2021 04:15 PM
بقلم : د. ماجد الخواجا
أبدأ بما صرح به سمو ولي العهد الأمير الحسين في زيارته إلى العقبة حيث قال: لا بد من ضرورة البناء على النجاح الذي تم تحقيقه بالعقبة في المراحل الأولى، وإعادة النظر في آليات تنفيذ برامج سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، التي شابها أخطاء في السنوات الأخيرة.
أولا : وجع البحر الميت - وادي عربة .. وجدت نفسي أحزم حقائبي ميمما شطر الجنوب إلى ما يسمى بالثغر الباسم للأردن وأعني مدينة العقبة. اتخذت مسار طريق الأغوار ووادي عربة باتجاه العقبة فيما كانت العودة باتخاذ الطريق الصحراوي باتجاه عمان.
أول ما يلفت الانتباه هو أن الطريق متهالك في مناطق عديدة منه نتيجة الحمولات والمركبات الثقيلة المحملة بالبوتاس ما بين الأغوار الجنوبية وميناء العقبة.
كما أنه طريق غير مخدوم بأية مرافق سياحية أو عامة وفي حال احتاج المرء لأية مساعدة طارئة، فقد ينتظر طويلا لتلبية احتياجه.
والطريق لا توجد له أطراف أو اكتاف مع خطوط واضحة لإرشاد السائقين وبيان حدود المسموح والممنوع. وهو يشكل خطورة حقيقية للسائقين أثناء الليل بسبب عدم وجود أية إنارة على الطريق مع التفافات حادة تفاجئ السائق. خاصة عند الاقتراب من حاملات البوتاس الكبيرة التي تجوب الطريق بشكل متواصل.
وهناك أعمال جيدة للصيانة وتجديد الجسور المقامة على الوديان المنحدرة من الجبال المحيطة بالبحر الميت والتي تخترق الطريق والمتصفة بهشاشة التربة الرملية بما يجعلها عرضة للانهيارات مع جريان الوديان.
والملاحظ أنه عند التجمعات السكانية يتداخل الطريق مع الطرق الفرعية لتلك التجمعات مما يجعله مجرد شارع تعبره السيارات والمارة بصورة عشوائية، إضافة لوجود ما تدعى بالمطبات التي لا تنطبق عليها المعايير المرورية من حيث الارتفاع والعرض والانسيابية وتوافر اللوحات الإرشادية التحذيرية المسبقة.
طبعا لا يوجد أشجار على جوانب الطريق أو مساحات يمكن استخدامها للاستراحة، لا توجد مشاريع باستثناء البوتاس واستخراج بعض المعادن مثل البرومين والمغنيسيوم، فقط يمكن ملاحظة وجود بعض الدوائر الرسمية المتناثرة هنا وهناك والتي يكتشفها العابرون على الطريق بسبب وجود عدد كبير من السيارات التي تعود للموظفين أو العسكريين. طريق لا يمكن لك إلا أن تظل منتبها ومتيقظا لأنه وارد جدا ظهور أية مفاجآت غير متوقعة وأبسطها حفرة هنا ومطب هناك.
طريق بائس لا شيء يشجع على التوقف للمشاهدة أو التأمل أو حتى أخذ قسط من الراحة.
ثانيا : وجع العقبة ..
حين وصلنا للعقبة بحثت عن شقة مفروشة للإيجار، أول ما يزعجك هو أن الحس والثقافة السياحية تكاد تكون معدومة من حيث التعامل ومن حيث الجودة، غالبية الشقق تجدها مستهلكة ومرافقها متهالكة والنظافة شيء يصعب وجودها.
لا يستطيع الشخص أن يثق بجودة الخدمة المقدمة مقابل الأجرة التي يدفعها، فيضطر إلى القيام بإعادة تنظيف الشقة وترتيبها وتفقد مرافقها ليجد هنا خللا وهناك نقصا.
ننتهي من الشقة كيفما كان، ونذهب إلى وسط المدينة، لا تغيير واضح على مظاهر المدينة منذ عقدين عندما أعلنت كمنطقة اقتصادية خاصة. ما زالت اللوحات المعلنة عن مرسى زايد تحتل مساحات واسعة من وسط المدينة، دون أن توجد أية مظاهر تدل على أية أعمال في المشروع.
بحر بلا شاطئ: الشاطئ الشمالي للعقبة كله محجوز للفنادق المقامة عليه، ولا يوجد شاطئ عام إلا عند الراية وما يدعى بشط غندور. ما زال شاطئ غندور يكتظ بالمواطنين الذين يبحثون عن مساحة لأنفسهم وأرجلهم كي يستنشقوا رائحة البحر. هناك عمل يبدو أنه سيغير من شكل وخدمات منطقة الراية المغلقة بسبب الأعمال الإنشائية. لاحظت اختفاء ما تدعى بالخيم التي يتم استئجارها والإقامة فيها على الشاطئ، وهذه بادرة جيدة. هناك بعض المظلات البسيطة التي يحتكرها بعض أصحاب الكراسي بحجزها ومن ثم القيام بتأجيرها للمواطنين. ولا توجد مقاعد مجانية على الشاطئ تخدم الجالسين.
ذهبت إلى الشاطئ الجنوبي حيث تتجلى المعاناة الفعلية لكل من يذهب هناك. الوصول إلى الشاطئ هو بمثابة عقاب للمواطنين، فالطريق وعرة غير مسفلتة، بل عدا عن الحفر المتناثرة، يوجد مطبات حادة مرتفعة تضرب أسفل السيارة العابرة لها، لتصل إلى حاجز ممتد على الرمل، ثم تحمل أغراضك متجها إلى الشاطئ سيرا على الأقدام لمسافة تصل إلى 100 متر واكثر. ما أن تصل الشاطئ حتى تشاهد البؤس مكتملا لا ينسيك إياه غير صوت الموج ومشهد البحر الذي طال انتظارك لمشاهدته. تتناثر بعض ما تدعى مجازا بالمظلات التي أيضا تكون محجوزة لعدد من الأفراد ممن يقومون بتأجيرها للمواطنين. لم أشاهد كما هي العادة تلك الأعداد ممن يتخذون مبيتهم على الشاطئ، ربما يعود ذلك بسبب الجائحة وقلة الزائرين، وربما لإجراءات رسمية من طرف المفوضية.
الشاطئ غير مخدوم بالمطلق، لا مرافق عامة، لا مقاعد، لا مطاعم، لا مقاهي، لا أنشطة مرافقة، باستثناء تلك القوارب الزجاجية التي باتت متقادمة وتقدم مشهدا سياحيا ساذجا لا ينبغي الاستمرار فيه.
ليس معقولا كل هذا الهوان الذي ينتاب شعور الواحد منا عندما يفكر بتشجيع السياحة الداخلية، هل يعقل أن أعود من منطقة الشاطئ الجنوبي إلى وسط المدينة أي مسافة 20 كم من أجل قضاء الحاجة.
عدنا إلى وسط المدينة حيث أسميها بمدينة الأحواض الثلاث، فهي منذ عقود لم تتجاوز في تطورها أحواضا ثلاث مكتظة بالمركبات والمارة الهائمين على وجوههم تحت شمس حارقة. لكن أيضا لم ألاحظ وجود البسطات التي كانت تملأ الأرصفة وتحتل المساحات كلها أمام المحلات.
العقبة ليست صديقة لمن لا يمتلكون سيارات، فلا توجد وسائط نقل داخلية بينية تخدم الزائرين في تنقلاتهم الداخلية.
ثالثا : وجع الطريق الصحراوي..
حزمت حقائبي مودعا العقبة باتجاه عمان عبر الطريق الصحراوي ، تساءلت لماذا لم يتم صيانة الطريق الممتد ما بين العقبة حتى رأس النقب والبالغ طوله 70 كم، فهو واضح تهالك أجزاء كبيرة منه نتيجة الحمولات الثقيلة المحورية عليه طيلة الوقت. كما تساءلت عن سبب تغير الطريق من توفير مسارب خاصة للشاحنات على طول الطريق، حيث يكون بأربعة مسارب ليصبح بثلاثة مسارب أو مسربين ثم يعود بأربعة مسارب.
الطريق كان ينبغي حمايته عند مروره في التجمعات السكانية من خلال إقامة حواجز أو جسور أو أنفاق يمكن استخدامها للقاطنين في التجمعات دون قطع الطريق الدولي كما هو الآن، فتجد سيارة تعاكس الاتجاه وتعبر ما تدعى بالمنطقة الوسطية بشكل مفاجئ يمكن أن يتسبب بحوادث مميتة. الطريق بحاجة للتشجير على جانبيه بما يجعله طريقا دوليا حضاريا. كان الأجدى أن يتم وضع حواجز كي تلتزم الشاحنات بالسير ضمن المسارب المخصصة لها. فهي تتعامل مع الطريق على كافة مساربه. هناك عدد من التحويلات التي تزيد عن خمس تحويلات لاستكمال الطريق دون سبب مفهوم حيث أنه من المفترض أن يكون قد تم استلامها وتهيئتها للسير عليها بعد أن أعلن عن انتهاء العمل.
نخلص مما سبق إلى : السياحة الداخلية لدينا ما زالت بحاجة إلى عديد من الإجراءات الميسرة والمشجعة لها، ما زلنا بحاجة إلى توعية وتثقيف سياحي ووعي وفهم حضاري كي ندرك أننا في وسط منطقة تنافسية شديدة لاستقطاب السائحين، ما زلنا نتعامل مع المواطن كآخر اهتماماتنا وأولوياتنا، واعتباره زائر ثقيل الظل غير مرحب فيه، ما زالت المواقع السياحية بحاجة إلى بنية تحتية وتجهيزات ومرافق عامة وأنشطة مصاحبة مع ضمان جودة الخدمة والمنتج السياحي.
بلغت كلفة الزيارة لمدة ثلاث ليالي وتتضمن أجرة الشقة وثمن البنزين ووجبات الطعام والمصاريف النثرية ضمن مستوى خدمات متوسطة، كانت معقولة مقارنة بكلف السياحة الخارجية.
أختم بقول لأحد الرفاق حيث يقول: عندما تزور بعض المدن السياحية الخارجية القريبة من العقبة فإنك تدفع المبالغ ذاتها وربما أكثر لكن تدفعها وأنت مبسوط وراض عن الخدمة، فيما عندنا تدفع لكنك تكون حزينا على جودة ما يقدم لك.
كانت هذه عبارة عن خواطر عابرة لعابر طريق سياحي، وإن كانت العقبة كمنطقة اقتصادية خاصة تعج بالملفات التي يجدر فتحها وتناول تفاصيلها.
majedalkhawaja3@gmail.com