26-06-2021 08:47 PM
سرايا - يعتبر النوم من أهم السمات البيولوجية التي توفر قسطا من الراحة لأجساد الحيوانات. وإن كنا نعلم الكثير عن آليته وأهميته للبشر، فإن هناك أسئلة تعلق دوما في الأذهان عن ماهية نوم الحيوانات.. هل تغط في سبات عميق، أو تأخذها سِنَة من النوم من آن لآخر؟
نوم العمالقة
بالطبع، فإن الحيوانات تنام أيضا. منها ما ينام لساعات طويلة تصل إلى 22 ساعة يوميا مثل الكوالا، ومنها ما لا يمكنه تحمل كلفة النوم سوى لدقائق أو ساعات معدودة مثل الزراف وأسماك القرش.
وتعتبر ديمومة الحركة لدى أسماك القرش أمرا أساسيا لكي تحصل على ما تحتاجه من أكسجين تستخلصه إثر تدفق المياه من فمها حتى يخرج من الخياشيم، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل: كيف يستريح إذن هذا الصائد العملاق في الأعماق؟
أسماك القرش تتبنى وضعا هادئا أثناء النهار بينما تسبح ضد تيار البحر المتصاعد (بيكساباي)
حديثا، اكتشف فريق من العلماء في جامعة فلوريدا الدولية (Florida International University) في دراسة بحثية نشرت في دورية "جورنال أوف أنيمال إيكولوجي" (Journal of Animal Ecology) في 13 من يونيو/حزيران أن لقرش الشعاب المرجاني من نوع "كارشرينوس أمبليرينكوس" (Carcharhinus amblyrhynchos)، سلوكا غريبا يُمَكِّنُه من ركوب أمواج تيارات المحيط مما يتيح له أن يأخذ أقساطا متناوبة من الراحة.
حركة دائمة ومجهود أقل
وبحسب البيان الصحفي الذي نشرته الجامعة، فإن أسماك القرش لا تتوقف أبدا عن السباحة طيلة حياتها، إذ إنها تظل في حركة دائمة لاستخلاص ما يكفيها من أكسجين يلزمها للبقاء على قيد الحياة. وبالتالي، فلا مجال للحديث عن احتمالية أن يأخذ هذا الكائن العملاق استراحة محارب ولو لبرهة قليلة من الوقت.
أثناء محاولة الفريق تتبع سلوك قرش الشعاب المرجانية لاحظوا أن أسماك القرش تسبح أثناء النهار ضد التيارات الصاعدة. الأكثر إثارة للاهتمام أنهم لاحظوا أن تلك الأسماك لا تحرك زعانفها أو ذيولها إلا قليلا.
ويفسر يانيس باباستاماتيو، قائد الفريق البحثي هذه الظاهرة قائلا إن "أسماك القرش تتبنى وضعا هادئا وأكثر ارتياحا أثناء النهار، إذ تسبح ضد تيار البحر القوي جدا بأقل جهد يذكر".
سباحة ضد التيار
ففي أثناء هذه الحركة تدفع أسماك القرش بنفسها إلى مقدمة التيار، مما يجعلها تُحمَل وتنزلق بفعل ذلك التيار إلى النقطة نفسها التي بدأت من عندها هذه الحركة. وبالتالي، فإن أسماك القرش تدفع نفسها ضد التيار ثم تُحمَل بواسطته للخلف مرة أخرى، ثم تدفع نفسها مرة أخرى للأمام ضد تيار قادم آخر.
ولتفسير هذه الظاهرة العجيبة، استخدم الفريق مجموعة متنوعة من أدوات تتبع الصوت وكاميرات مثبتة على أسماك القرش. مكنت هذه التقنيات الباحثين من إنشاء نموذج حيوي ميكانيكي يمكنه حساب مقدار الطاقة المتسهلَكة أثناء ركوب أسماك القرش لتلك التيارات المتصاعدة.
أسماك القرش تتجمع في مجموعات أثناء المد والجزر وتقترب من السطح في سلوك نقل جماعي (ويكيبيديا – بولا أيوتي، نوا)
وقد أظهرت نتائج الحسابات المستقاة من النموذج السابق أن أسماك القرش يمكنها الاسترخاء لبعض الوقت عندما يحملها التيار إلى أعلى، إذ أشارت النتائج إلى أن أسماك القرش أمكنها الحفاظ على 15% على الأقل من نفقات الطاقة التي تستهلكها أثناء السباحة الاعتيادية. وبالتالي فإن هذه الوضعية تساعد على ارتخاء عضلات أسماك القرش إلى أدنى حد ممكن.
التنبؤ بمواقع أسماك القرش
واستنادا إلى هذه المعلومات، استنتج الفريق أنه بإمكانهم التعرف على المناطق التي يستريح بها بعض أنواع أسماك القرش اعتمادا على مدى معرفتهم بتوزيع تيارات المحيط. وقد استخدم الفريق مسبار الصدى متعدد الحزم -الذي يمكنه مسح قيعان البحار- حتى يتمكنوا من معرفة مناطق وجود التيارات الصاعدة. كما استخدموا مستشعرات تتبعٍ يمكنها مراقبة هذه المناطق.
جاءت النتائج مؤكدة على أن أسماك القرش تبحث بالفعل عن مناطق التيارات الصاعدة خلال يومها. وبالتالي فإنها تكيِّف مواقع وجودها رغبة في توفير قدر من الاسترخاء لأجسامها، وكذلك لتوفير نفقاتها من الطاقة.
على سبيل المثال، توفر حركة المد والجزر تيارات متصاعدة أقوى من الطبيعي على السطح. وفي تلك الأثناء، تتجمع أسماك القرش معا في مجموعات وتقترب من السطح وكأنها تتبنى سلوكا لنقل جماعي يمتطي مقدمة التيار ويهبط معه. وعندما تصبح هذه التيارات ضعيفة، تغوص أسماك القرش أكثر في أعماق البحار.
وبالطبع، فإن هذه الدراسة تقدم آلية جديدة للتنبؤ بمواقع أسماك القرش وبعض الأنواع البحرية الأخرى التي تحتاج إلى استمرارية الحركة لكي تظل على قيد الحياة.