07-07-2021 10:06 AM
بقلم : الدكتور يعقوب ناصر الدين
كنا، وكان قبلنا وبعدنا أجيال من طلبة المدارس ينشدون خلال طابور الصباح قصيدة الشاعر اللبناني "بشارة الخوري" الملقب بالأخطل الصغير، التي لحنها محمد فليفل: "نحن الشباب لنا الغد ومجده المخلد" إلى آخر القصيدة التي ترسخ العزيمة والأمل في النفوس، فالطابور بما فيه من حيوية ونظام مرتبط أساسا بعملية التعليم، على اختلاف مراحله، وغاياته، وأهدافه، ومخرجاته النهائية.
اليوم تتصدر قضية تعليم الشباب، وتأهيلهم، وتدريبهم، وتمكينهم أولويات الدولة، والنظرة إلى مشاركتهم في الحياة العامة تشمل جميع مجالات التنمية الشاملة، ومنها: التنمية السياسية، والمشاركة في اتخاذ القرار من خلال الأحزاب والانتخابات البرلمانية والبلدية، إلى جانب النشاطات الشبابية على اختلاف أنواعها.
ولا شك أن أزمة الشباب هي جزء من أزمات أكبر وأشمل عندما نتحدث عن الأزمة الاقتصادية الصعبة، التي أصبحت أكثر تعقيدا منذ أن اجتاحت الكورونا العالم، وأدت إلى انهيار مؤسسات اقتصادية بأكملها، وزادت من معدلات البطالة والفقر في معظم الدول – ونحن واحدة منها – وغيرت بشكل غير متوقع من أولويات السوق وحاجاته من القوى البشرية العاملة، فضلا عن حالة الخوف التي دفعت الجميع إلى إعلاء شأن السلامة العامة على غيرها من الشؤون، وفي ذلك ما يستحق التبرير، وإن كان ثمنه باهظا جدا!
لكننا في الأردن، وكذلك الحال بالنسبة للدول جميعها لا يمكننا البقاء طويلا في مساحة الشكوى والتذمر والانتقاد، فقد حان الوقت لكي نمضي إلى الأمام بحيوية ونشاط هو من طبيعة الشباب الذين يخطون خطواتهم الأولى على طريق المستقبل، ذلك الطريق الذي أوضحته الرؤى الملكية في الأوراق النقاشية، وفي المبادرات الهادفة إلى إشراكهم في الحياة العامة بشكل فاعل ومنتج ومتواصل.
وكأي قضية نقف منها موقف التحدي كي نفوز بها أو نكسبها لا بد من معرفة نقاط القوة التي نملكها، المعنوي منها والمادي، ونقاط الضعف التي لا بد من معالجتها كما لو أنها عوائق في الطريق، ومن هذه الناحية يمكن أن نضع في مقدمة نقاط القوة الإرادة السياسية المتمثلة في رؤى جلالة الملك، وما يتمتع به الشباب الأردني من انفتاح كبير على ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ومن تقدم علمي وبحثي ومعرفي متنوع الاتجاهات، فضلا عن تمتعهم بمستوى عال من الوعي الوطني والقومي، ورسوخ مفاهيم الرمزية للقيادة الهاشمية، والفخر والاعتزاز بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، والاستجابة للمبادرات الوطنية، مع توفّر بنية تحتية مناسبة للتمكين الشبابي.
حين ننظر إلى نقاط الضعف سنجد أن نقاط القوة كفيلة بمعالجتها من جميع جوانبها التشريعية والمؤسسية، وقادرة على إنهاء حالة التشتت القائمة بين مؤسسات التمكين الشبابي، واستعادة الثقة بها والانفتاح عليها، واستثمارها على الوجه الأفضل، ولا بد لنقاط القوة أن تجد الوسيلة المثلى لتحفيز الشباب، وفتح الآفاق أمامهم بالعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، ووضع حد قاطع للوساطة والمحسوبية التي لطالما أحبطت السواد الأعظم من الشباب، وزرعت اليأس في نفوسهم، وجعلتهم يعزفون عن المشاركة في الحياة السياسية والأنشطة الشبابية التطوعية، في وقت غاب فيه أو يكاد رأس المال الاجتماعي، والمسؤولية المجتمعية الواجبة على المؤسسات العامة والخاصة، وهيئات ومنظمات المجتمع المدني.
فما دام تمكين الشباب أولوية وطنية متفقًا عليها فإن إزالة العراقيل، وتحطيم اليأس في مسألة من هذا النوع تدعونا حتما إلى القيام بحملات منظمة لاستعادة الثقة، وبث روح الأمل والتفاؤل، وحشد الهمم، حتى ينتظم الطابور وهو يدخل إلى مئوية جديدة من عمر الدولة، بخطى ثابة وعزيمة لا تلين.