13-07-2021 12:28 PM
سرايا - مع اقتراب عيد الأضحى كثر بحث المسلمين على موقع "جوجل" العالمي عن حكم أو مشروعية دفع قيمة الأضاحي إلى البلاد الفقيرة ليضحى بها هناك.
والأضحية سنة مؤكدة عن الرسول صلى الله عليه وسلم يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، وهي مشروعة بالكتاب والسنة القولية والفعلية والإجماع.
ويستدل على مشروعية الأضحية في القرآن الكريم لقوله تعالى: "إنا أعطيناك الكوثر* فصل لربك وانحر* إن شانئك هو الأبتر" (سورة الكوثر).
أما في السنة المحمدية فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بل ويتولى ذبح أضحيته بنفسه لقول أنس بن مالك، رضي الله عنه: "ضحّى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمّى وكبّر، ووضع رجله على صفاحهما"، متفق عليه.
حكم دفع قيمة الأضاحي إلى البلاد الفقيرة
البعض يدأب سنوياً على إرسال قيمة الأضحية التي كان ينوي ذبحها إلى إحدى البلاد الفقيرة لشرائها هناك وذبحها وتوزيعها على محتاجي هذه البلد، بل ويحث الآخرين على فعل ذلك دون دراية منه بعدم مشروعية فعلته.
المقصود من الأضحية هو التقرب إلى الله بذبح، وهو عبادة لا يمكن أبداً أن تتم إذا أرسل المسلم الأموال إلى بلد آخر وذبحت الأضحية هناك.
ومن الأفضل أن يباشر المضحي ذبح الأضحية بنفسه، ليشهد أضحيته، وليتمكن من الأكل منها، ولكنه لا يقتضي بطلان التوكيل فيها.
ورداً على هذا السؤال قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: "إذا أخرجت دراهم ليضحى عنك في بلاد أخرى فقد خالفت أمر الله؛ لأن الله تعالى قال: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (الحج: 28).
وأضاف: "وقد قال كثير من العلماء إن الأكل من الأضحية واجب يأثم الإنسان بتركه، وبهذا نعرف أن الدعوة إلى استجداء الدراهم ليضحي في خارج البلاد دعوة غير سليمة، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يساهم في ذلك".
وشدد على ضرورة "أن يضحي الإنسان في بيته وعند أهله، وتظهر شعائر الإسلام في البلاد. ومن أراد أن ينفع إخوانه في أماكن محتاجة فلينفعهم بالدراهم والثياب وغير ذلك".
أما رد الشيخ العلامة صالح الفوزان عن السؤال ذاته فجاء: "وأما ما أحدثه بعض الناس من دفع ثمن الأضحية للجمعيات الخيرية لتذبح خارج البلد وبعيدًا عن بيت المضحي، فهذا خلاف السنة، وهو تغيير للعبادة، فالواجب ترك هذا التصرف، وأن تذبح الأضاحي في البيوت، وفي بلد المضحي كما دلت عليه السنة، وكما عليه عمل المسلمين من عهد الرسول حتى حصل هذا الإحداث، فإني أخشى أن يكون بدعة، وقد قال النبيُّ: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ.
وتابع: "ومن أراد أن يتصدق على المحتاجين فباب الصدقة مفتوح، ولا تغير العبادة عن وجهها الشرعي باسم الصدقة".
حكم إرسال أموال الأضحية لأهل بلد المضحي
ما سبق ذكره يختلف كثيراً عن حكم مَن يعيش خارج بلده ويرسل أموالاً وينوب آخرين عنه لشراء وذبح الأضحية وتوزيعها على أقاربه وجيرانه.
وجاءت فتوى على الموقع الرسمي للشيخ محمد بن صالح العثيمين رداً على السؤال التالي: "نحن لسنا من أهل هذه البلاد المعطاءة أسأل الله أن يديم عليها الخير، وأن يحفظ علماءها وولاة أمورها، السؤال هو: يا فضيلة الشيخ، لا يخفى عليكم أن أهلنا في أشد الحاجة للأضاحي والاستفادة من لحومها وجلودها، والغالب عليهم هو الفقر، فهل لنا أن نرسل ثمن الأضاحي إليهم ونوكل من ينوب عنا، مع العلم أن المقصود منها إظهار هذه الشعيرة، فهل يجوز لنا فعل ذلك؟".
وكان الجواب: "إذا كان الإنسان في بلد وأهله في بلد آخر فلا حرج عليه أن يوكل مَن يضحي عنه عند أهله حتى يسر أهله بالأضحية ويتمتعوا بها؛ لأنه لو ضحى في بلد الغربة فمن الذي يأكل الأضحية؟ وربما لا يجد أحداً يتصدق عليه، فلذلك نرى أن من له أهل فليبعث بقيمة الأضحية إلى أهله ويضحوا هناك".
مشروعية إخراج قيمة الأضحية صدقة
أما عن سؤال مشروعية إخراج قيمة الأضحية صدقة، فإن جمهور الفقهاء أجمعوا على أنه لا يجوز استبدال الصدقة بالأضحية؛ وهناك رواية ضعيفة في مذهب الإمام مالك تقول بالجواز، ولكن جمهور الفقهاء على تضعيفها.
والمرجح عند الفقهاء أنه لا يجوز إخراج قيمة الأضحية للفقراء بدلا من الذبح لأن هذا سيؤدي إلى زوال هذه الشعيرة.
ويقول الشيخ محمد حسنين مخلوف: "الذي أراه الأخذ بقول الجمهور عدم جواز استبدال الصدقة بالأضحية؛ والصدقة لا تجزئ عن الأضحية لقوة دليله وضعف الرواية المذكورة عن مالك؛ ولأن فتح باب التصدق بأثمان الأضاحي سيؤدى حتمًا على توالى الأيام إلى ترك الناس هذه الشعيرة الدينية والإخلال بالتعبد بها وبالتأسي برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في فعلها والإخلال بحكمة تشريعها كما سيؤدى في المستقبل وفى الظروف العادية إلى كساد أثمان الأضاحي كسادًا فاحشًا يضر المنتجين وكثيرًا من التجار".
يقول الشيخ جعفر الطلحاوي :"أولاً: لا يجوز إخراج قيمة الأضحية أو جزء منها نقدا للفقراء، إذ الأصل في مشروعية كل من الأضحية والهدي والعقيقة، إراقة الدم، قال تعالى: لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (الحج 37).
وتابع: "ثانيا: من أخرج قيمة الأضحية أو جزءا من ثمنها نقدا إلى الفقراء، كانت صدقة من الصدقات، وعليه فلا تعتبر أضحية ولا يعتبر من فعل ذلك مضحيا".
وأكمل: "ثالثا: إذا قدمت ثمن الأضحية لجهة من الجهات الخيرية، كجمعية أو مؤسسة لتكون وكيلة عن المسلم في ذبح الأضحية في بلده أو في أي بلد آخر من بلدان المسلمين يصيب منها الفقراء والمساكين، في هذه الصورة فقط، وبنية الأضحية يكون مضحيا، وإن لم يباشر الذبح بنفسه".