14-07-2021 11:58 AM
بقلم : د . خالد الوزني
في العالم، هناك العديد من اتفاقيات التعاون الاقتصادي التي قامت وفق أسس ومصالح اقتصادية بحتة، وإن كان بعضها احتوى على مُكوِّنٍ ما من المصالح السياسية. ولعلَّ من أهمِّ النماذج الناجحة والماثلة حتى اليوم في مجال التعاون الاقتصادي بين الدول مجموعة الآسيان (مجموعة رابطة جنوب شرق آسيا) التي انطلقت منذ العام 1967 وتضمُّ 10 دول.
وهناك النموذج العالمي المعروف، والذي تمخَّض عنه قيام الاتحاد الأوروبي الذي بدأ عام 1957 بست دول فقط، وهو يضمُّ اليوم 27 دولة، بعد انسحاب إنجلترا من ذلك الاتفاق. وهناك النموذج الأحدث على مستوى العالم، وهو نموذج مجموعة دول البريكس (BRICS)، التي تضمُّ 5 دول هي: الصين، والهند، والبرازيل، وروسيا وجنوب إفريقيا، التي تكوَّنت بين الفترة 2008-2011، وهي الكتلة الأكبر تأثيراً في حجم الاقتصاد العالمي اليوم؛ تجارياً وديمغرافياً. النماذج السابقة تشكِّل دولاً تتكلم لغات متعددة، وأنظمة سياسية متنوعة النهج والمنهج، وجغرافية سكانية متنوعة، وديمغرافية منتشرة ومتشعبة. ويبقى في العالم العديد من نماذج التعاون الاقتصادي الصغيرة والمتوسطة.
وتشير كافة التجارب العالمية في مجال اتفاقيات التعاون الاقتصادي، وبما لا يدع مجالاً للشك أنَّ التجارة البينية، والمصالح الاقتصادية والاستثمارات المُشتركة تزداد بشكل كبير بعد الدخول بهذه الاتفاقيات، وبشكل ملموس يزيد بكثير عمَّا كانت عليه الحال قبلها. وهو أمر شهدته التجارب العالمية المذكورة سابقاً جميعها. الشاهد اليوم، والإرادة السياسية العليا تتجه في الأردن ومصر والعراق للخروج بصورة من صور التعاون الاقتصادي الذي يحقّق للدول الثلاث تنمية حقيقية، ومصالح اقتصادية واجتماعية مشتركة، فإنَّ تلك الخطوة تُحتِّم الاستفادة من أفضل التجارب العالمية، وتتطلَّب أن تبدأ الحكومات الثلاث بالانخراط بخطوات عملية حقيقية، ضمن لجان فنية متخصّصة للخروج بصيغة تعاون غير قابلة للتفكيك، أو التراجع. فالتجارب العالمية السابقة تُوضِّح أنَّ التعاون الاقتصادي والمالي يحقِّق المصالح للدول، مهما اختلفت اللغات، أو الأنظمة السياسية، أو المواقف الاقتصادية أو السياسية مما يحدث حول العالم.
بيد أنَّ من المفيد الإشارة هنا إلى أنَّ أهمَّ محاور نجاح، أو أعمدة ثبات ورصانة مثل هذه الاتفاقيات يكمن في عدة متطلبات؛ المتطلب الأول هو ضرورة أن تُغَلِّب هذه الاتفاقيات المصالح الاقتصادية على المصالح السياسية، وبحيث لا تتوقَّف أو تتجمَّد عند تغيُّر المواقف السياسية هنا أو هناك، ونماذج دول الاتحاد الأوروبي ودول البريكس والآسيان تقف واضحة عن كيفية الفصل والاستقلال في المواقف السياسية دون الإخلال بالمصالح الاقتصادية للدول الأعضاء.
وهذا المتطلب يستدعي بالضرورة، ليس فقط إدماج القطاع الخاص به وبمفاوضاته، بل أهمية أن تتمَّ المصادقة على اتفاقيات التعاون الاقتصادي بقانون وتشريع خاص ومُلزم من قِبَل المرجعيات الدستورية في الدول.
المتطلّب الثاني لنجاح وثبات هذه الاتفاقيات يتمَثّل في ضرورة تفكيك كافة أوجه المعيقات غير الجمركية أمام التبادل التجاري بين الدول، بل وتفكيل كافة أوجه معيقات انتقال رؤوس الأموال والأفراد. ولعلَّ الحالة بين الدول الثلاث، مصر والأردن والعراق، تستدعي ترتيبات تبدأ باتحاد جمركي كامل يوحّد أو يزيل الرسوم الجمركية في السلع ذات القيم المضافة المحلية الحقيقية، ويزيل كافة أشكال المعيقات غير الجمركية بين الدول، وهي اليوم كثيرة مع الأسف.
المتطلَّب الثالث لتحقيق نجاح حقيقي لهذا النموذج الهام يكمن، برأيي الشخصي، في ضرورة إدماج الاقتصاد السوري في أقرب وقت ممكن في الاتفاق، نظراً لتكاملية ذلك الاقتصاد مع الاقتصادات الثلاثة؛ جغرافياً وديمغرافياً، وفي مجال تنوُّع الموارد الاقتصادية، وكذلك في سياق أهمية الربط الجغرافي مع أوروبا عبر تركيا، وهو أمر مهم للغاية للدول الثلاث. انخرطت الدول الثلاث سابقاً، إضافة إلى اليمن، في مجلس تعاون عربي، والأمل أن تكون المعادلة الجديدة أفضل وأكثر ثباتاً ممّا انتهت إليه التجربة السابقة.
khwazani@gmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
14-07-2021 11:58 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |