14-07-2021 02:04 PM
بقلم : فيصل تايه
بعد كل هذه التجاذبات التي رافقت امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة هذا العام ، وكل تلك التوترات التي تفاقمت بشكل غير معهود في إطار أزمة اجتاحت نظامنا التعليمي ، وتحت وطأة ظروف صحية قهرية جراء تبعات جائحة كورونا ، تبرز الحاجة الملحة هذه الايام لمراجعة منظومة التقويم المتعلقة بشهادة الدراسة الثانوية العامة ، وتشخيص جوانب الخلل التي شابت النظام المتعلق بها ، وما رافقها من ايجابيات وسلبيات وتشوهات على مدار السنوات العشر الماضية ، ما يبرز حاجتنا الحتمية لاستحداث مركز وطني متخصص مستقل للقياس والتقويم والاختبارات ، تسند مهامه الى خبراء مختصين في علم القياس والتقويم ، ذلك بعد اتخاذ قرار بضرورة فصل مهام منهجية الاختبارات والامتحانات عن المركز الوطني لتطوير المناهج والاختبارات ، والذي اعلن عن انشائه في العام ٢٠١٧م ، وفق نظام خاص يتمتع من خلاله باستقلال مالي واداري مرتبط برئيس الوزراء ، ويخضع لديوان المحاسبة وديوان الخدمة المدنية ، والذي جاء حينها كجزء من خطة متكاملة لتطوير التعليم في الاردن ، وفق ما اوصت به الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية ، حيث يعمل بالتنسيق مع ادارة المناهج والكتب المدرسية في وزارة التربية والتعليم على مراجعة وتطوير الاطار العام للمناهج لجميع مراحل التعليم المدرسي ، بما في ذلك النتاجات التعليمية لجميع المباحث واستراتيجيات التدريس ومراجعة وتطوير استراتيجيات التقييم والتقويم بالتشاور مع ادارة الامتحانات والاختبارات بالوزارة .
وفق ما تقدم ، فقد ركز القائمون على المركز الوطني لتطوير المناهج والاختبارات في منهجية عملهم خلال الفترة الماضية على تطوير المناهج لمهمتها الصعبة ، ولم تسمح الظروف منذ ذلك الحين بمواكبه العمل على تحديث وتطوير منظومة الامتحانات والاختبارات الحالية ، والذي تأجل العمل بها الى وقت لاحق لأسباب قد تكون فنية او ادارية ، رغم الحاجة الملحة الى ان ترافق منهجية عمل تطوير المناهج أيضاً تطويراً لاستراتيجيات القياس والتقويم ، مع ضرورة الاسراع في تبني سياسة استراتيجية تحقق ذلك ، باعتماد هيئة مختصة مستقلة للإشراف المباشر على قياس التحصيل العلمي والمعارف والمهارات والقدرات للطلبة وتقويمها ، وتتبنى وضع معايير واضحة بناءً على منهجية علمية ، وبآليات عمل مؤسساتية وتقنياتٍ وأدوات قياس معيارية ، من خلال تقديم حلول شاملة متكاملة ، إسهامًا في تحقيق العدالة والجودة ، وتلبيةً للاحتياجات المتعلقة بذلك ، اضافة لتقويم مكونات العملية التعليمية التعلمية ككل ، ذلك بالعمل على مساعدة ادارة الامتحانات والاختبارات في الوزارة وبما يتطلب ، من عمليات الاشراف على كافة المهام والمسؤوليات المتعلقة بتقويم وقياس الاختبارات والامتحانات ، ما يحتاج أن تبقى الأمانة والدقة وحس المسؤولية حاضرة في الوعي الجمعي للقائمين على هذه المهمة الوطنية .
اننا وحين نتحدث عن ضبط عملية التقويم ، وعند مراجعة عمليات التقويم التقليدية المكرورة ، تبرز الحاجة لتطوير وسائل القياس التربوي في جميع مستويات التعليم ، وفي هذا تجدر الاشارة إلى ضرورة العمل على رفع مستوى الأداء والكفاءة من خلال ضرورة قياس المؤشرات التربوية والتحصيلية ، ومتابعة الإشراف في إعداد اختبارات مؤسسات التعليم المختلفة ومراقبتها بما يضمن جودتها ، اضافة الى تقديم الدراسات والخدمات الاستشارية المتعلقة بالقياس والتقويم ، التي يمكن لها ان تسهم في توفير معلومات موضوعية حيادية يمكن الوثوق بها ، ويمكن أن تكون دافعاً لتوجيه التعليم نحو تطوير القدرات والكفاءات بما يضمن المخرجات المرجوة ، بالاستعانة بآراء وملاحظات واقتراحات خبراء التربية والتعليم ، الذين يجمع اغلبهم على أن التقويم يقود عملية التعليم ، ولن يكون التقويم أكثر فاعلية الا عندما يكون تحت إشراف جهة رسمية مستقلة عن وزارة التربية والتعليم ، جهة تعنى بإعداد مقاييس علمية ومهنية تتوفر فيها العدالة والكفاية وتحقيق الريادة والجودة ، ولتكون مرجعية وطنية حقيقية في القياس والتقويم ، من خلال تقديم حلول شاملة متكاملة لقياس المعارف والمهارات والقدرات وتقويمها بمنهجية علمية لدعم صانعي القرار بالتقارير والمعلومات ، فيكون التقويم محايداً وموضوعياً تعكس نتاجاته مخرجات الوزارة بصورة تستفيد منها في تطوير وتجويد عملها على مختلف الصعد التقويمية ، وتسعى في الوقت نفسه لتحقيق ريادة في صياغة الاختبارات والمقاييس التربوية والمهنيّة ، وفي هذا السياق لا بد أن نتحدث عن توحيد جهود الجهات المتعددة لضبط نوعية التعليم ، والتركيز على الاختبار الوطني المعمول به منذ سنوات ، والذي يقيس مدى امتلاك الطلبة للمهارات الأساسية ، ويفيد “التربية” في التعرف على مواطن القوة والضعف عند الطلبة ، ذلك للعمل على وضع خطط علاجية لنقاط الضعف ، فضلًا عن أنه يوفر قاعدة بيانات مهمة للوزارة للوقوف على الحصيلة العامة للمعرفة المتراكمة لدى الطلبة .
اعتقد ان من الواضح اننا بحاجة الى ايجاد ذراع متخصص في هيئة الاعتماد معني بالتعليم العام ، ما يدعم وجود المركز الذي سيمثل هيئة مستقلة خاصة تعنى بالاختبارات والامتحانات وكما سبق وتحدثت ، خاصة عند الحديث عن المرحلة الثانوية ذلك باعتماد منهجية علمية دقيقة تضمن دقة النتائج وثباتها وموثوقيتها ، مروراً بمختلف المراحل المتعددة التي تشمل مختلف الجوانب النظريّة والعمليّة في إعداد الاختبارات الوزارية ، وتخضع بعد صياغتها للجنة تحكيم متخصصة تقوم بمراجعتها وفحصها وتجربتها ، لتكون جاهزة للتطبيق ، ما نأمل أن يحدث نقلة نوعية على صعيد المخرجات ، اضافة الى ضرورة السعي إلى التوسع في عمليات التحول الرقمي ، وذلك ابتداءً من طرح خيار الاختبار المحوسب إلى جانب الاختبار الورقية ، كما ولا بد من السعي وضمن الظروف الحالية لإتاحة خيار ثالث وهو تجويد تقديمها عن بُعد ، تماشيًا مع متطلبات المرحلة والظروف الاستثنائية لتحقيق أهداف ضرورات التحوُّل الرقمي .
واخيرا ، فان اصحاب القرار وصانعيه بحاجة دورية الى من يزودهم بقياس صادق وموثوق عن مدى إتقان الطلاب على المستوى الوطني للمهارات والمعارف اللازمة للمساهمة في تحسين مخرجات التعليم ، في عدد من المجالات التعليمية ، اضافة لتصور واضح عن نقاط القوة والضعف في نظامنا التعليمي ، بهدف تحسين عمليات التعلم وتطويرها ، ورغبة في تعزيز جودة المخرجات التعليمية وقياس نواتج التعلم ، اضافة لإيجاد الأدوات القياسية ذات الجودة العالية والتي بمكن ان تُعد مؤشرًا مهمًا لمستوى تحصيل الطلاب .
بقي ان اقول ان ما تحدثت به اعلاه ستحدث نقلة نوعية في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة تحديداً ، ذلك بان المساعدة في بناء الاختبارات التحصيلية المتعلقة بهذا الامتحان الوطني وتطويره وتحليل نتائجه ، يخدم المختصين من أجل تقييم المقررات التي تدرس فيه ، ما يساهم في اعداد اختبارات القبول الجامعي التي تُعَدُّ ضرورة لمستقبل ابنائنا الطلبة . .
والله ولي التوفيق