29-07-2021 09:37 AM
بقلم : سعد فارس سعود القاضي
نص قانون الانتخاب لعام 1928 على وجود دوائر مغلقة تختص بتمثيل البدو في المجالس التشريعية وكان هذا القرار آنذاك قرارًا صائبًا لأن البدو في تلك الفترة من عمر الدولة عبارة عن رحل وكان الهدف من هذا القانون في تلك الفترة الحفاظ على حقوق البدو وضمان مشاركتهم في العملية السياسية والمساهمة في بناء الدولة الأردنية الحديثة ونجح هذا القانون بتثبيت البدو الرحل في تجمعات سكنية مما أدى الى تغير في نمط معيشتهم الذي يعرفون به وكما هو معلوم ساهمت العشائر البدوية الأردنية بدور كبير في نشأة واستقرار المملكة على مدار مئة عام وخصوصًا في بدايات ومنتصف القرن العشرين لذلك كان لهذا القانون دور وفاعلية كبيرة في ذلك الوقت وأحدث تغيير جذري في المجتمع الأردني والبدوي على وجه التحديد ما أوصلهم في نهاية المطاف إلى أن يكونوا كغيرهم من الأردنيين وأصبحت المجتمعات البدوية تشترك بنفس النمط المعيشي مع كافة فئات المجتمع الأردني وأصبحت جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي الأردني لكن وإلى حين وصولنا لدستور عام 1952 الذي نصت الفقرة الأولى من المادة السادسة فيه على أن "الأردنيين أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين". نستنبط من هذه المادة من الدستور بأنه لم يعد يعترف بالأقليات على خلاف النظام الأساسي لعام 1928 ودستور عام 1946 ما يعني أن الأردنيين أمام القانون سواء حتى لو كانوا من أصول ومنابت وديانات مختلفة فالبدوي كالشركسي والمسيحي أمام القانون ولا تمييز بينهم ومن ناحية أخرى نرى بأن قانون الدوائر المغلقة اليوم يميز أبناء البادية عن غيرهم من أبناء المجتمع الأردني لأنه يخصص 12 مقعدًا نيابيًا بما فيهم الكوتا النسائية لأبناء البادية ما يفضي بالنهاية إلى شعور غيرهم من الأردنيين بعدم المساواة كما أن هذا القانون لا يساعد في تطور العملية الانتخابية والسياسية في الدائرة لأنه وبالغالب يكون اختيار النواب على أساس قبلي عشائري وبدى ذلك جليًا في انتخابات 2020 وانتخابات 2016 حيث كانت العشائر تخرج بكتل موحدة خاصة بها وتقوم بدور كان من المفترض أن تقوم به الأحزاب السياسية ولكن لغلبة العشائرية في هذه الدوائر يكون للعشيرة دور أساسي وكبير في الوصول الى البرلمان بالتالي نسب وحظوظ المرشح ذو خلفية عشائرية تفوق نسب حظوظ المرشح ذو خلفية حزبية إن وجد بعشرات المرات كما أننا نرى بأن هذا القانون مجحف بحق من ولد ونشأ وترعرع في بيئة خارج دائرته الانتخابية فإذا أراد الترشح للانتخابات لا يحق له الترشح أو حتى التصويت في البيئة التي نشأ بها كونه يعامل على أساس عشائري نسبة لاسمه الرابع لا جغرافي كغيره من الأردنيين يجبره بالعودة الى دائرته الانتخابية ما يفضي بالنهاية الى افراغ أحد حقوقه من مضمونها كالحق بالترشح والانتخاب لأنه لن يكون حرًا في الترشح أو الانتخاب في الدائرة التي يرغب بالترشح بها وسيكون مرغمًا على المشاركة في دائرته المغلقة وهذا الاجبار قد يفضي الى مشاركة سياسية سلبية كأن يشارك على أساس عشائري أو على أساس خدمي في اختيار مرشحه مما يؤدي بالنهاية الى حرمان مرشح كفؤ من المشاركة في العملية السياسية أو إلى افراز نخب برلمانية تكون غير قادرة على حمل المسؤولية البرلمانية ولا تمتلك الحد الأدنى من الثقافة السياسية لذلك يتجهون الى الجانب الخدمي ويهملون الجانب الرقابي التشريعي مما يساهم في اتساع فجوة الثقة بين المواطن ومختلف مؤسسات الدولة سواء التشريعية أو التنفيذية منها. كما أنه ومن المعروف بأن دور النائب في البرلمان لا يختلف عن غيره فمثلًا نائب دائرة البدو المغلقة لا تختلف مهامه وواجباته عن نائب آخر لدائرة مفتوحة لأن الاثنين لديهم مسؤولية واحدة تعنى بمراقبة السلطة التنفيذية وتشريع القوانين.
لذلك أقترح بأن تلغى هذه الدوائر أو أن تصبح دوائر مفتوحة كغيرها من الدوائر الانتخابية في المملكة لعدة أسباب منها:
1- يواجه هذا القانون شبهة دستورية لأنه يتعارض مع مضمون الفقرة الأولى من المادة السادسة من الدستور.
2- سيساعد فتح هذه الدوائر في زيادة التنشئة السياسية والثقافة السياسية لدى أبناء هذه الدوائر.
3- سيقلل من نسبة اختيار النائب على أساس قبلي عشائري لأنه فتح هذه الدوائر سيساعد على ظهور مرشحين يحملون برامج انتخابية ومن خلفيات حزبية يتم اختيارهم بناءً عليها بالتالي سيساعد على توسعة العمل الحزبي ليحل الحزب مكان القبيلة فيقوم كل منهما بدوره. (الحزب يقوم بدوره السياسي والقبيلة تقوم بدورها الاجتماعي).
4- عند فتح هذه الدوائر سيكسر حاجز الخوف والرهبة لدى الأحزاب السياسية من النشاط في مجتمعات تلك الدوائر مما سيمكن الأحزاب من توسيع رقعة عملها بدخولها الى هذه الدوائر وستصبح قادرة على المنافسة في الانتخابات.
5- البدو كغيرهم من الأردنيين بالتالي هم ليسوا حتى أقلية عرقية أو دينية حتى يتم إنشاء دوائر مغلقة خاصة بهم وأن يعاملوا معاملة خاصة تميزهم عن غيرهم من أبناء المجتمع الأردني فهذا يؤدي بالغالب الى إخلال في النسيج الاجتماعي.
6- أدى هذا القانون الذي صدر في العام 1928 الغرض منه بتوطين البدو وتثبيتهم في أراض محددة ولا يعد استمراره إلى هذه الفترة من عمر الدولة إلا إعاقة للتنمية السياسية في البلاد.
7- فتح هذه الدوائر سيسهم بزيادة عدد المشاركين في العملية الانتخابية والتي بدأت تتقلص شيئًا فشيء من انتخابات عام 2012 وصولًا الى انتخابات عام 2020.
8- المستفيد الأكبر من غلق هذه الدوائر هم أباطرة المال الأسود وغيرهم ممن يستغلون مكانتهم السياسية والاجتماعية المرموقة لتحقيق خدمات لغيرهم مقابل أن يصوتوا لهم عند ترشحهم في الانتخابات.