حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,7 يناير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 15398

يا خسارتك يا مصر

يا خسارتك يا مصر

يا خسارتك يا مصر

05-01-2008 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

البارحة صباحا وفي طريقي لمكتبي ، وعلى دوار الواحة في عمان ، رأيت المنظر التالي ، أكثر من خمسين رجلا مصريا ، يلبسون ملابس رثة للعمل تكاد لا تدفئهم ، رأيتهم وهم يركضون بسرعة كبيرة ، من جهة في الدوار للجهة الأخرى ، يتراكضون كمجانين ، غير آبهين بالسيارات أو بالأتيكيت الأجتماعي ، نحو سيارة شكودا ، يبدو أنها تريد عاملا أو أثنين ، تلك السيارة التي كانت قد أحيطت بالعشرات من أخواننا المصريين ، قبل وصول هؤلاء العشرات الراكضين....وقتها ، وبالضبط ، أحسست بوجهي جافا كوجه مومياء ، وشعرت بهبوط في قلبي ، وانحدار شديد لمزاجي ، وقتها ، وبالضبط ، لعنت لقمة العيش المنحطة هذه ، نحيا كي نصير عبيد ، عبيد للقمة ، تديمنا كائنات سمينة بانتظار الموت .... ولعنت ، هذا النموذج العربي من الدولة البائسة اللئيمة ، التي ، تحيلنا لعبيد فيها ، أو عبيدا مسافرين ، تذكرت ، أم حسن والغيط وحسن الذي يعمل في الأردن ، تذكرت لهفة الزوجة والأولاد في انتظار الحوالة ، تذكرت البؤس والألم ، الحسرة في وجه فتحية ، وفتحي من خمسة سنين لم يعد للشرقية ، أنا تألمت ، أهذا هو المواطن المصري ، وتتفاخر الحكومة هناك بأن مصر ، هي بلد العشرون مليون مغترب ، والفساد هناك ، يعتاش على أموال الأغتراب ، يقتاتون كالطفيليات على سهر الليالي الباردة في عمان أو أثينا أو السعودية ، أنا لا أعلم ماذا ينتاب المسؤول العربي ، حين يجتمع مع نظرائه الغربيين أو الأسويين أو الفنزويليين ، ألا يخجل من نفسه ، ألا يخجل من فشلة ، من كسله وفساده وتخلفة وعدم انتماءة ، صدقوني لم يهنأ لي بال يوم الخميس ، كنت حزينا لحال أولئك الأخوة المصريين ، حزين لحالهم وحالنا وحال كل العرب ، فنحن الجياع في مدن النفط والماء والخيرات ، ونحن المتسولون في أوطاننا ، والمتسولون في الغربة ، ونحن المظطهدون ،هكذا وبشكل استثنائي عن بقية خلق الله...... نتذكر جيدا أن الثورة في مصر لها عمر يقارب عمر الثورة الصينية ، وأن الشعب العربي المصري ، كان قد التف حول تلك الثورة كما لم يلتف الآخرون ، فالشعب المصري كان قد أعياه حفر قناة السويس ، أعياه الأستعمار والأقطاع والملكية والفساد ، وكان بريد أن يرى الله في ثورة يقودها من هم من رحمة ، أن يحكمة أحد أبناء الغيط أو الحارة ، كان يحلم بالعدالة ، بالحرية والعظمة ، وكان يريد ، وطنا كبيرا ، كالشمس ، فيه مصانع ومزارع ، وفيه الخير والكرامة والسعادة....بعد خمسون عاما ، هاهم الصينيون ، باتت تحسدهم كل شعوب الأرض ، تحسد ترفهم وانتاجيتهم ونظامهم الأشتراكي المزدهر وثقافتهم الأجتماعية الرفيعة...أما مصر....يا خسارة ...يركض أبنائها كالمجانين ، خلف أحدهم ، من أجل يومية بالكاد تكفي لوجبتين من كنتاكي....فلتبك يامصر....فليبكيك ما كان قد أبكاني....... المصريون في الأردن ، طبقة مظطهدة ، فهم يعملون ساعات عمل طويلة جدا يوميا وبدون اجازات أسبوعية ، وبرواتب قليلة لا تتجاوز المئتي دولار كحد أعلى ، وهم لا يتمتعون بأي تأمين صحي ، حيث لا تقدم الدولة الأردنية لهم هذا التأمين ، حيث أنها عاجزة عن تأمين نصف شعبها ، ولا يؤمنهم أصحاب العمل ، ثم هم بالغالب يعملون في أعمال خطرة دون توافر تأمين على حياتهم بما يضمن العيش الكريم لأبنائهم من بعدهم ، ولهم ، يد بيضاء على بلدنا ، فهم عمال المزرعة والفندق والمطعم ، وهم حرس العمارات وخادميها ، وفوق ذلك ، هم البناؤون ، فلولاهم ربما لم يتم انجاز 90% من مباني الأردن ، وهم يمثلون العمالة الرخيصة ، القادرة على ادامة وجود المواد الغذائية باسعار معتدلة ، والعمالة القادرة على ادامة دورة الحياة اليومية وادامة مظاهر الحياة الحيوية لدينا ، ولذا فهم يستحقون كل الأحترام ، ويستحقون رفع أجورهم وتحسين ظروف عملهم ، وتأمينهم صحيا وحياتيا ، وفوق كل ذلك ، أعطائهم قدرهم الذي يستحقون على الحدود وفي المراكز الأمنية ولدى أرباب العمل ومن قبلنا نحن كمواطنين.... ومصر ، بلد عظيم ، وغني ، غني بالغاز والثروات الطبيعية والأراضي الخصبة والمياة والسياحة والممرات المائية والموانئ ، وفوق كل ذلك ، فهو غني ، بشعب حيوي ، عامل ، وذو انتاجية عالية ، الا أن مصر ، يصيبها في المقتل ، تراكم سنوات الفساد ، ومراكز القوى ، ويذلها هذا الزمن الكافوري اللعين ، بما يجعل من مواطنها العربي الأبي ، رمزا للجوع والتهميش والأغتراب والعمل بالسخرة..... قبل شهرين ، كان أحد مرضاي ، شاب مصري ، محترم ومتفائل ، ورائع ، وحين كنت أدون سيرتة المرضية ، أتيت على سؤاله عن عمرة ، فرد علي ( والله ماعرفش يا أفندم )...صدمت لحظتها وقلت له ألا تعرف عمرك بالظبط ، فأكد لي بأنه لا يعرف ، وكنت أقدر عمره بمنتصف العشرينات ، ثم سألته ، في أي سنة نحن الآن ، فرد علي بأنه لا يدري ، ( يمكن بالألفين أو الألفين وواحد يا دكتور...؟!..) ، وكنا في رمضان 2007......أسوق هذه الحادثة مع احترامي لخصوصية ذلك الشاب المحترم واعتذاري له ان كنت قد خدشتها ، أسوقها لكم ، وللمسؤولين المصريين ، وللرئيس مبارك....وأسأل ، من المسؤول؟...أسأل وأنا أردد مع نفسي ....والله ويا خسارتك يا مصر....  








طباعة
  • المشاهدات: 15398
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
05-01-2008 04:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تتحمل إيران مسؤولية "نشر الفوضى وتأجيج الفتن" في سوريا كما تتهمها جامعة الدول العربية رغم نفي طهران؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم