05-01-2008 04:00 PM
البارحة صباحا وفي طريقي لمكتبي ، وعلى دوار الواحة في عمان ، رأيت المنظر التالي ، أكثر من خمسين رجلا مصريا ، يلبسون ملابس رثة للعمل تكاد لا تدفئهم ، رأيتهم وهم يركضون بسرعة كبيرة ، من جهة في الدوار للجهة الأخرى ، يتراكضون كمجانين ، غير آبهين بالسيارات أو بالأتيكيت الأجتماعي ، نحو سيارة شكودا ، يبدو أنها تريد عاملا أو أثنين ، تلك السيارة التي كانت قد أحيطت بالعشرات من أخواننا المصريين ، قبل وصول هؤلاء العشرات الراكضين....وقتها ، وبالضبط ، أحسست بوجهي جافا كوجه مومياء ، وشعرت بهبوط في قلبي ، وانحدار شديد لمزاجي ، وقتها ، وبالضبط ، لعنت لقمة العيش المنحطة هذه ، نحيا كي نصير عبيد ، عبيد للقمة ، تديمنا كائنات سمينة بانتظار الموت .... ولعنت ، هذا النموذج العربي من الدولة البائسة اللئيمة ، التي ، تحيلنا لعبيد فيها ، أو عبيدا مسافرين ، تذكرت ، أم حسن والغيط وحسن الذي يعمل في الأردن ، تذكرت لهفة الزوجة والأولاد في انتظار الحوالة ، تذكرت البؤس والألم ، الحسرة في وجه فتحية ، وفتحي من خمسة سنين لم يعد للشرقية ، أنا تألمت ، أهذا هو المواطن المصري ، وتتفاخر الحكومة هناك بأن مصر ، هي بلد العشرون مليون مغترب ، والفساد هناك ، يعتاش على أموال الأغتراب ، يقتاتون كالطفيليات على سهر الليالي الباردة في عمان أو أثينا أو السعودية ، أنا لا أعلم ماذا ينتاب المسؤول العربي ، حين يجتمع مع نظرائه الغربيين أو الأسويين أو الفنزويليين ، ألا يخجل من نفسه ، ألا يخجل من فشلة ، من كسله وفساده وتخلفة وعدم انتماءة ، صدقوني لم يهنأ لي بال يوم الخميس ، كنت حزينا لحال أولئك الأخوة المصريين ، حزين لحالهم وحالنا وحال كل العرب ، فنحن الجياع في مدن النفط والماء والخيرات ، ونحن المتسولون في أوطاننا ، والمتسولون في الغربة ، ونحن المظطهدون ،هكذا وبشكل استثنائي عن بقية خلق الله...... نتذكر جيدا أن الثورة في مصر لها عمر يقارب عمر الثورة الصينية ، وأن الشعب العربي المصري ، كان قد التف حول تلك الثورة كما لم يلتف الآخرون ، فالشعب المصري كان قد أعياه حفر قناة السويس ، أعياه الأستعمار والأقطاع والملكية والفساد ، وكان بريد أن يرى الله في ثورة يقودها من هم من رحمة ، أن يحكمة أحد أبناء الغيط أو الحارة ، كان يحلم بالعدالة ، بالحرية والعظمة ، وكان يريد ، وطنا كبيرا ، كالشمس ، فيه مصانع ومزارع ، وفيه الخير والكرامة والسعادة....بعد خمسون عاما ، هاهم الصينيون ، باتت تحسدهم كل شعوب الأرض ، تحسد ترفهم وانتاجيتهم ونظامهم الأشتراكي المزدهر وثقافتهم الأجتماعية الرفيعة...أما مصر....يا خسارة ...يركض أبنائها كالمجانين ، خلف أحدهم ، من أجل يومية بالكاد تكفي لوجبتين من كنتاكي....فلتبك يامصر....فليبكيك ما كان قد أبكاني....... المصريون في الأردن ، طبقة مظطهدة ، فهم يعملون ساعات عمل طويلة جدا يوميا وبدون اجازات أسبوعية ، وبرواتب قليلة لا تتجاوز المئتي دولار كحد أعلى ، وهم لا يتمتعون بأي تأمين صحي ، حيث لا تقدم الدولة الأردنية لهم هذا التأمين ، حيث أنها عاجزة عن تأمين نصف شعبها ، ولا يؤمنهم أصحاب العمل ، ثم هم بالغالب يعملون في أعمال خطرة دون توافر تأمين على حياتهم بما يضمن العيش الكريم لأبنائهم من بعدهم ، ولهم ، يد بيضاء على بلدنا ، فهم عمال المزرعة والفندق والمطعم ، وهم حرس العمارات وخادميها ، وفوق ذلك ، هم البناؤون ، فلولاهم ربما لم يتم انجاز 90% من مباني الأردن ، وهم يمثلون العمالة الرخيصة ، القادرة على ادامة وجود المواد الغذائية باسعار معتدلة ، والعمالة القادرة على ادامة دورة الحياة اليومية وادامة مظاهر الحياة الحيوية لدينا ، ولذا فهم يستحقون كل الأحترام ، ويستحقون رفع أجورهم وتحسين ظروف عملهم ، وتأمينهم صحيا وحياتيا ، وفوق كل ذلك ، أعطائهم قدرهم الذي يستحقون على الحدود وفي المراكز الأمنية ولدى أرباب العمل ومن قبلنا نحن كمواطنين.... ومصر ، بلد عظيم ، وغني ، غني بالغاز والثروات الطبيعية والأراضي الخصبة والمياة والسياحة والممرات المائية والموانئ ، وفوق كل ذلك ، فهو غني ، بشعب حيوي ، عامل ، وذو انتاجية عالية ، الا أن مصر ، يصيبها في المقتل ، تراكم سنوات الفساد ، ومراكز القوى ، ويذلها هذا الزمن الكافوري اللعين ، بما يجعل من مواطنها العربي الأبي ، رمزا للجوع والتهميش والأغتراب والعمل بالسخرة..... قبل شهرين ، كان أحد مرضاي ، شاب مصري ، محترم ومتفائل ، ورائع ، وحين كنت أدون سيرتة المرضية ، أتيت على سؤاله عن عمرة ، فرد علي ( والله ماعرفش يا أفندم )...صدمت لحظتها وقلت له ألا تعرف عمرك بالظبط ، فأكد لي بأنه لا يعرف ، وكنت أقدر عمره بمنتصف العشرينات ، ثم سألته ، في أي سنة نحن الآن ، فرد علي بأنه لا يدري ، ( يمكن بالألفين أو الألفين وواحد يا دكتور...؟!..) ، وكنا في رمضان 2007......أسوق هذه الحادثة مع احترامي لخصوصية ذلك الشاب المحترم واعتذاري له ان كنت قد خدشتها ، أسوقها لكم ، وللمسؤولين المصريين ، وللرئيس مبارك....وأسأل ، من المسؤول؟...أسأل وأنا أردد مع نفسي ....والله ويا خسارتك يا مصر....
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
05-01-2008 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |