01-08-2021 02:51 PM
بقلم : فيصل تايه
من الثوابت التاريخية لامتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة في الاردن ، والذي يشكل المَعلم الأكثر أهمية في نظام التعليم العام ، أنه ومنذ الأخذ به في مطلع ستينات القرن الماضي وهو يتعرض للعديد من التغيرات والتطورات ، فقد شهد هذا النظام على مر الزمن عدة تعديلات ، كانت لأسباب كثيرة منها ما يتعلق بفنيات الامتحان ومنها ما يتعلق بالقرارات المبنية على نتائج الامتحان ومنها اجتماعية ، لكنه بقي يحافظ على ديمومته وهيبته وحضوره على المستوى الوطني والدولي ، الى ان استدعت الحاجة تحديث ذلك النظام عام ١٩٧٧ حين تقرر نظام الفصلين ، الى ان بقي معمولاً به الى ما قبل سنتين ، ثم عاد لنظام الفصل الواحد واستمر الى الان ، لكن تلك التغيرات لم تعالج المشاكل النفسية والاجتماعية والقياسية واقتصرت فقط على تغييرات شملت "عدد مرات الامتحان" في السنة الواحدة ، أما المفاصل الأساسية لنظام الامتحان فبقيت دون تغيير يذكر.
ان موضوعية الطرح تفرض الإشارة إلى أن هناك العديد من المسوغات الواضحة والمبررة تربوياً ومجتمعيا ، حيث تم وضعها لتطوير الثانوية العامة ، والتي قادت الى دراسات تعلقت بتطوير المنظومة التعليمة بشكل عام ، وفق رؤى ومعايير فنية وعلمية ، آخذةً في اعتبارها التطلعات والطموحات الوطنية والاتجاهات العالمية المعاصرة ، لكن - لسبب أو لآخر- لم يتم الأخذ بالكثير منها خاصة في السنوات الأخيرة ، ليس فقط بما هو متعلق بالثانوية العامة ، وإنما بالنسبة للنظام التعليمي بكافة أنواعه واشكاله ومراحله ، على أن تطوير خطط المرحلة الثانوية وإعادة تنظيمها بالمرحلة القادمة تعتبر إحدى المرتكزات الهامة لتطوير امتحان الثانوية العامة بحيث تستند إلى قاعدة معرفية مشتركة يجب ان تتفق مع خيارات الطلبة في دراستهم الجامعية ، وإن مسوغات تطوير امتحان الثانوية العامة تنطلق من الرؤية الملكية السامية لتطوير التعليم ، والتي تتضمن تأكيداً على تطوير التقويم بما فيها تطوير اليات امتحان الثانوية العامة ، اضافة الى المطالبة المجتمعية بضرورة تطوير النهج المتبع المتعلق بالثانوية العامة لمعالجة جوانب القصور في شكل الامتحان الحالي ، حيث ان من أبرز ملامح التطوير يجب ان يتضمن المحافظة على مصداقية الامتحان وعدالته وقدرته على التمييز والتصنيف وفرز الطلبة وفقاً لقدراتهم والجهد الذي بذلوه أثناء الدراسة ، وضمان تكافؤ أسئلة الامتحان من حيث السهولة والصعوبة في جميع الدورات الامتحانية والتقليل من عدد الأوراق الامتحانية بما يتوائم مع صلب كل تخصص ، كما ويمكن ودمج بعضها ، أو إعادة النظر في النهايات العظمى والصغرى للعلامات وأوزانها .
وفي ذلك ، فتجدر الاشارة ان هنالك رغبة أكيدة متوقدة لدى وزارة التربية والتعليم لتطوير امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة ، واجد ان معالي وزير التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي الدكتور "محمد خير" ابو قديس "متحمس جدا" للموضوع ، ذلك من أجل إنضاج وبلورة خريطة طريق متعلقة بتطوير الثانوية العامة ، حيث يرحب باستمرار بأية تصورات لإعادة صياغة منظومة الثانوية العامة وفروعها المختلفة بما يحقق تحسين الارتباط بين مسارات الطلبة في المرحلة الثانوية ودراستهم المستقبلية في مؤسسات التعليم العالي ، فالوزير " وزير وزارة "المخرجات" وزارة التربية والتعليم وفي نفس الوقت وزير وزارة "المدخلات" التعليم العالي ، وهو الحريص على ايجاد صيغ مشتركة في مدخلات ومخرجات أنظمتنا التعليمية ، ولنكون أيضاً عادلين في تقيمنا لأبنائنا الطلبة ، لاختيار نهجهم المستقبلي بعدالة ، وهذا يتطلب بالضرورة بحث أهمية ايجاد محطات تقييمية داعمة للطالب في مراحل مختلفة من حياته الدراسية ، اضافة لكيفية احتساب نتائج الثانوية العامة في قبول الطلبة في الجامعات ، وهذا يحتاج بالتأكيد الى تطوير خطط التعليم للسير نحو اقتصاد المعرفة ، اضافة الى ضرورة معالجة جوانب القصور التي ظهرت في امتحان الثانوية العامة على مدى السنوات الماضية ، وما رافق عقد هذا الامتحان من توتر وضغط نفسي ومجتمعي ، وما صاحبه من إشغال لأجهزة الدولة وتعطل الحياة نسبياً خلال هذه الفترة ، بالرغم من مزايا نظام الامتحان الحالي الإيجابية والذي يتم بطريقة علمية ووفق خطوات بناء الاختيار الجيد واعتماد أسس واضحة لتحقيق مصداقيته ، الا اننا ما زلنا نحتاج الى تطوير النهج المتبع .
اننا نحتاج ووفق نظرة الوزير الاستشرافية الى مواكبةً التطورات المتسارعة على المستوى العالمي بما فيها إصلاح أنظمة الثانوية العامة تماشياً مع التطورات المتعلقة بطبيعة المعارف والمهارات والمطالبات بالانخراط في سوق العمل ، حيث يكثر هذه الأيام النقاش والجدل حول عدة انظمة مقترحة ، ففي ظل هذا الوضع تتزايد التساؤلات من قبل العديد من الخبراء وأهل الاختصاص ، والمهتمين بقضايا التعليم وفى القلب من هذه التساؤلات ، ما يتعلق بنوعية مشروع تطوير الثانوية العامة ، مع ضرورة اشراك بيوت الخبرة وأهل الاختصاص وخاصة من التربويين المخضرمين ، ومن القائمين على العملية التعليمية ، والميدان التربوي ، إلى جانب المشاركة المجتمعية الفاعلة في هذا المجال ، ومن التساؤلات التي لها أهميتها ما يتعلق منها بمتطلبات آليات عمليات التطوير، ومنها ما تفرضه تكنولوجيا العصر المقترحة من عمليات التدريب وتوافر الامكانات البشرية والمادية، والبيئة المناسبة ، والتي يجب توفيرها في مختلف المناطق بالمملكة ، اضافة الى دراسة مقارنة بين امتحان الثانوية العامة والامتحانات الأجنبية التي تعقد في الأردن والتجارب الدولية في هذا المجال .
اننا وحين نطرح هذا الموضوع الذي يعنى بابنائنا الطلبة ويلامس تفكير كافة شرائح المجتمع الأردني لا بد ان نقف عند الكثير من التساؤلات ، والتي من أهمها ضرورة إنهاء ازدواجية الهوية لامتحان الثانوية العامة "امتحان نهاية مرحلة أم امتحان لعبور إلى مرحلة أخرى" ، كما وان امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة بشكلة الحالي وبكلّ مكوّناته ومفاصله مُلكاً حصرياً لوزارة التربية والتعليم وهو بحد ذاته محطة تقيمية نهائية واحدة يقتصر على قياس أداء الطلبة في صفٍّ واحدٍ بعينه، معتمداً في بنيته على قياس قدرة الطلبة على استظهار ما ورد في الكتاب المقرر ، دون إيلاء أيّ اهتمام أو تقدير للمعرفة التراكمية التي اكتسبوها على مدى مسيرتهم التعليمية ، علما ً أن قانون التربية والتعليم عرَف المرحلة الثانوية بصفي " الحادي عشر ، والثاني عشر " لكن امتحان الثانوية العامّة اقتصر على الصف الثاني عشر دون غيره ، وليبقى معدل الطالب العامّ ، كرقمٍ أصمّ يتوقف عليه مصير الطالب خلال مسيرته التعليمية وعلية يتوقف ايضاً مستقبلة ، حيث له الدور الحاسم في القبول بمؤسسات التعليم الجامعي والذي هو الشرط الحصري لالتحاقه بالتعليم العالي ، دون إعطاء أيّ وزن لأيٍّ من قدراته ، ومواهبه وملكاته ، ومهاراته والتي لا يقيسها الامتحان ودون أيّ دور لمؤسسات التعليم العالي والجامعات والتي لم تقم منذ عقود من الزمن بتطوير أسس القبول وسياساته في كلياتها ، على الرغم من حدوث تطوير مستمر في سياسات القبول الجامعي في معظم دول العالم؟ الا انها ابقت على معدل (امتحان الثانوية العامّة) كمعيارٍ حصري في قبول الطلبة ، اذ ليس من المنطق في شيء أن يكون أداء الطلبة في مواد الثقافة المشتركة على أهميتها، عواملَ حاسمةً في قبول الطلبة في كلية الهندسة، أو العلوم، أو تكنولوجيا المعلومات، أو الصيدلة، أو التمريض، أو طب الأسنان؟ لذلك فمن الضرورة بمكان ان يُعطى وزنٌ أكبر للرياضيات، والفيزياء في القبول للهندسة، والأحياء، والكيمياء في القبول للعلوم الصحية؟ واللغات والمواد الاجتماعية في الكليات الإنسانية والاجتماعية .
واخيراً ، اعذروني وان أطلت في الحديث عن هذا الموضوع ، لكن من الواجب ان نعي تماماً ان منهجية العمل تتطلب تشكيل لجان من الخبراء التربويين في الوزارة والمجتمع المحلي بما فيهم أولياء الأمور وأساتذة الجامعات والوزراء السابقين لإعداد أوراق عمل لتطوير الامتحان وتشكيل لجنة متخصصة لإعداد ورقة عمل عامة وإجرائية منبثقة من أوراق العمل التي أعدتها اللجان السابقة ومناقشتها ومن بعدها سيصار إلى الدعوة إلى مؤتمر وطني لهذه الغاية ، اضافة إلى مسوغات ومرتكزات تطوير امتحان الثانوية العامة والنظام الحالي ومزاياه وأهم المشكلات والتجارب العالمية في التطوير وتصنيف السياسات القبول في التعليم العالي في أنحاء مختلفة من العالم وخاصة بعض البدائل للتطوير والمقترح موضحة تفاصيل هذا المقترح ومزاياه كلا على حده.
بقي ان أقول اننا نأمل ان تصل وزارة التربية والتعليم الى حلول استراتيجية واقعية متطورة لامتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة والتي تفرضها الضرورات الحتمية ، سيرا بخطوات جادة نحو الأفكار التربوية التنويرية العميقة التي تلبي الطموحات المأمولة ، بعيدا عن كل الارهاصات التي نعيشها كل عام ، ونتحمل جميعا تبعاتها ، فثقتنا بوزارة التربية والتعليم ثقة عالية ، لان العمل الجاد الذي يولد من رحم التخطيط السليم ، هو الذي يبعث الاشراق الذي نثق انه ينطبع في وجدان الجميع .
داعين الله عز وجل ان يوفقنا ويوفق وزارتنا العتيدة لما فيه الخير لطلبتنا الاعزاء ، ووطننا الغالي في ظل الراية الهاشمية الخفاقة .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-08-2021 02:51 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |