02-08-2021 12:28 PM
بقلم : المهندس عادل بصبوص
نشر د. رحيل غرايبه الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني "زمزم" صباح اليوم مقالاً بعنوان "الأردن هبة الله ... لا تشرشل ولا سايكس بيكو"، وقد تحدث فيها مطولاً عن عن عراقة الأردن وطناً وشعباً وأنه امتداد لإرث حضاري راسخ متصل وعميق بدءاً من الأنباط والأراميين والمؤابيين والعمونيين والرومان مروراً بالفتوحات الإسلامية الراشدية والاموية والعباسية وإنتهاءاً بالأيوبيين والمماليك والأتراك العثمانيين، وأسهب في الحديث عن القبائل والعشائر التي سكنت هذه البلاد والتي كان لها إساهمات حضارية خلدها التاريخ، وإننا إذ نتفق مع الدكتور غرايبه في ذلك، لتغمرنا الدهشة والإستغراب من المحتوى والإشارات التي حملها عنوان المقال، وذلك في ضوء تاريخ الرجل والذي كان حتى عهد قريب واحداً من أبرز قياديي حركة جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي، وانطلاقاً من أن الإختلاف في الأراء لا يفسد للود قضية سنحاول في هذه العجالة أن نناقش المضمون الذي أشار إليه عنوان المقال، مع التأكيد على احترامنا الشديد للدكتور غرايبه فهو قامة، شئنا أم أبينا، لها تاريخها واسهاماتها التي لا ينكرها إلا مغرض أو جاحد.
نتفق تماماً مع د. غرايبه إن الأردن هو هبة الله ، تماماً كما هي سوريا هبة الله ومصر أيضاً هبة الله وحتى بوركينا فاسو وموزمبيق وكل دول العالم صغيرها وكبيرها هي هبة من الخالق عزوجل، أما الإشارة ضمن هذا السياق إلى رموز وشخصيات من دول الاستعمار القديم وخاصة الانجليزي مارك سايكس والفرنسي فرانسوا جورج بيكو، فهي مغالطة تاريخية كبرى تبرىء الدول الاستعمارية الكبرى في ذلك الوقت وخاصة بريطانيا وفرنسا من جريمة التآمر على الامة العربية وتقسيمها وشرذمتها إلى دول وممالك صغيرة لأهداف استعمارية معروفة، فما يقوله الكاتب يعني أن ما قام به سايكس وبيكو فيما يتعلق بالأردن ليس أكثر من رسم لحدود على الورق هي موجودة أصلاً على الأرض والواقع منذ آلاف السنين، وبالتالي فهما لم يسلخا الأردن أرضاً وشعباً عن محيطه العربي الإسلامي، ولو لم يقوما بذلك في حينه لقمنا به نحن أو أجدادنا او حتى أحفادنا .....، وعليه فعملهما ذاك لا يستحق الرفض او الإدانة أو التنديد، وإنما الإشادة والتكريم .... هذا ما فهمته أنا وهذا ما تشير إليه كلمات الدكتور غرايبه ....
لقد أدت الخطوط التي رسمها سايكس وبيكو إلى تقسيم وفصل عشائر وعائلات تربطها وشائج الدم وصلات القربى كما هو الحال في الرمثا الأردنية ودرعا السورية، وفي العديد من المدن والقرى شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً على جانبي الحدود التي اصبحت واقعاً نذود عنه بالمهج والأرواح، لم تقم اتفاقية سايكس بيكو برسم حدود الأردن احتراماً لخصوصية أرضه وشعبه، وإنما تحقيقاً لأهداف لا تخفى على الجميع وخاصة د. غرايبه ...
إن القبول بالدولة القطرية كأمر واقع يصعب تغييره حالياً شيء، والترويج لواقع التجزئة والتمزق على أنه الامر الطبيعي والحتمية التاريخية، حتى وإن تحقق ذلك على أيدي الخصوم والاعداء شيء آخر تماماً، وهو أمر مستغرب من شخص لا بل من مفكر كان حتى سنوات معدودة يحمل فكراً ينادي بوحدة الأمة الإسلامية – وليست العربية فقط -، ونتساءل هنا هل ما ذكره الكاتب يعكس فكر ورؤية الحزب السياسي الذي يقوده، وهل لتوقيت نشر المقال علاقة باللحظة الفارقة التي نعيشها حالياً والتي تشهد جدلاً جزء كبير منه يتعلق بالأحزاب السياسية ودورها المستقبلي في عملية الإصلاح السياسي ......؟؟؟!!!!
ان رفضنا لواقع التجزئة والتمزق الذي تعيشه البلدان العربية، لا يتعارض بحال مع حبنا الشديد للأردن الوطن والشعب، ودفاعنا المستميت عن حدوده وترابه الغالي، بانتظار اليوم الذي تعود فيه للأمة بأكملها عزتها ووحدتها وكرامتها.