07-08-2021 04:06 PM
بقلم : المحامي علاء مصلح الكايد
يتصدّر سؤال في المجالس وعبر المنصّات حول القائمة الحزبيّة المنتظرة، مع الكثير من النّقد لهذه التوجّه إذ يرى السواد الأعظم أنها لن تأتي بجديد قياساً على الواقع الحزبيّ والسّياسيّ الذي نعيش.
وكعضو في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وفي اللجنة الفرعية للأحزاب على وجه الخصوص، أتعرض وزملائي جميعاً من دولة رئيس اللجنة وأعضائها بلا إستثناء لهذا السؤال بصورة دورية مستمرة، أية أحزاب هي التي تسعَون لمنحها مقاعد في البرلمان؟ وما الغاية من ذلك ؟ وما الفارق بين منح المقاعد للأحزاب أو تركها للفرادى؟ وما وجه الإختلاف بين قوائم أحزاب وتلك الوطنية كما في إنتخابات ٢٠١٣؟
والجواب الاوحد هو " البرنامج ".
فالبرنامج هو خارطة الطريق، وهو أساس منح الصوت وكذلك أساس المحاسبة والمسائلة الشعبية، هو نقطة الإنطلاق نحو التغيير وذراع الرقابة الحقيقية وضمانتها.
وهنا تتوالى بطبيعة الحال أسئلة منطقية، أين هي الأحزاب البرامجية؟ وهل حقاً لدينا من الأحزاب ما يمكنه أن يشكل أغلبية برلمانية؟ وهل نجحت التجربة الحزبية في الأردن منذ صدور الميثاق الوطني حتى يومنا هذا؟
الحقيقة الواضحة أننا لا نملك حزباً برامجيّاً، فإمتلاك الحزب لبرنامج مكتوب ليست هي الحكاية! بل الأصل في هذا البرنامج أن يتضمن الحلول للمشكلات والتحديات الوطنية، مع طرح البدائل العملية الواقعية القابلة للتطبيق بعيداً عن الإنشاء، وفي هذا المقام أقول ؛ حتى حزب جبهة العمل الإسلامي - الموصوف بالحزب الأكبر - لم يترجم برنامجه عبر أدائه النيابيّ وبقي ممثلوه يتصدّون للحكومات وما يصدر عنها بالقطعة دون طرح رؤى شاملة تمثلها خارطة طريق تشبه ما لدى حكومات الظلّ في الخارج، ممّا يؤكد أن مفهوم معارضة الحكومات لدينا ما زال بعيداً عن الفاعلية السياسية المرجوّة ذات الأثر والإنتاجية.
وبالعودة لواقع الأحزاب، نجد أنها تراخت في اللحاق بموجة الحداثة محافظة على طابعها الأيديولوجي والذي لم يعُد جاذباً للجماهير، فالعقائدية تلاشت عموماً عبر العالم لتنتهي في مصير من ثلاث:
منها ما إنتهى في مهده كالشيوعية، ومنها ما إنتهى بعد إختباره بدورة حياة قصيرة كالإسلام السياسيّ، ومنها ما إرتبط مصيره برمز لم يكن له من بديل كالقومية وهنا نتوقف قليلاً.
فالمتتبّع لأحزابنا الوطنية يلحظ أن الغالبية الساحقة من الأحزاب لا تتداول السلطة في داخلها، فالأمين العامّ - إلّا من رحم ربّي - يحتل مكانه مدى الحياة ممّا ساهم في تنفير العامّة من التحزُّب، إذ أشاع ذلك صورة متناقضة لما تطالب به الأحزاب الدولة ولا تلتزم هي فيه، وعُرِفَ الحزب بالفرد بدلاً من أن يُعرَفَ الفرد من الجماعة.
وبين شكاية الأحزاب من التضييق عليها، وشكاية الشعب في عدم قناعتهم ببرامجيّتها تكمن المشكلة ويكون الحل.
فعلى صعيد تحفيز الأداء، نالت الأحزاب المرخصة منذ العام ( ٢٠٠٨ ) وحتى تاريخه ما يتجاوز نصف المليون دينار لكل حزب بواقع خمسين ألف دينار سنويّاً، وعملت الدولة على تشجيع الإنخراط في الأحزاب عبر توزير عدد من الحزبيّين وتعيينهم في مواقع المسؤولية، لكن ذلك كلّه لم يجدي نفعاً.
فبرغم أن الأحزاب مرخصة ويحق لمنتسبيها الترشح وعملية الإقتراع سرّيّة إلّا أن النتائج صادمة للغاية، وهنا نعود لذات العقدة والحلّ " البرنامج ".
فالرّؤية الملكيّة التي سبق لجلالة الملك وأن عبّر عنها ودفع نحوها مراراً وتكراراً هي وجود عدد معقول من الأحزاب القوية القادرة على إستقطاب المواطنين وإقناعهم بضرورة دعمها تصويتيّاً.
وفي الوقت الذي نطالب فيه بالخروج من دائرة الصوت المناطقيّ وإيجاد أعضاء تجمعهم رؤى مشتركة يشكلون من خلالها الكُتل البرلمانية الصّلبة ويبنون أغلبية برلمانية تهيمن على الحكومات وأقلّية فاعلة تراقبها، تكون حاجتنا في إستثمار الفرصة التاريخية لبناء أحزاب وطنية مؤهلة ذات برامج تحاكي حاجات الشعب بعيداً عن العقائدية التي لم يعد لها مكان في زماننا، أحزاب تجيد ممارسة الديموقراطية لتتداول السلطة في داخلها فتشكّل النموذج الذي يرغبه الجمهور ويقتنع به، يشعر بأن صوته مسموع فيها وأن له الفرصة للولوج إلى ما يصبو إليه من التأثير في مسيرة الوطن، على أسس الشفافية والمساواة وتصعيد الكفاءات.
إمّا ذلك أو أن نبقى أسرى للواقع الذي لم يعُد يرضي أحداً منّا.