12-08-2021 10:32 AM
بقلم : المهندس عادل بصبوص
شعورٌ بالتأثر والحزن انتابني وأنا أتصفح عدد اليوم من جريدة "الرأي"، عشرون صفحة فقط نصفها إعلانات معظمها لجهات حكومية أو شبه حكومية، هي كل ما تضمنه العدد، ما الذي جرى لصحيفة الأردن الأولى والتي كانت قبل سنوات خلت ملء السمع والبصر حاضرة في كل مكان، معلم بارز من معالم الوطن، كالبتراء ومهرجان جرش والجامع الحسيني، لا تستطيع أن تغطي كامل صفحاتها والتي كثيراً ما تجاوزت المائة صفحة في جلسة واحدة، وها هي اليوم تقلص عدد صفحاتها، وتُسَرِحُ موظفيها وتتواري من الدائنيين الذين يلاحقونها في ردهات المحاكم ويحجزون على مبانيها ومعداتها، أقول لقد تأثرت وحزنت فالرأي بالنسبة لي حبل متصل يربطني بأيام جميلة خلت، ورفيقة مخلصة لم تفارقني منذ سنوات طوال، فقد عاصرت مولدها أوائل السبعينات من القرن الماضي في فترة بالغة الحساسية من عمر الوطن، كنت وقتها في أوائل المرحلة الإعدادية، وشيئاً فشيئاً جذبتني الصحيفة الجديدة، وتوطدت العلاقة بيننا حتى غدوت في المرحلة الثانوية مواظباً على متابعتها واقتناءها اعمل جهدي على توفير ثمنها البالغ عشرين فلساً حتى لا يفوتني عدد منها.
جاءت انطلاقة "الرأي" في وقت كانت صحف عربية عملاقة تتصدر المشهد الصحفي كالأهرام القاهرية والأنوار والنهار اللبنانيتان، ومحلياً كانت هناك الدستور والدفاع وعمان المساء ... وغيرها، بيد أن ازدحام السوق وصعوبة المنافسة لم يمنعا الصحيفة الناشئة من حجز مكان ملائم لها بين القراء، بحيث غدت وخلال بضع سنين الصحيفة الأولى في الأردن ومن الصحف التي يشار إلبها بالبنان عربياً، استقطبت غالبية قراء الصحف ومتابعيها وقبل ذلك استقطبت خيرة الكُتّاب والصحفيين، فحققت معدلات انتشار واسعة جعلتها قبلة المعلنين من أصحاب الأعمال والتجار والباحثين عن العمل، حتى إعلانات النعي لم تكن لتصل إلى فئاتها المستهدفة ما لم تنشر في جريدة الرأي ....
بدأت قصة ولادة "الرأي" عندما قرر سليم الشريف بعد حرب عام 1967 نقل صحيفة الجھاد التي كان يملكها وكانت تصدر في القدس إلى مدينة عمان، حيث قام بشراء قطعة أرض وإنشاء مبنى عليها، ثم قام بنقلَ معدات وماكينات الطباعة واستكمل كافة التجهيزات اللازمة على مدى عامين اثنين تمهيداً للمباشرة بالعمل، إلا أن ذلك لم يحصل بسبب وفاته بحادث نتيجة الفوضى الأمنية التي كانت سائدة في البلاد في ذلك الوقت، مما أدى إلى توقف المشروعً، فقام رئيس الوزراء في حينه الشهيد وصفي التل الذي كان متابعاً لخطوات المشروع منذ البداية بإصدار الصحيفة تحت اسم "الرأي" لتقوم بحمل رسالة الأردن السیاسیة ونشرها محلياً وعربياً، بعد أن قام بتسديد كافة الإلتزامات المالية التي ترتبت على ذلك، والتعاقد مع خيرة الكوادر الفنية والصحفية اللازمة.
لقد بدأت الرأي مشروعاً حكومياً خالصاً ثم أضحت في مرحلة لاحقة مملوكة بالكامل للقطاع الخاص بقيادة القمم الثلاثة محمود الكايد وجمعه حماد ورجا العيسى، ولتبلغ ذرى النجاح كصحيفة تحمل هم الوطن ورسالته، وتختزن بين أسطرها وفي صفحاتها ذاكرة الأردن وأرشيفه، وكمشروع تجاري مربح ينمو ويتوسع كل يوم، جذب أنظار المهتمين والمستثمرين، وعلى رأسهم المؤسسة العامة للضمان الإجتماعي، التي سارعت إلى الإستحواذ على أكثر من نصف أسهم الصحيفة التي غدت شركة مساهمة عامة، ولتبدأ من ذلك الحين مرحلة جديدة من مراحل حياة هذه الصحيفة.
لقد ولدت "الرأي" وكبرت وترعرت كصحيفة وطن، ولعل هذا واحد من أهم العوامل التي أدت إلى نجاحها واستمرارها، إلا أن "هيمنة" الضمان الاجتماعي عليها قد نتج عنه إعادة تموضع تدريجي لتصبح الصحيفة واحدة من وسائل إعلام الحكومة، ليس هذا فقط، فقد انعكست طبيعة "المالك" الجديد كمؤسسة حكومية، بشكل أو بآخر ، على أسلوب إدارة الصحيفة كمشروع استثماري تجاري، ولهذا تبعات ومفاعيل يعلمها الجميع.
تقتضي الموضوعية عدم تحميل سيطرة الحكومة على الصحيفة كامل مسؤولية التدهور والتراجع الذي حصل، فهناك عوامل رئيسية أخرى أهمها انتشار "الرقمنة" التي أدت إلى تراجع الصحافة الورقية في كل مكان، والتي فرضت على إدارات الصحف أن تتكيف مع هذه المتغيرات من خلال مقاربات وحلول غير تقليدية، ومن خلال مخرجات جديدة تجذب القراء والمعلنين على حد سواء.
إن القيام المتكرر بتغيير الإدارات الذي لجأت إليه الحكومة قد لا يكون فيه الخلاص من مشاكل الصحيفة وأزماتها، مع احترامنا الشديد لزميلنا القديم في وزارة التخطيط والتعاون الدولي، معالي د. ماهر مدادحة الذي تولى رئاسة مجلس ادارتها مؤخراً، وهو خبير مالي وإداري متميز. فالمصاعب والأزمات قد استفحلت وهي بذلك تتطلب حلولاً من نوع آخر تماماً، لعل أحدها العودة بالصحيفة إلى القطاع الخاص مجدداً.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
12-08-2021 10:32 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |