12-08-2021 01:52 PM
بقلم : المستشار القانوني رايق عياد المجالي
التشريع ليس قصيدة في سامر أو هجيني "ويجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره "..؟؟؟!!!! :
في ظل الإنكباب في هذه المرحلة داخل الدولة الأردنية على سن وتعديل معظم التشريعات كإستحقاق ضروري لتسريع وتيرة الإصلاح في عدة جوانب سواء من المجلس التشريعي أو اللجنة الملكية المكلفة بتطوير بعض التشريعات ننبه لما يلي:
(أهمية الصياغة للتشريعات )
..صياغة التشريعات تعني "تهيئة القواعد القانونية وبناؤها على هيئة مخصوصة وفقا لقواعد مضبوطة تلبية لحاجة التنظيم في سلوك الأفراد والجماعات والهيئات على نحو ملزم " مما يؤكد على أهمية الصياغة القانونية السليمة والمحترفة ويجعلها أداة مهمة وأساسية لبعث الحياة في التشريع وجعله متصلا بحقيقة الشأن الذي سن من أجله ويسيرا على الفهم والتفسير وبالتالي يسيرا على التطبيق الصائب الذي يحقق أغراض التشريع .
وليكون التشريع صالحا وصائبا ومنتجا يقتضي أن يؤمن ويقتنع واضعوا التشريع أن صياغة التشريعات (فن ) يجب أن لا يتصدى له من لا تجربة وقدرة عالية لديه على الصياغة القانونية السليمة المحترفة التي تستند إلى قدر كبير من العلم والمعرفة في علم القانون وأصوله وأن يكون أيضا مدركا لظروف الزمان والمكان والبيئة التي تنشأ فيها القواعد القانونية ,وعندما تكون الحاجة لتعديل التشريع يجب أن يكون أيضا مدركا للظروف وللبيئة التي نشأت فيها القواعد القانونية السابقة ليكون قادرا على وضع الحلول وترجمتها بما لا لبس فيه على شكل قاعدة قانونية من صفاتها العموم والتجريد والإلزام .
والكفاءات المطلوبة لهذه المهمة (صياغة التشريع) هي التي تكون متحصلة من تأهيل علمي في تخصص القانون وإحتراف مهني وعملي قائم على تجربة طويلة ومعرفة واعية بفقه التشريع وأصوله ومصادر التشريع والثقافة القانونية ااالسائدة في بيئة الزمان والمكان وكذلك معرفة جيدة بالفقه المقارن وأيضا قدرة عالية على التحليل والكتابة , فتوفر هذه المؤهلات لمن يتصدى لصياغة التشريع لها كبير الأثر في جودة التشريع وقدرته على تلبية وتحقيق الأغراض من سنه وهو ما يجعل القاعدة القانونية المصاغة بسبك قانوني لغوي جيد تؤدي وظيفتها والأهم من ذلك فالصياغة المحترفة هي ما يجعل التشريعات أكثر إستقرارا فلا تحتاج إلى مراجعات وتعديلات متكررة .
إن موضوع الصياغة في موضوع (التشريع وسن القوانين ) قد يبدو للبعض أمرا شكليا لكنه لمن لديهم العلم الكافي في مجال القانون أمر غاية في الأهمية لما ذكر أعلاه من أسباب وكذلك لما له من أثر على ترسيخ مبدأ (إستقرار المعاملات ) الذي هو غاية ومصلحة عليا لأي دولة ولأي مشرع وتشريع , فبإهتزاز البنيةالتشريعية في الدولة كلما تغير الظرف وتوهان من يطبقون القانون بتغير الزمان والمكان وتغير البيئة كل ذلك مرده لغموض التشريعات وركاكة صياغتها وكثرة المراجعات والتعديلات والترقيعات التي تزيد الغامض غموضا والركيك ركاكة وتعقد الفهم والتفسيروالتطبيق , وهذا ما يؤدي إلى ضرب مبدأ إستقرار المعاملات في الصميم مما يعني إهتزاز الدولة ومجتمعها وتزايد ظهور المشاكل والظواهر الغريبة التي تثقل كاهل السلطات العامة من جهة وتخلق صدعا وشرخا خطيرا بين عناصر الدولة , فتنشأ بين الشعب وسلطاته جدران صماء تسمى تشريعات وتسقط كل الجسور التي تربط تلك السلطات مع فئات الشعب أفرادا وجماعات وهيئات .
قد يقول قائل :" إن المجلس التشريعي لديه لجنة قانونية تطالع التشريعات قبل مناقشتها من النواب وقبل ذلك فمشاريع القوانين تعد من قبل الحكومة بأداتها ديوان التشريع والرأي " ولهذا القائل أقول : إن مجرد الحصول على مؤهل علمي بتخصص القانون والتواجد في وظيفة في مجال القانون أو إكتساب صفة من لهم صلاحية إقرار التشريع ليست هي المؤهلات المطلوبة لتكون لدينا صياغة محترفة لأن الصياغة كما قلنا (فن ) يستند إلى علم وخبرة في أصول التشريع وكذلك في التحليل والكتابة مع إمتلاك قوة اللغة على العموم وكذلك اللغة القانونية على الخصوص , وهذه لا تتوفر بكل من حمل مؤهلا في مجال القانون أو إمتهن العمل في مجال من مجالاته أو كانت له صفة المشرع كنائب فالنائب ليست من شروط ترشحه ونجاحه أن يحمل مؤهلامعينا أو أن تكون لديه خبرة في أي مجال وهو يملك صلاحية إقرار التشريع بالتصويت وهذا يستند عنده على قناعاته الشخصية وما يمتلك من قدرات وملكات وخبرات , وقد أقرت قوانين وسنت تشريعات بأعداد لا تحصى على مر عقود سابقة هي ما خلق الحالة التي وصلنا إليها وأقل تشريع من هذه التي جاءت وعدلت بكثافة شديدة قد تمت عليه تعديلات تتساوى مع نصف أو ربع عدد مواد ذلك التشريع حتى أصبح لدينا قوانين من حيث الشكل والمضمون مليئةبالرقع اللفظية أحيانا وبالثقوب والعيوب والثغرات التي ينفذ منها الجمل بما حمل .
وهنا أيضا تجدر الإشارة إلى أن هذا الخلل والأثر المترتب على ضعف ورداءة الصياغة القانونية ينطبق ليس فقط على التشريع على شكل قانون أو نظام فقط بل على درجات أدنى وهي التعليمات التي تصدر عن الوزارات والهيئات إما لتنفيذ القوانين والأنظمة وإما لتنظيم أمر داخلي في أي مؤسسة والأهم هو القرار التنظيمي أو الفردي التي تصدر من الهيئات أو الإدارات العليا للمؤسسات فهي آخر درجة من التشريع والتي تنفذ التشريعات الأعلى فإذا كانت التشريعات غير مفهومة وركيكة الصياغة وعصية على الفهم وغير منضبطة فبالقطع ستكون قرارات الإدارات التي تنفذ التشريعات أسوأ بل كارثية في حال الإستناد إلى تلك التشريعات التي جاءت إنشائية ركيكة وضعيفة من حيث الصياغة وتترتب كل الآثار التي ذكرت في المقال بل إن ضعف القرارات الإدارية في الصياغة هو المعول في النهاية لهدم القطاع العام لما يكون فيها من غموض وتعقيد وصعوبة في الفهم والتطبق وفق إجتهادات متعددة حسب فهم الموظف أو من ينفذون تلك القرارات فتصبح مطاطة أحيانا وأحيانا أخرى جامدة جدا ,هذا بالإضافة إلى خطورة ضعف القرار الإداري من حيث الصياغة لأنه عرضة للطعن والفسخ أمام القضاء الإداري من حيث الشكل كما هو من حيث الموضوع وخصوصا عندما تصاغ القرارات الإدارية دون معرفة مصدريها وإلمامهم أيضا بكافة التشريعات لأنه ربما يخالف القارار تشريعا نافذا وهم لا يعلمون ناهيك عن وجود خلل في الإجرءات مما يرتب وجود طعون صحيحة تقبل وتؤدي لفسخ القرار الذي يرتب تكبيد الإدارات العامة أموالا من ميزانياتها ومن الخزينة العامة عند خسارة الدعوى وعلى أكثر من وجه ..!
وفي النهاية إن عدم وضع اليد على هذا الخلل وإصلاحه يجعل كل حديث عن الإصلاح الإداري والتشريعي مجرد كلام سيذهب أدراج الرياح دون أثر يذكر .
والله والوطن من وراء القصد .
المستشار القانوني : رايق عياد المجالي .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
12-08-2021 01:52 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |