20-08-2021 04:46 PM
سرايا - ستعمل رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، إصبعيه رمزياً، للدلالة على تلك الإشارة التي توضع في ميادين الرماية على شكل صليب مائل، وهو يستعيد ذكريات مرحلة صعبة لعلاقات الأردن مع الولايات المتحدة، والتي وصلت خشونتها إلى الذروة عام 2018 في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب.
تقاطع إصبعا رئيس الوزراء وهو يقول في مقابلة مع “الاندبندنت العربية”، “للأسف، كنا هدفاً للطاقم العامل مع الرئيس ترمب في تلك المرحلة”.
السبب بطبيعة الحال هو مواقف جلالة الملك عبد الله الثاني التي “عاكست اتجاهات طاقم ترمب وحكومة بنيامين نتنياهو، في محاولة يصفها الأردن الرسمي بـ”الجاهلة” لفرض “اتفاقات إبراهيم”، والتي يعتبرها الخصاونة، أنها “انتهت، ولم تعد على الطاولة على الأقل بالصيغة التي كانت تقترحها أو تقترفها أطقم ترمب”.
مواجهة صعبة ومعقدة
يصف الخصاونة تلك المواجهة السياسية الخلفية مع طاقم ترمب وصهره، جاريد كوشنر، بأنها كانت صعبة ومعقدة، لا بل استُهدفت بلاده من قبل ذلك الطاقم تحديداً، سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً، حتى وصل الأمر إلى محاولات لعزل الأردن، بل تحوله إلى هدف وفقاً لإشارة الخصاونة التي تعني الكثير.
وفي شرح التفاصيل، يمكن القول إن الخصاونة يفسرها بانتظام وبشكل واضح ودون الغرق في الجزئيات.
وقال، “في ذلك الوقت حُوصر الأردن اقتصادياً ومالياً بالتأكيد، ولمست حكومته ذلك من خلال تضرر بعض علاقاتها مع دول عدة في بعض الأحيان، وكانت تعتقد طوال الوقت أن إدارة ترمب باقية وتتمدد، وستعود إلى الواجهة في الانتخابات الرئاسية”.
ويحرص الخصاونة هنا على عدم توجيه اللوم إلى “أي شقيق أو صديق أو حليف”، فالمصالح هي الأساس لجميع الدول، لكن التقدير الأردني اختلف نسبياً عن غيره عندما تعلق الأمر ببناء استراتيجيات سياسية على أساس بقاء أو عودة ترمب.
“كانت مرحلة صعبة واختباراً قاسياً”، يضيف الخصاونة، مشيراً إلى أن “عناصر الخلاف والتجاذب أردنياً كانت فقط مع طاقم ترمب، وليس مع مؤسسات الدولة الأميركية التي تعرف الأردن جيداً وتقدّر خبرته العميقة في ملفات المنطقة”، وليس سراً أن بلاده في تلك المرحلة “صبرت على الأذى”، ولجأت أحياناً إلى تمرير الوقت واحتواء الضغط.
وفي استرجاع للذاكرة، عرض المستشارون التابعون لترمب على الأردن قرارات مكتوبة تضمن الوصاية الهاشمية على القدس، ويبدو أن مَن فكّر بذلك من الأميركيين لم يكن مدركاً لكيفية فهم العقل الأردني للمسألة، فالوصاية الهاشمية ببعدها التاريخي لا تحتاج إلى أوراق، وهي أهم بكثير من أي مذكرات أو ضمانات مكتوبة، ومسألة القدس بالنسبة للقيادة والشعب في الأردن مسألة مبدأ غير خاضع لأي تسييس، بالتالي فإن “الإغراء” المشار إليه لا يبدو مقنعاً، ولا مفيداً، بالنسبة لعقل المؤسسة الأردنية بقدر ما لاحظت المؤسسة في ذلك الوقت بأن صفة الاستعجال والتسرع ترافق طاقم ترمب، وبأن الجهل الحقيقي الملموس في قضايا المنطقة ومواقف الأردن الثابتة كان محفزاً لاجتهادات خاطئة لا يمكنها بحال من الأحوال أن تشكل رافعة لصناعة أو إدامة أي سلام حقيقي، أو حتى أي استقرار في المنطقة برمتها، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بحقوق الشعب الفلسطيني الأساسية، والتي لا يزايد الأردن فيها، ولا يخضعها لأي نقاش، أو حتى عروض دبلوماسية، أو سياسية.
من جهة أخرى، يعتبر الخصاونة أن مرحلة “اتفاقات إبراهيم” طوتها “المؤسسة الأردنية، والتي يصعب تجاوزها أو تجاهلها عندما يتعلق الأمر بقضية الشعب الأردني المركزية، وهي القضية الفلسطينية بلا منازع، ناهيك بأنها قضية الأمة”.
ويعرج الخصاونة هنا على ما يسميه حقيقة ووجدان “الضمير الأردني”، ويعتبر أن ترمب وطاقمه تورطا في القراءة خارج السياق عندما حاول ترمب فرض وقائع لخدمة أجندة يمينية إسرائيلية متطرفة كان على رأسها نتنياهو الذي يناصب الأردن ومصالحه وشعبه وقيادته العداء علناً في المرحلة التي حكم فيها الأمور، وبنفس المقدار الذي يعادي فيه شعبنا الفلسطيني وحقوقه. منسوب عداء نتنياهو للأردن وصل إلى حد تحريضه على المملكة، أخيراً، بعد قيام الحكومة الأردنية بشراء كمية مياه من الجانب الإسرائيلي، عبر الإيحاء بأن الأمر يخدم إيران، وبحسب الخصاونة، “على الجميع تخيل هذا التشدد والعداء”.
في التفصيل، يلفت الخصاونة نظر القارئ والمتابع إلى أن “نصف الشعب الأردني تقريباً فلسطيني التكوين، وأكبر كتلة من اللاجئين الفلسطينيين في عمق التكوين الاجتماعي الأردني، وأبناؤها لهم حقوق ترعاها واجبات الدولة الأردنية. أما النصف الثاني فهو مصاهر للأول واختلط الدم في عروقه، إذ إن لأبناء شرق الأردن تاريخاً من الصراع مع إسرائيل، ولديهم شهداء ودماء على أسوار القدس وفي ثرى فلسطين والضفة الغربية”. وأضاف، “بالتالي، ليس من الحكمة تجاهل مثل هذه المعطيات في عمق الشعب الأردني الذي لا يزايد عليه أحد، ولا على مؤسساته وقيادته في السهر والنضال من أجل حقوق الشعب الفلسطيني المؤكدة وهوية القدس الشرقية العربية الإسلامية هي المحور الأساسي هنا”.
وهذه حقائق برأي الخصاونة “من المجازفة والجهل إنكارها”.
القدس أكبر خطوطنا الحمراء
أما نقطة الخلاف التي تفجّرت مع ما يُسمى مشروع “اتفاقات إبراهيم”، فقد ظهرت عندما تعلق الأمر بملف القدس، حيث “لا يعرف الطرف الآخر هنا أن الأردني لا يتحدث بلهجتين في مسألة القدس، وأن هوية القدس والوصاية الهاشمية علها بوصلة لا تبحث أصلاً عن شرعيات سياسية من أي صنف، وفي أي وقت، فالقدس كانت، ولا تزال، وستبقى أكبر الخطوط الحمراء الأردنية، وعلى الجميع أن يعرف ذلك، وجلالة الملك أوضح لنا جميعاً في الخارج والداخل، وهو يقول ذلك إيماناً، وليس احتساباً”.
قال: “منعت إدارة ترمب الأردن من الاستمرار في التصدير إلى سوريا، لا سيما تصدير الكهرباء، وحاربت الاستثمارات في الأردن، واستخدمت العزل الاقتصادي لإزعاج عمان” رداً على الموقف الأردني في الملف الفلسطيني وفي ملف القدس.
لذلك، فإن تلك المواجهة مع إدارة ترمب كانت صعبة بتقدير الخصاونة الذي أوفده القصر الملكي لمحاورة ذلك الطاقم مباشرةً.
يؤمن الأردن، حسب الخصاونة، بأن أي ترتيبات سلام لها علاقة بالأرض الفلسطينية المحتلة ينبغي أن تفهم مسبقاً أن المطلوب عملية سلام يقبلها الشعب الفلسطيني وأجياله، بمعنى أن تكون قابلة للصمود، والحد الأدنى هو قرارات الشرعية الدولية وما اتُفق عليه في الإطار الدولي من نسبة تحكم بما لا يقل عن 22 في المئة من الأرض المحتلة، حيث “لا فائدة من أي ترتيبات لا تنتهي بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة قابلة للحياة، وعاصمتها القدس الشرقية من دون منازع، ودون ذلك تبقى مجرد بهلوانيات بالنسبة لليمين الإسرائيلي، أو غيره”.
ويتفهّم الخصاونة أن ما يسميه “نسبة إدارة المخاطر” بالنسبة إلى دول عربية في المسألة الفلسطينية، تختلف من دولة إلى أخرى، فتقدير الشعب الأردني هنا ودول الطوق، التي تستضيف ديموغرافياً قسماً كبيراً من اللاجئين الفلسطينيين، “يختلف بالطبيعة والضرورة عن تقدير شعوب ودول أخرى أبعد عن الجوار الفلسطيني.”
بالنسبة إلى الخصاونة، ومن باب التحليل الشخصي، وليس الرسمي، فإن الأردن ولبنان بحكم “الجغرافيا والديموغرافيا” تأثرا أكثر من باقي الدول العربية مضيفا:” الشعب الفلسطيني في الجوار والشتات موجود في مصر والعراق وسوريا ولبنان، لكن ثقله الديموغرافي في الأردن، ويُفهم من ذلك عملياً أن القضية الفلسطينية برمتها تمتلك من التأثير في قرار دولة عربية شقيقة سياسياً بحجم ما تمثله في واقعها الاجتماعي”.
“وهنا، حصلت تحولات من الصعب تجاهلها أيضاً، فمَن وُلِد من الفلسطينيين في دول الخليج قبل عقود، اندمج في هوية المجتمع الخليجي، وهو وضع يؤخذ بالاعتبار عند الدراسة والتحليل، كما تؤخذ العناصر الديموغرافية والجغرافية، بالتالي لا تتعلق المسألة بمزايدات في المواقف السياسية بقدر ما تتعلق بوقائع على الأرض وشبكة مصالح قد تؤدي إلى ظهور بعض التباينات وإلى وجود القضية الفلسطينية أحياناً، وعلى الأقل في هوامش التكتيك، وليس الاستراتيجية بنظام أولويات متباين، لكن الجميع مع الحق الشرعي ومع الشعب الفلسطيني، ونفترض أن الحقوق الأساسية لشعبنا الفلسطيني بالنسبة لجميع الدول الشقيقة خارج حسابات أو نطاقات الاختلاف والتباين”.
ويشرح الخصاونة أن “الأردن لديه المرونة الكافية لفهم وتفهّم مصالح الدول الأخرى، ما يعني ضمناً أن على الدول الصديقة والشقيقة أو الجارة في الإقليم والمنطقة والعالم، أن تتفهّم بدورها مصالح الأردن الحيوية، ومع حصول خلافات لا تفسد الود يمكن القول بإمكانية التوافق على الملامح المفصلية والأساسية التي لا نُخضعها نحن كأردنيين للنقاش، وعلى رأسها هوية القدس ووصايتنا وحقوق الشعب الفلسطيني”.
جولة في العقل السياسي الأردني
التحاور مع بشر الخصاونة وفي جلسة مريحة في منزله في العاصمة عمان أقرب إلى جولة في عقل الفكر السياسي الأردني، والأهم أنه شبه باقتراب من توضيح وتفسير ملامح وبوصلة الرؤية الرسمية الأردنية في ملفات عدة مهمة وأساسية.
من هنا، يؤكد الخصاونة أن علاقات بلاده مع المؤسسات الأميركية بقيت جيدة جداً حتى عند الاختلاف والاشتباك مع طاقم الرئيس السابق ترمب.
ولفت إلى أن الزيارة الأخيرة التي قام بها جلالة الملك عبدالله الثاني إلى واشنطن، أخيراً، “كانت فعّالة جداً وتاريخية وناجحة إلى أبعد حد، لا بل قدمت خلالها الخبرة الأردنية في كل قضايا المنطقة وملفاتها، إلى الجانب الأميركي، تصورات محددة عما يجري وما ينبغي أن يجري”. وأسفرت جولة جلالة الملك الأخيرة في عمق الإدارة الأميركية حصيلة مشاورات ايجابية وبناءة، كما وفّرت الحماية للعلاقات الثنائية الأساسية بما يعزز المصالح الأردنية والتعاون، وعلى الأرجح نُوقشت فيها بصراحة بعض المسائل والتصورات.
هنا، لا يرغب الخصاونة بالغرق في التفاصيل، لكن ما يتضح من خلال الخوض في حوار مفصّل معه ومع الناطق باسم الحكومة الوزير صخر دودين، هو أن الحوار الملكي الأردني مع الرئيس جو بايدن وطاقمه والمؤسسات الأميركية انتهى إيجابياً بتبادل خبرة وتصورات، وبإسناد بعض التحركات.
على مستوى الاستنتاج والتحليل يمكن التقاط ما هو جوهري في مباحثات واشنطن الملكية المهمة، فإدارة بايدن تؤمن حقاً، ليس فقط بدعم العلاقة والصداقة القديمة مع الأردن، بل بحل الدولتين، “لكن المؤسسة الأردنية خبيرة، ولا تقيم حساباتها السياسية على أوهام”.
بالتالي، ثمة فارق ملموس بين دعم وإسناد حل الدولتين والعمل على وضع برامج لإنجازه والاتجاه نحوه، وعمان فهمت أن الولايات المتحدة في المرحلة الأولى، وليس الثانية.
ولأن حسابات عمان لا تتعلق بالأوهام، يدرك ساستها أن حكومة اليمين الإسرائيلي الحالية التي يتربص بها نتنياهو قد لا تصمد كثيراً، وهي مؤهلة لأي مفاجآت، بالتالي المشهد الإسرائيلي ليس حاسماً، ويستوجب المراقبة والتدقيق دوماً.
رسائل بايدن للإسرائيليين
لكن، ما فهمه الأردنيون من إدارة بايدن هو أن الرسالة وصلت للإسرائيليين بوضوح، وبعنوان رفض مؤكد لسياسة التصعيد العسكري، والسعي إلى عدم حصول صدامات عسكرية، يمكن أن تنتج عنها توترات أمنية في الأرض المحتلة. وتلك رسالة وجهها البيت الأبيض إلى الإسرائيليين بشكل واضح، والأردن على علم بها، وإن كان سيبقى في إطار الدعوة إلى السلام بالتنسيق مع جمهورية مصر العربية والأشقاء جميعاً.
كما أن الأميركيين مهتمون أيضاً بالتنمية الاقتصادية والاستقرار الأمني في قطاع غزة والضفة الغربية، ورسالتهم إلى الإسرائيليين والفلسطينيين تقول بالعودة إلى التفاوض والتفاهم، وفي حال التوصل إلى أي اتفاق فإن إدارة بايدن ستدعمه، وبقوة، ودون ذلك لا أوهام بفرض مشاريع أو تسويات محددة. وهو وضع ليس نموذجياً، لكن عمان تعتبره قابلاً للتطوير وأفضل من الأعوام السابقة.
تغيير سلوك النظام السوري وليس إسقاطه
في الملف السوري، يعتقد الخصاونة بوجود تغيير ولو طفيف في موقف الإدارة الأميركية الحالية، فالنغمة التي تتحدث عن إسقاط النظام السوري يبدو أنها باتت تميل إلى الواقعية أكثر، من خلال التركيز على تغيير سلوك النظام السوري، بدل الاستمرار في وهم العمل على إسقاطه، وهو أمر تحدث عنه علناً جلالة الملك عبدالله الثاني.
والأردن، وفق تعبير الخصاونة، “مهتم مع جمهورية مصر العربية، وبعض الدول الشقيقة، بأن تعود سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، لأن الغياب هنا لم يكن منتجاً، ولأن النظام الرسمي العربي يمكنه أن يؤسس لهوامش مبادرة وحوار أفضل مع السوريين من خلال عودتهم إلى مقعدهم الطبيعي في حضن الجامعة العربية، فكثير من المسائل المهمة عبر الجامعة يمكن أن تُناقَش مع الأشقاء السوريين، ومن بينها، بل أبرزها، عودة اللاجئين والمشردين إلى وطنهم.
وكان الأردن طوال الوقت داعياً إلى حل سياسي شامل ينهي حالة الصراع في القطر السوري الشقيق، وليس سراً أن المجتمع الدولي بدأ اليوم ينتبه لما كان يقوله الأردن قبل سنوات طويلة، الأمر الذي يمكن أن يكون نافعاً اليوم بكل الأحوال.
ويشدد الخصاونة على أن بلاده تتعامل بـ”صعوبة كبيرة” مع ملف اللجوء السوري وتكلفته، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي التزم خلال العام الحالي، بـ7 في المئة فقط من المتفَق عليه مع الأردن تحت عنوان تقديم الرعاية لعدد اللاجئين السوريين الضخم في المنطقة.
ويرى الخصاونة أن مصالح كل الدول المحيطة في سوريا، بل مصالح المجتمع الدولي أيضاً، تتطلب بقاء قصة اللجوء السوري في واجهة الأحداث، وهي قصة ينبغي أن تبقى محكية في العالم، ولا يُقلل من أهميتها وتموقعها في سلم الأولويات تلك المبادرات ذات البعد الإنساني أو القانوني هنا أو هناك.
أما الأردن ففتح أبوابه “للأشقاء من اللاجئين السورين بموجب مذكرة تفاهم مع المفوضية السامية للاجئين، بالتالي الصياغة هنا إنسانية ودولية وأخلاقية قبل أي اعتبار آخر”.
ويقر الخصاونة بأن بلاده لم توقّع على “الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق اللاجئين في العالم، والموقعة في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، لسبب مبدئي وأخلاقي معروف، وهو أن تلك الاتفاقية تحديداً قد تلغي حقوقاً مصيرية وأساسية للاجئين الفلسطينيين الذين أصبحوا أردنيين، بمعنى أن الدولة الأردنية لا ترى أن لديها مصالح في التوقيع على بنود تنتهي بإزالة صفة اللجوء عن أردنيين يمتلكون هذه الصفة، ما دفع باتجاه مذكرة مع المفوضية السامية عند استقبال اللجوء السوري”، وهو منطق، بتقدير الخصاونة، قابل للقياس، لأن حق اللاجئ السوري في العودة إلى أرضه ينبغي أن يبقى مصوناً، وأن ينشغل به ضمير العالم بصرف النظر عن واقعية تنفيذ ذلك الحق أو توقيته.
تلك زاوية مهمة يرى الخصاونة أن واجب الجوار السوري أن ينتبه إليها ويؤسس لمنطقة تقارب ومصلحة مشتركة مع دولة جارة مثل تركيا، ويستوجب التمثيل الحقيقي، لأن تهميش الاهتمام العالمي بقضية اللجوء السوري هو السيناريو الأسوأ والأبشع بالنسبة إلى مصالح دولة سورية مستقلة.
ولدى سؤاله عما إذا كان ذلك يعني أن اللاجئين السوريين سيعودون إلى بلادهم قريباً برأي الأردن؟ أجاب الخصاونة “في المدى القريب المنظور، وحتى نكون واقعيين، لا أعتقد أن ذلك سيحصل قريباً، لأن المسألة لا تتعلق فقط بعودة اللاجئ السوري إلى بلده، ولكن بتحديد المكان الذي سيعود إليه بصورة دقيقة، والأهم، بتهيئة ذلك المكان أصلاً، وتوفير ظروف موضوعية للحياة الكريمة له في بلده من بينها المشاركة السياسية أيضاً.
بالتالي، لا بد من الحفاظ، برأي عمان، على صفة اللجوء السوري، والحرص على الانشغال فيها حتى تصبح عودة اللاجئين ممكنة فعلاً، وتنضج الظروف التي تؤدي إلى عودة ناجحة ومستقرة حتى لا تحصل ردود فعل عكسية مجدداً.
وفي معرض إجابته عن سؤال “بصراحة، هل سيمنح الأردن جنسيته للاجئين السوريين؟”، قال الخصاونة بعفوية وسرعة، “معاذ الله أن يحصل ذلك”، لكنه تعامل مع بعض الوقائع والحقائق، “فمَن لجأ إلى تركيا أو لبنان أو الأردن في عام 2011 يقترب عمره الآن من 10 سنوات”، تلك وقائع يقترح الخصاونة قراءتها بعمق، “لأننا نتحدث اليوم عن جيل ثانٍ من اللاجئين السوريين”.
العلاقة مع تركيا
في سياق آخر، يصف الخصاونة علاقة بلاده مع تركيا بأنها “جيدة جداً الآن”، لكنه يستعرض بدبلوماسية وأناقة بعض محطات الماضي في سياق التأسيس لفهم مشترك أردني – تركي لقياس مصالح البلدين.
ويقدّر الخصاونة أن “إلغاء الأردن اتفاقية التجارة مع تركيا قبل سنوات عدة، بُولغ في تحليله وقراءته مع أنه مرتبط حصرياً بمصالح طبقة الصناعيين الأردنيين، لا أكثر”.
وفي الماضي القريب، برزت تساؤلات أردنية تحت عنوان رصد محاولات لجمعيات تركية للتدخل في المسجد الأقصى والحرم القدسي، وأحياناً لإشغال طاقم الأوقاف، ولأن مسألة القدس حساسة جداً لعمان، كانت هذه الجزئية مربكة للعلاقات أحياناً، لكنها اختفت الآن وبوضوح، بعدما قدم الأتراك شروحات وتفسيرات قَبِلها الأردن دبلوماسياً، فيما لا تُخفي عمان اهتمامها دوماً بعلاقات أفضل وأعمق مع أنقرة، وتقدّر موقف تركيا في دعم الوصاية الأردنية والهاشمية بدلالة أن جلالة الملك عبدالله الثاني اصطحب أشقاءه معه، وحضر قمة إسطنبول الإسلامية من أجل القدس.
دون ذلك، ثمة تأشير بيروقراطي بنكهة سياسية يحمل صفة “العتب” أكثر من الملامة، وهو إصرار بعض المؤسسات التركية على إيفاد مجموعات من الأتراك لزيارة القدس عبر “معبر بن غوريون”، ومعابر ومؤسسات إسرائيلية… “تلك إشارة تخدش العلاقات الأخوية قليلاً”، ولا ترى عمان ذلك “في سياق السلوك الطبيعي الأخوي ما دامت أنقرة تتفهم حساسية ملف القدس عند الأردنيين، بل تعلن الموقف ذاته”.
“وطبعاً تلك مسألة تفصيلية تحتاج إلى استدراك لأن أولوية مدينة القدس ومقدساتها بالنسبة إلى الأمة يفترض أن تتطلب بعض التضحيات أحياناً، والحرص على عدم توجيه رسائل تقول بإمكانية الاعتراف بشرعية ترتيب زيارات إلى القدس مع الاحتلال”، وهي نقطة يأمل الخصاونة أن “يستدركها الأصدقاء في الجمهورية التركية، لأن قيمتها الرمزية والسياسية والدينية أكبر بكثير من المسوغ اللوجستي، فاستعمال معبر الاحتلال يمس بقدسية مكانة القدس عند الأردنيين، وعمان ترحب بأن يزور الاشقاء الأتراك القدس عبرها”.
والأمل بطبيعة الحال متاح لمعالجة هذه المسألة، والتفاهم حولها، ولا يعارض الخصاونة هنا أيضاً المعلومة التي تقول إن سبب لجوء شركات تركية لترتيب زيارات للقدس مع الجانب الإسرائيلي وقطاعاته هو اعتذار الأردن عن عدم وجود بنية تحتية على الجسور مع فلسطين تصلح لمثل هذه الزيارات، وهو أمر لا يناقش الخصاونة صحّته، مشيراً إلى أن “البنية التحتية في مناطق الجسور قيد التطوير والعمل”، لكنه يبدو متأملاً سياسياً بضرورة “الانتباه إلى القيمة الأهم هنا هي هوية وإسلامية وعروبة القدس، حيث لا يوجد ما يمنع من ناحية أولية ومبدئية مناقشة هذا الملف حتى تبقى العلاقات مع تركيا في حالة تحسن مستمر، وهي بوضع ممتاز الآن عموماً”.