22-08-2021 11:34 AM
بقلم : منصور عبدالله السرحان
ما جرى في أفغانستان خلال الأيام الماضية، من العودة السريعة والمفاجئة للحكم والسيطرة على البلاد، كان لافتا ومفاجئا للجميع بما في ذلك الولايات المتحدة التي أعلنت انسحابها بكل برود على أمل بقاء وكلائها في السلطة كما حصل في بعض دول الإقليم.
عودة إلى الطريقة التي بدأت فيها طلبان تسلمها زمام الأمور، فقد كانت مختلفة بكل المقاييس، حيث بدا أن الجماعة سيطرت على الأمور بهدوء وبحرفية عالية، مما يعطي انطباعا أن طالبان اليوم غير طالبان 2001، ويبدو أن الجماعة استفادت من دروس السنين التي فاتت وطورت من أدائها السياسي والإعلامي وحتى نهجها وعقيدتها السياسية لتواكب التغييرات الدراماتيكية التي شهدها العالم على مر تلك السنين.
ومن اللافت أيضا أن الجماعة لا تزال تحتفظ بالكثير من القوة العسكرية والتنظيم الميداني بحيث كانت حركتها في السيطرة على الأقاليم حركة منظمة وتسير وفق منهجية تكتيكية وحتى عملياتية متقدمة أتاحت لها السيطرة على الأرض بكل سهولة ويسر ودون استخدام أي شكل من القوة العسكرية عدا عن الردع النفسي المتأصل في نفوس المواطبين نتيجة تراكمات السنين الماضية.
تضاربت الآراء حول الموقف الأمريكي مما جرى على الأرض ما بين من يقول أن الأمريكان كانوا متوقعين لما جرى ولكن ليس يتلك الصورة المذهلة من السرعة والتكتيك الذي رافقه أداء سياسي وإعلامي محترف. وما بين رأي يقول إن الأمريكان تفاجأوا بل وذهلوا من سرعة سيطرة طالبان وامتدادها على كافة الولايات بما في ذلك سيطرتها الكاملة على العاصمة كابول.
ويبدو أن الموقف هو مزيج من الرأيين، وجاء نتيجة لعدم وجود خطة استراتيجية أمريكية محكمة لما بعد الانسحاب الأمريكي وغياب أو تغييب السلطة الحاكمة وعلى رأسها الرئيس محمد أشرف غني وبالتالي اغتنام طالبان للموقف المائع وغير الواضح وهو انتصار استراتيجي يسجل لطالبان بأنها كانت تتابع عن كثب دقائق وتفاصيل الأمور من خلال عيونها وأعوانها المنتشرين في كافة مفاصل الدولة الأفغانية.
لقد كان استسلام القوات الأفغانية الحكومية التي دربتها وجهزتها الولايات المتحدة والغرب لعقود خلت، وترحيب أجزاء كبيرة من الشعب الأفغاني بعودة الحركة مؤشرا على تأثير الحركة على المستوى الوطني وأنها لم تفقد نفوذا وقاعدتها الشعبية مما سهل مهمتها بشكل كبير.
وأخيرا أقول لمن يراهنون على الاستفادة من نتيجة التغيير الذي جرى في أفغانستان، أقول بأن طلبان الحالية لم تعد طالبان قبل عشرين عاما، فقد استفادت الحركة من الدروس والتجارب التي مرت بها تنظيمات وجماعات مشابهة وغيرت من استراتيجيتها لتواكب العصر الحالي في محاولة للانتقال من جماعة محسوبة على تيار الإرهاب والتطرف معاداة الغرب إلى حركة سياسية - عسكرية فرضت الاعتراف بها وأجبرت الأمريكان على قبولها والجلوس معها على طاولة المفاوضات لأشهر طويلة وبتنسيق قطري مباشر.
ستركز الحركة على الوضع الداخلي والوطني الإفغاني في الفترة القادمة وستعمل جاهدة لإقناع كافة أطيف ومكونات الشعب الأفغاني أنها حركة وطنية تعمل من أجل مصلحة البلاد والعباد وستنتهج أسلوبا ومقاربة مرنة تدمج مابين الحداثة والثوابت العقدية والسياسية التي قامت عليها. فقد أعلنت الحركة لاحقا عن احترامها لحقوق الإنسان عموما وحقوق المرأة بوجه خاص وهذا يناقض تماما آراءها السابقة في هذا المضمار، وهي رسالة موجهة للخارج قبل الداخل تأتي كمؤشر على التحول الاستراتيجي في مبادئها وعقيدتها.
لا شك أن دول الإقليم خصوصا تلك المجاورة لأفغانستان ستتأثر بما جرى، بالرغم من اختلاف اتجاهات وتوجهات تلك الدول فيما يتعلق بنظرتها لطالبان وخصوصا إيران وباكستان من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى.
بالنسبة للدول العربية، سيكون موضوع الإرهاب والجماعات الإرهابية التي كانت تنشط في أفغانستان قبل عقدين كالقاعدة ثم تنظيم الدولة لاحقا، سيكون هو الموضوع الأبرز والتخوف الأكبر من عودة تلك الأنشطة من جديد كما كانت ترعاها من قبل حركة طالبان. ولكن يبدو أن طالبان تنبهت لهذه المسألة ولن تكون استراتيجيتها القادمة تسير على نفس النهج السابق وستجاول طالبان العمل كحركة سياسية تدير دولة واضعة في اعتبارها تشابك علاقاتها الدولية الاستراتيجية كونها بحاجة للكثير من الدعم الاقتصادي للوقوف على أقدامها بعد التجربة المريرة والطويلة التي مرت بها. لذا قد تبقى الجماعات الراديكالية والإرهابية موجودة ولكنها نائمة وغير نشطة ما لم يحدث ما يحركها من جديد.
وأخيرا، قد يكون ما جرى في أفغانستان من تحولات لافتة بداية لمرحلة جديدة ومختلفة في العلاقات الدولية، أو قد يعيدنا مرة أخرى إلى المربع الأول وتجدد الصراع بين الأطراف الفاعلة ذات المصالح المتشابكة في الإقليم.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
22-08-2021 11:34 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |