23-08-2021 03:32 PM
بقلم : داود عمر داود
حتلت الولايات المتحدة أفغانستان، عام 2001، لإسقاط نظام حكم طالبان. وبعد عشرين عاماً من الحرب الضروس، وتناوب أربعة رؤساء على البيت الأبيض، ومقتل وجرح الآلاف من جنودها، وكلفة بترليونات الدولارات، ها هي واشنطن تعترف بهزيمتها النكراء أمام حركة طالبان. وها هو نظام طالبان يعود منتصراً لحكم أفغانستان، في هزيمة اعتبرها مسؤولون غربيون بأنها مذلة للغرب، وأشد قسوة من هزيمة الإتحاد السوفياتي، وأنه سيكون لها ما بعدها من أثار على دول الغرب بمجملها.
تراجع هيبة أمريكا في العالم: لقد شاهد العالم منظر آلاف المتعاونين الإفغان وهم يتزاحمون في الشوارع للوصول إلى مطار كابول، ومنظر المئات منهم وهم يلحقون ويتشبثون بالطائرة العسكرية الأمريكية الضخمة، أثناء سيرها على المدرج للإقلاع. حيث تمكن إثنان منهم من ربط نفسيهما بعجلات الطائرة إلا أنهما سقطا من الجو، ولقيا مصرعهما. هذه المشاهد المحرجة أفقدت أمريكا هيبتها أمام العالم، وأفقدتها ثقة الناس فيها، حين رأت الشعوب كيف تتخلى أمريكا عمن يتعاون معها ويخدمها، بكل هذه السهولة.
الإعتراف بالهزيمة: أرسلت المشاهد الدراماتيكية التي تلت إنهيار الحكومة الأفغانية، ودخول حركة طالبان إلى العاصمة كابول، دلالات عميقة على أكثر من صعيد، خاصة تسارع وتيرة الأحداث. إذ أن الخطة الأمريكية كانت تقضي بأن تستكمل إنسحابها بانتظام من أفغانستان، قبل حلول الذكرى العشرين لأحداث 11 أيلول_سبتمبر 2001. لكن الانهيار السريع للجيش الحكومي الأفغاني جعل الرياح تجري بما لا تشتهي سفن الإدارة الأمريكية التي أصابتها حالة من الارتباك. فسارع رئيسها جو بايدن للتبرير، هو ومن حوله من مسؤولين، وهدد وتوعد طالبان لو هي تدخلت في عملية الانسحاب. وأعلن بصراحة أن بلاده قد هُزمت في أطول حربٍ خاضتها، وأن حركة طالبان هي التي انتصرت.
لقد استخدمت الولايات المتحدة أحداث أيلول_سبتمبر ذريعة لغزو أفغانستان وإسقاط نظام حكم طالبان، كما إدعت في حينه. لكن خبراء أمريكيين يؤكدون أن خطة الغزو كانت معدة مسبقاً، وموجودة في الأدراج، منذ اللحظة التي خرج فيها الإتحاد السوفياتي مهزوماً من أفغانستان، عام 1989.
هل يعيد التاريخ نفسه فيكون مصير الإمبراطورية الأمريكية، بعد تورطها في مستنقع أفغانستان، مثل مصير الإمبراطورية السوفياتية التي سبقتها إلى هناك؟
درج كثيرون في الآونة الأخيرة على تشبيه إنسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بإنسحابها من فيتنام عام 1975، لكن الأدق أن تكون المقارنة مع إنسحاب القوات السوفياتية الغازية، التي دام احتلالها عشر سنوات، 1979-1989. حيث أقدم السوفيات على احتلال افغانستان طمعاً في الوصول إلى المياه الدافئة ومنابع النفط. لكن الولايات المتحدة، في عهد رئيسها جيمي كارتر، كانت لهم بالمرصاد. فقد بدأت بتسليح المعارضة الأفغانية قبل ستة أشهر من بدء الاحتلال السوفياتي. كما تولت إيجاد وإبراز فكرة (الجهاد الإسلامي في أفغانستان) في حقبة كان الموضة الدارجة فيها (حركات التحرر). وهكذا قامت في أفغانستان حركات جهادية مسلحة لمقاومة الإحتلال السوفياتي، جلب لها الأمريكيون كل أشكال الدعم المالي والعسكري.
استقطبت حركات المجاهدين في أفغانستان كثيراً من الشباب العرب، الذين استهوتهم، كأي مسلم، فكرة (الجهاد والشهادة في سبيل الله) وكان لهم دور بارز وحاسم في نجاح المقاومة الأفغانية، وفي إنهاك الجيش السوفياتي المحتل، على مدى عقد كامل، ثم إجباره أخيراً على الإنسحاب، وتكبيده خسائر عسكرية ضخمة، بمقتل 15 ألف جندي، وجرح 53 الفاً آخرين، وخسائر إقتصادية فادحة بلغت 150 مليار دولار في حينه، الأمر الذي هز كيان الإمبراطورية السوفياتية، ووجه لها ضربة في مقتل، أدت إلى تفككها وإنهيارها في أقل من 3 أعوام.
بذلت الولايات المتحدة جهوداً كبيرة لبناء جيش أفغاني يعمل بالوكالة نيابة عنها ولصالحها، ويحافظ على مكتسباتها في أفغانستان. لكنه انهار بسرعة أمام مسلحي طالبان في الأسابيع الأخيرة، ودخلت الحركة العاصمة كابول بدون قتال. ولقد فؤجئ كثير من المسؤولين في الغرب بهذه السرعة التي انهار فيها جيش الحكومة الافغانية. واعترف بعضهم بأنهم أساؤوا تقدير الموقف.
في المقابل كان الجيش الحكومي مؤلفاً من 300 ألف جندي، ومجهزاً بشكل جيد، لكن قيادته سيئة وينخرها الفساد، ولا يحمل جنوده أية رسالة سوى خدمة السيد الأمريكي. وقد حذرت مؤخراً هيئة رقابية أمريكية من آثار الفساد على تماسك الجيش الحكومي الأفغاني. لكن من أهم أسباب انهياره عامل الخوف الذي سيطر على المتعاونين مع القوات الأمريكية. ويمكن القول أن الفئة القليلة ربما تكون قد انتصرت على الفئة الكبيرة بفضل الفساد والرعب، الذي زاد انتشاره بفعل وسائل التواصل الاجتماعي.
لقد تمكن الغربيون، بقيادة الولايات المتحدة، من استغلال فكرة (الجهاد) لإلحاق الهزيمة بالاتحاد السوفياتي وإسقاطه. وها هي نفس الفكرة تقود إلى هزيمتهم. فهي مغروسة في نفوس وعقول وقلوب أهل أفغانستان، وعليها نشأت وتربت أجيال منهم، وحاربوا بها، وكانت النتيجة أن ألحقوا الهزيمة بالغرب، وقلبوا السحر على الساحر. لكن يبقى السؤال: هل يعيد التاريخ نفسه فيكون مصير الإمبراطورية الأمريكية، بعد تورطها في مستنقع أفغانستان، مثل مصير الإمبراطورية السوفياتية التي سبقتها إلى هناك؟
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
23-08-2021 03:32 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |