26-08-2021 09:50 AM
سرايا - أجرت صحيفة القدس العربي حواراً مع مخرجة مسلسل "مدرسة الروابي للبنات" تيما الشوملي، و تحدثت فيها عن أسرار العمل و الصعوبات التي واجهتها من المجتمع و ماهي الرسالة التي تريد إيصالها، و تالساً نص المقابلة كاملةً:
كلما انطلق فيلم أو مسلسل تلفزيوني يتناول المجتمعات العربية بأي شكل من الأشكال، سواء كان من جهة عربية أو أجنبية، يشتعل الجدل في الإعلام العربي ومنصات التواصل الاجتماعي بين الجماهير العربية حول مصداقية طرحه للواقع العربي، وكثيرا ما يُتهم بتشويه ذلك الواقع أو يصنف على أنه انحلال أخلاقي يفسد الأجيال الشابة. وكأنها كانت نشرات إخبارية أو دروسا دينية وليست أعمالا درامية تطرح رؤية مخرجها وحسب.
آخر تلك الأعمال هو المسلسل الأردني «مدرسة الروابي للبنات» الذي أنتجته شبكة «نتفلكس» وأطلقته على منصتها الالكترونية الأسبوع الماضي.
من المفارقات أن «نتفليكس» واجهت هجوماً شرساً قبل عامين عندما أطلقت مسلسل الرعب الأردني «جن» الذي يعتبر إنتاجها العربي الأول.
لكن بدلاً من الاحتفاء به، استنكره الجمهور الأردني واتهمه بالانحدار الأخلاقي، نظراً لما تضمنه من ألفاظ بذيئة ولقطات جريئة، كما أن جهات رسمية طالبت بمنع عرضه، بينما تعرض طاقم ممثليه لتهديدات، ما دفع إحدى ممثلاته وعائلاتها إلى ترك الأردن والهجرة الى لبنان.
ومع ذلك عادت «نتفلكس» إلى الأردن للمرة الثانية لإنتاج «مدرسة الروابي للبنات» من إخراج الممثلة والكوميدية والمنتجة والمخرجة الأردنية تيما شوملي، التي شاركها في كتابة نصه شيرين كمال وإسلام شوملي.
وفي حديث معها الأسبوع الماضي كشفت أن علاقة مهنية تربطها بنتفليكس منذ عدة أعوام، وعندما عرضت عليهم فكرة «مدرسة الروابي للبنات» وافقوا على الفور.
«القصة الجيدة والرؤية المهمة دائماً تصل» تعلّق تيما، تقدر نتفليكس المجهود الذي استثمارناه في هذا المشروع، فهي شبكة عالمية وتريد أن تقدم أعمالاً تتعدى المحلية وتصل الى العالمية، وبالنسبة لي القيام بهذا المشروع كان تحديا كبيرا، لكني تعلمت الكثير، ومنحني خبرة أكثر مما قد تمنحني إياه عشر سنوات من الدراسة».
البداية في الكوميديا
بدأت تيما سيرتها المهنية عام 2011 بالمشاركة في كتابة الموسم الثاني للبرنامج الكوميدي «بياخة» والتمثيل فيه، وفي عام 2012، أطلقت مسلسلها الكوميدي الاجتماعي الخاص «في ميل» على منصة إلى جانب عرض مواسمه اللاحقة على تلفزيون «رؤيا». كما قامت بإنتاج مسلسل درامي وهو «زين» الذي عرض على قناة «أم بي سي».
وفي مسلسل «مدرسة الروابي للبنات» الذي يحمل اسم المدرسة الثانوية، التي تدور أحداثه فيها، تسبر تيما ظاهرة التنمر في المجتمعات العربية وتحديداً المجتمع الأردني من خلال طرح قصة ثلاث طالبات يتصرفن كالعصابة، وهن ليان ورانية ورقية، اللواتي يتنمرن على طالبات مهمشات في المدرسة.
إحدى هؤلاء الطالبات، وهي مريم، تتمرد عليهن، فينكلن بها ويضربنها حتى يغمى عليها. وعندما ترفض مديرة المدرسة معاقبتهن، تضع مريم خطة انتقام من كل منهن وتجند زميليتن من ضحاياهن لمؤازرتها، ما يسفر عن عواقب وخيمة.
ظاهرة التنمر في المدارس متفشية في كل مجتمعات العالم، وقد تناولها العديد من الأفلام الهوليوودية والعالمية. لكن قلما سبرتها الأعمال العربية، رغم أن الأبحاث الاجتماعية كشفت عن نسب عالية من حالات التنمر في الدول العربية.
«عندما كنت في المدرسة لم يكن هناك مصطلح تنمر لكن الظاهرة كانت دائماً موجودة» تقول تيما، التي ولدت في الأردن عام 1986 والتحقت بالمدارس هناك، «لهذا أردت أن أسلط الضوء على الظاهرة لأنها ازدادت حدة هذه الأيام بسبب التطور التكنولوجي، فبينما كان التنمر ينتهي نهاية اليوم الدراسي في المدرسة، إنه الآن يلاحق الطالبة في بيتها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ويستمر 24 ساعة. وهو ما يخلق مشاكل نفسية، وبما أن هناك وصمة عار في مجتمعنا بشأن العلاج النفسي لأن الفكرة السائدة هي أن العلاج النفسي للمجانين وحسب، تكون عواقب التنمر وخيمة على نفسية الطالبة».
النظرة السلبية تجاه العلاج النفسي هي واحدة من عدة قضايا اجتماعية تتناولها تيما في المسلسل، مثل الخشية من كلام الناس بدلاً من القناعة الذاتية والتفكك العائلي والتحرش الجنسي وعدم مواجهته، وجرائم الشرف وخنق حريات الإناث وتحكم أهاليهن بحياتهن وتصرفاتهن ومصيرهن، واستغلالهن عبر منصات التواصل الاجتماعي.
عالم البنات المليء بالغموض
«هذا واقعنا كبنات في مجتمعنا نعيشه في حياتنا اليومية» توضح تيما، «فأردت أن أظهر عالم البنات الذي يعتبر عالم الأسرار المليء بالغموض، وخصوصاً في مجتمع ذكوري يرفض أن يعرف هذه المعلومات وكأن هناك إنكاراً لوجودها».
فعلاً، أثار المسلسل غضب بعض الأردنيين، الذين اعتبروا طرحه وصماً للمجتمع الأردني وتشويهاً لواقعه واتهموه بالترويج للانحلال الأخلاقي بين الأجيال الشابة وإفساد ما وصفوه ببراءة الفتيات. لكن تيما ترفض تلك الاتهامات موضحة أن الفيلم يعكس واقع مدرسة الروابي وحسب، وهو واقع خيالي اختلقته مع شركائها كتاب السيناريو وليس بالضرورة الواقع الأردني.
«الفن بشكل عام هو خيالي مبني على عالم مختلق ذي قوانين وقواعد وأركان خاصة به» تقول تيما. «وهو يمثل فئة واحدة وهي شخصياته وليس كل فئات المجتمع الأردني».
لكن شخصيات المسلسل ذات خلفيات مختلفة وتأتي من عدة طبقات ضمن المجتمع الأردني؛ فهناك الأغنياء والبسطاء والمتحررون والمحافظون، ما يوحي أن تيما أرادت أن تعكس تجارب كل أطياف المجتمع، لكنها تنكر أن تلك كانت غايتها. «لا بد لي أن أطرح شخصيات متنوعة لكي أجذب أكبر عدد من الجماهير على منصة عالمية مثل نتفليكس» توضح المخرجة.
ذلك التنوع والتعددية يعزز من درامية المسلسل وواقعيته، ويعمق من الأبعاد الإنسانية والعاطفية لشخصياته، ما يساهم في تماهينا معها دون استثناء، وتفهم دوافع أفعالها. فرغم أنها خيالية إلا أنها تبدو مألوفة وليست غريبة عن المشاهد العربي.
«طبعاً، أنا أكتب عن حياتي وعن حياة البنات التي أعرفها وعن الواقع الذي أعيشه، لكني لم أصنع فيلماً وثائقياً» تعلق تيما.
فعلاً، الكثير من المشاهد تبدو خيالية، ففي بدايته، يحمل المسلسل طابعا أجنبياً أو هوليوودياً، بعيداً عن الواقع العربي. الفتيات يتحدثن بالإنكليزية ويستحضرن الثقافة الشعبية الأمريكية في حواراتهن، ويتصرفن بحرية كاملة. ورب البيت يقوم بتحضير العشاء للعائلة وينتظر عودة زوجته من العمل.
وفي الحلقات اللاحقة، يكشف تدريجياً عن عادات وتقاليد في مجتمع ذكوري، يجب على الفتيات أن يواجهنها أو يتأقلمن معها أو يتمردن عليها من أجل تحقيق ذاتهن وأحلامهن وعندما يفشلن يدفعن ثمناً غالياً.
«أردت أن أكسر النمطية حيث تظهر النساء كشخصيات متزمتة وربات بيوت وحسب، وأيضا أن أبين للناس أن ما يرونه ليست بالضرورة الحقيقة» توضح تيما.
فعلاً، فالفتيات يعشن في واقع ازدواجي، في البيت، يلتزمن بكل قوانين أهلهن ويلعبن دور البريئات المحافظات وعندما يخرجن منه يتحولن إلى شخصيات متحررة ومتمردة على كل القيود الاجتماعية المفروضة عليهن، ويطلقن العنان لغرائزهن الأنثوية المكبوتة، حتى الفتاة المحجبة، رقية، تستسلم لمشاعرها وتخلع حجابها خلال حفلة في المدرسة وعندما يعلم أهلها، يعاقبوها بصرامة.
«هذه الإزدواجية تعكس واقع كل شخصيات المدرسة» تقول تيما، «فالضغط الذي تعيشه هذه الشخصيات يجعلها تبالغ في طريقة التحرر الذي تريده».
المسلسل يكسر النمطية لدرجة أنه يبدو أحياناً سيرياليًا، فأحياء عمان تبدو كحي الأغنياء بيفرلي هيلز في لوس أنجليس، ساحرة بجمالها وبيوتها فاخرة وخالية من الفوضى والضوضاء والزحام ومظاهر الفقر التي تتسم بها المدن العربية في الأفلام الغربية، بينما تتلألأ المدرسة نظافة وتتصرف طالباتها كشخصيات سلسلة أفلام «مين غيرلز» ويظهر الشباب كشخصيات أفلام المراهقين الهوليوودية.
لكن تيما تنكر أنها أرادت تقليد الأفلام الهوليوودية، مؤكدة أن غايتها كانت تقديم صور جميلة لترفيه المشاهد من أجل تسهيل إيصال القضايا التي تناولتها في المسلسل، «تركيزي كان على البنات وليس على مكان وجودهن. ربما يبدو المسلسل هوليوودياً وذلك بسبب مستوى الإنتاج الراقي ويعود الفضل لنتفليكس، خلافاً للواقع، المدرسة تبدو نظيفة وملمعة كثيراً وذلك لأنني أردت أن أغري الجماهير بتلك الصورة المثالية والاستمتاع بمشاهدتها ثم أكشف لهم ما يحدث وراء تلك الصورة المثالية».
ما يكشفه مسلسل مدرسة الروابي للبنات وراء تلك الصورة المثالية مزعج ومروع، لكن بغض النظر عما إذا كان طرحه يعكس الواقع الأردني أم لا، إلا أنه يعكس تطوراً في الأعمال التلفزيونية العربية على الصعيد الفني والروائي والمحتوى، ففضلاً عن مستوى إنتاجه الرفيع وأداء ممثلاته المقنع، يتناول قضايا محلية حساسة ومحرمة، تخص كل الأجيال وليس فقط المراهقين، بجرأة نادرة و ذلك ليس من خلال خطابات مباشرة وإنما من خلال نسجها بسلاسة في سرد درامي تشويقي للأحداث وفي تطوير الشخصيات.