30-08-2021 02:34 PM
بقلم : المهندس عادل بصبوص
أثارت الصورة الجوية لمدينة عمان التي تم تداولها مؤخراً ، ردود فعل كثيرة تراوحت بين التندر والتحسر، فقد بدت المدينة باهتة مكتظة موحشة كمقبرة، تتزاحم فيه الأبنية والمنشآت لتشغل معظم مساحة المدينة، هكذا ظهرت المدينة في الصورة التي التقطت من ارتفاع شاهق ... غالبية المعالم الرئيسية للمدينة لم تظهر، وحدهما برجا الدوار السادس ظهرا "شامخين"، كعلامة فارقة في الصورة، ولكن خاويين كما هما في الواقع، تشق طوابقهما عنان الفضاء وتعلن أن بعض الأخطاء قد لا يمكن تداركها أبداً مهما دارت الأيام وتوالت السنون ....
لا شك بأن الصورة قد ظلمت عمان المدينة، فالإرتفاع الشاهق وزاوية التصوير وساعة التقاط الصورة، اظهرت المدينة في حالة أشد سوءاً مما هي عليه فعلاً، إضافة إلى أن إجتزاء الصورة – بقصد أو بدون قصد- بحيث لا تشمل كافة المناطق، أدى إلى عدم ظهور معالم رئيسية مثل مدينة الحسين الرياضية ومسجد الملك عبد الله والمدرج الروماني ومدينة الملك عبد الله الرياضية، فبدت المدينة قاتمة بدون قسمات أو ملامح، فقط بنايات متلاصقة في صحراء قاحلة، لون الصحراء الباهت الحزين يطغى على كل شيء، حتى المساحات الخضراء القليلة المتناثرة بين شرق المدينة وغربها، شمالها وجنوبها، والتي كان من الممكن أن تبدد شيئاً من بؤس الصورة، اختفت تماماً ....
نعم ظَلَمَت الصورةُ عمانَ بعض الشيء فلم تعكس ملامحها الفعلية وتفاصيلها الدقيقة، ولكنها أعادت التأكيد على الواقع الماثل للعيان والذي فيه من السوء والبؤس الكثير، فالمشاكل والأزمات الخانقة التي تعاني منها المدينة ويئن المواطن المسكين من شدتها لا حدود لها، مدينة مكتظة بالكتل الخرسانية، شوارعها غير واسعة، المساحات التي يمكن أن تمثل متنفساً للمواطن كالحدائق والمتنزهات وملاعب الأطفال محدودة جداً، تفتقر إلى منظومة نقل عام كفؤة وفعالة، أزمات مرورية خانقة، أسعار الاراضي السكنية والمساكن خيالية وفي ازدياد، مدينة بدأت تشيخ في عز الشباب وميعة الصبا، وغدا البحث عن "ضرة" لها خياراً حتمياً لا بديل له بعدما عجز الأطباء عن إيجاد الحل والعلاج لأمراضها التي غدت بمرور الأيام مستفحلة ومزمنة، فظهر مشروع "عمان الجديدة" في عهد حكومة الملقي، إلا أن الفكرة تم وأدها وإهالة التراب عليها في عهد حكومة الرزاز، وها هي تتململ تحت الثرى لتعود إلى الحياة مجدداً في عهد هذه الحكومة أو الحكومة التي تليها .....
لم تهبط المشاكل والأزمات على عمان المدينة بين عشية وضحاها، فهي تراكم لسلسلة من الأخطاء والخطايا ارتكبها جيل كامل من المخططين والمسؤولين جلهم ما زال على قيد الحياة، والعديد منهم ما زال يتحفنا بمحاضرات أو نظريات حول التخطيط العمراني أو التنمية العمرانية المستدامة، غادروا بعد ما فازوا بالألقاب والرواتب المرتفعة وتركوا المدينة تتخبط في مشاكلها وأزماتها وتصارع من أجل البقاء، ليس صحيحاً بأن مشاكل عمان سببها الزيادة غير الطبيعية في عدد السكان بسبب الهجرات الداخلية والخارجية، وإنما الصحيح أن هذه المشاكل والأزمات هي نتيجة الفشل في التعامل مع هذه المستجدات، ما علاقة زيادة عدد السكان بتحويل حدائق ومساحات خضراء في منطقة الدوار السادس إلى منطقة أبراج تجارية ... فَشِلَ المستثمر في إنجازها فغدت هياكل خرسانية ضخمة خاوية على عروشها تشوه المكان والهوية البصرية للمنطقة .... أية أسباب أومبررات يمكن أن يسوقها أولئك المخططون والمسؤولون عن السعة المحدودة لشوارع رئيسية في المناطق الجديدة نسبياً، ألم يخطر ببالهم زيادة سعتها لإستيعاب الزيادات المستقبلية في عدد المركبات ... ألا يعلم هؤلاء أن الأطفال في غالبية المناطق لا يجدون مكاناً للعب واللهو إلا الشوارع والطرقات ... لماذا لم يتم ايجاد حديقة أو ملعب في كل حي أو منطقة، ألم يكفي المدينة أن حرمتها الطبيعة من بحر تتلاطم أمواجه عند قدميها أو نهر يختال في أوديتها أو بحيرة تستقر بين جنباتها، حتى تُبتلى بمن عمل بقصد أو بغير قصد على تقفيرها والقضاء على أية مساحة خضراء فيها ما استطاع إلى ذلك سبيلا ...
ختاماً نتساءل وقانون أمانة عمان في مراحل الإقرار النهائية، لماذا تم الإبقاء على مبدأ التعيين بدلاً من الإنتخاب لمن يشغل منصب أمين عمان، أليست المشاكل والأزمات التي تعاني منها المدينة هي نتاج إدارة المدينة لسنوات طويلة من قبل أمناءَ شغلوا مناصبهم وفق مبدأ التعيين .... ألم يدر بخلد أصحاب القرار أن مدينة كهذه تحتاج لإدارة شخص مرهف الإحساس ولديه خيال واسع وصاحب رؤية عميقة .... وقلما يأتي التعيين بمثل هذا .....
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-08-2021 02:34 PM
سرايا |
2 - |
عندما
|
01-09-2021 02:15 PM
عبدالرحمن التبليغ عن إساءة |