07-09-2021 11:14 AM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
أطفال اليوم دخلوا دون استئذان من احد إلى العالم الافتراضي ثلاثي الأبعاد(3D) من جميع أبوابه, وجلوس الأطفال في زوايا البيوت والغرف والمداخل والحدائق مع الأجهزة لوحدهم أمر مثير للقلق ومدعاة للخوف..هناك نداءات مستمرة لسحب أطفالنا من هذا العالم الأثيري المجهول, نحن اليوم أمام مشاهد عديدة تتردد فيها تشوهات ممنهجة في أخيِلة الأطفال, وأن هذه الأخيِلة لم تعد تنمو نمواً طبيعياً كما ينبغي أو كما هو مفروض, ونتساءل هنا من المسؤول عن مثل هذا التشوهات الممنهجة في أخيِلة الأطفال, وإلى أي مدى ستؤول مصائر هؤلاء الأطفال..؟
العالم الافتراضي (Virtual world) هو محاكاة حاسوبية ثلاثية الأبعاد, يتم التعامل من خلالها بتقمّص الأدوار مع البيئة الافتراضية المحيطة بالطفل مع الشخصيات الافتراضية على الإنترنت, وبهذا المعنى فان العالم الافتراضي عبارة عن خلق بيئات افتراضية تجذب الاطفال للتفاعل معها بنفس طريقة تفاعلهم في الحياة الواقعية، والفكرة من ذلك هي منع المدخلات الحسية من الخارج، واستخدام الإشارات البصرية والسمعية لجعل العالم الافتراضي يبدو أكثر واقعية.
ويعود مصطلح العالم الافتراضي إلى الثلاثينيات من القرن العشرين، حيث إنّه كان يعني في ذلك الوقت المسرح، وفي الستينيات من القرن الماضي ابتكر (مورتون هيليج) المصور السينمائي آلة تحتوي على شاشات مُلتفه، يتم عرضها باستخدام جهاز يشبه المجهر, للحصول على تأثير ثلاثي الأبعاد، وبالإضافة إلى مقعد متحرك، وبمجرد ظهور أجهزة الكمبيوتر الحديثة إلى جانب التلفاز والأفلام ثلاثية الأبعاد المبتكرة استخلص مؤلفو الخيال العلمي إمكانية إنشاء بيئات تبدو وكأنّها حقيقية، وهذا المفهوم للعالم الافتراضي هو عالم تم إنشاؤه بالحاسوب يحاكي الواقع، وهو أحد أقدم الأمثلة للمفهوم الحالي، ومع ذلك فإنّ معنى العالم الافتراضي لم يدخل المعجم الشهير حتى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، فكان مؤلف الخيال العلمي (وليام جيبسون) واحد من أوائل مؤلفي ذلك المصطلح، ومع ذلك هناك إجماع واضح من الجميع على أنّه مفهوم لمحاكاة العالم.
يعيش كثير من الأطفال هذه الأيام في عالم افتراضي مخيف، عالم فيه الاطفال يلعبون ويتنافسون ويكسبون ويخسرون, عالم يكلّفهم دخوله صرف بعض المال، ولكنهم يصرفون فيه ما هو أكثر، يخسرون فيه الحاضر والمستقبل.
يقال أن طفلا صغيرًا شاهد أخاه يلعب لعبة على الكمبيوتر وقد أعجب بقوة أخيه, إذ تمكن من قتل آلاف من جنود الأعداء, كان أخيه مثل السوبرمان الذي لم يتمكّن أحد من التغلب عليه، وحتى لو مات ذلك البطل يعود حياً من جديد بكبسة زر, بالنهاية نظر الطفل الصغير لأخيه الأكبر وقال له: واو.. كم أنت قوي، أريد أن أكون مثلك! هذا هو العالم الافتراضي الذي يستمتع اطفالنا بالعيش فيه, إنه عالم ورغم أنه افتراضي، إلا أنك تحظى فيه بفرص كثيرة لعمل ما تريد، وتتاح لك العديد من الحيوات (جمع حياة)، بمعنى أنه يمكنك الحياة للأبد, ربما يكون أجمل ما فيه هو أنه سيكون لك الكثير من الصديقات والأصدقاء والمعجبات والمعجبين بك، والذين لن يتركونك أبداً، فقد تم برمجتهم ليبقوا معك ليجعلوك فرحًا ويبتسموا لك و… وهكذا.
الطفل اليوم يستمتع كثيراً بالدخول لهذا العالم الافتراضي الواسع، فهو يأخذه ولو قليلاً عن عالمه الحقيقي الذي عليه فيه أن يجدّ ويجتهد ويحصد ما تزرعه يديه, ومع ذلك فإننا نحاول أن نساعده ليدرك حقيقة العالم الحقيقي ووهمية ذلك العالم الافتراضي، فذلك العالم لا يوجد إلا عبر شبكات الإنترنت وفي ألعاب الفيديو والأجهزة الخلوية وآخر صرعات التكنولوجيا.
وحول تأثير هذا العالم على الأطفال هو اعتقادهم أن الإنترنت كبير جداً لدرجة أنه يمكنه أن تقول عبره أي شيء دون أن يسمعك أحد, وهذا أمر خطير والأخطر منه أن يصل ما نقوله أو ما نضعه من صور وغيرها للأشخاص الخطأ, على سبيل المثال، قبل وقت ليس ببعيد انتشر مقطع فيديو عبر الإنترنت لفتاة صّورت نفسها وهي ترقص لحبيبها، أرادت إسعاده وشدّها لها برقصة رومانسية مثيرة، ظنّت أنه حبها الأول والأخير، ولكنها تفاجأت بعد فترة بانتشار ذلك المقطع ومشاهدته من قبل الملايين الذين أسعدهم رؤية ما فيه, يبدو أن ذلك الحبيب نشره عن قصد بعد أن انقطعت العلاقة بينهما.
طبيعة العالم الحقيقي أن له حدوداً، والوقت فيه محدود وهناك ليل وهناك نهار، وللطرق التي نسلكها نتائج وللاختيارات التي نختارها عواقب وتأثيرات، أما في ذلك العالم الافتراضي فلا حدود البتة، فمتى دخلت به، فإنه سيأخذك من مستوى لآخر، يشوقك للتالي بحيث يجعلك تقضي جل وقتك فيه, وهذا ما يجعل مهمة إعادة الطفل لعالمه الحقيقي تبدو أصعب وأكثر تحدياً, وهنا نقول: ما الذي يمكننا كآباء عمله لحث وتشجيع أبنائنا وبناتنا على التقليل من الانتقال لذلك العالم الافتراضي، أو ما الذي يمكننا عمله لجعل العالم الحقيقي أكثر قبول وجاذبية لهم؟
الخروج عن الواقع المألوف والوصول الى العالم الافتراضي من خلال مبررات واهية اهمها منصات التعليم والتعلم باللعب وقتل أوقات الفراغ عند الأطفال.. هدف عمل عليه كثير من (أبالست) الأرض من اجل تغيير أنماط الحياة الطبيعية.
انها أكبر وأعظم مؤامرة انطلت على العالم والبشرية.. وسنخسر معها جيل بأكمله من الأطفال الابرياء, وما حركات وتصرفات الاطفال اليوم إلا الشرارة الأولى في احتراق هذا الجيل.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
07-09-2021 11:14 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |