13-09-2021 01:43 PM
بقلم : الدكتور يعقوب ناصر الدين
الحديث عن منافع شبكة الإنترنت وإيجابيّاتها لا يقف عند حدّ. لقد تغيّر وجه العالم منذ أن امتلك الفرد وسائل الاتصال التي توفرها تلك الشبكة العنكبوتية، أما خبراء علم الاجتماع وعلم والنفس، والعلوم الأخرى التي تدور في فلك هذين العلمين، فإنهم ينظرون بقلق شديد للمضارّ الناجمة عن سوء استخدام الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وقد ذهب بعضهم إلى اعتبار هذه الثورة، ومعها الذكاء الاصطناعي، كارثة حقيقية على البشريّة، الآن ومستقبلا!
أصبحت السلبيّة هي القوة الأكثر تأثيرا على الرأي العام في كل مكان، وما تحتويه المنصّات من تحريض على الفوضى، ونشر الشائعات، والكراهية، والتطرف، والتضليل؛ بات يتحكم بمجتمعات بأكملها، وليس الربيع العربي وحده نموذجا لكيفية التحكم في الاتجاهات السياسيّة، والاجتماعيّة، والإعلاميّة، والثقافيّة، وغيرها، والقدرة على ذلك، بل إن الأمثلة طالت قدرة روسيا - على سبيل المثال- على التأثير على الانتخابات الرئاسية في أمريكا، بغض النظر عما إذا كان ذلك حقيقيا، أو غير حقيقي؛ فقد كان هناك من يستطيع ادعاء أمر كهذا في زمن اختراق الشبكات والهجوم السيبراني!
لم يعد ممكنا تقسيم العالم إلى أخيار وأشرار، وفقا لكيفية استخدام الإنترنت، فحجم التضليل يمكن أن يجرّ الإيجابيّين لتبني المواقف التي يسعى إليها السلبيون والمشكّكون، وتضارب المصالح والمواقف يتم التعبير عنه غالبا بلا قيود، وحين يتعلّق الأمر بمجتمعات تعاني في الأصل من أزمات اقتصاديّة واجتماعيّة، تصبح السلبيّة هي الإطار الذي يتحكم في أحاديث الناس، حتى في معظم لقاءاتهم وتواصلهم اليومي.
السلبيّة هنا لم تعد مجرد وصف لنقيض الإيجابيّة، لقد تحولت السلبيّة إلى ظاهرة تشوّه الحياة الإنسانيّة، وتنزع من الأشياء الجادّة والمبادرات والجهود الرامية إلى التحديث والتطوير دسمها، بما تثيره حولها من جدل وشكوك ويأس وكآبة، حتى يبدو كلّ شيء وكأنه بلا فائدة، وذلك في غياب معيار أو مقياس للتقدم المُحرَز مقارنة بما كان قائما ومرفوضا!
لست في معرض الانتقاد لآراء محددة بعينها، فالرأي والرأي الآخر حق مشروع ومضمون ومفيد، ولكني أحاول تفسير الحالة التي أصبحت تطبع حياتنا اليومية في أبسط قضاياها وفي أعقدها، ويبدو أنه لا يمكن التعويل على التصريحات وحدها لشرح التوجهات والرؤى والأهداف؛ إذ لا بدّ من الحديث عن مخرجات ذات قيمة حقيقة، تعكس سلامة التفكير والتخطيط، والإدارة الإستراتيجيّة لشؤون الدولة ومؤسساتها العامة والخاصة، وعن قاعدة الحوكمة بأضلاعها الثلاثة: التشاركيّة، والشفافيّة، والمساءلة، والتقدم بها إلى الأمام بجديّة والتزام، وقوة واتزان. أما إذا كان أطراف المعادلة يقفون على المسافة ذاتها من الجدل، والتردد، والنقاش العقيم، وعدم اليقين؛ فإن السلبيّة في هذه الحالة ستتحول إلى جدران تحجب الرؤية، وتسدّ الطريق!