27-09-2021 03:24 PM
بقلم : داود عمر داود
ما جرى من تشكيل حلف عسكريّ جديد، مكون من أمريكا وبريطانيا وأستراليا، يمثل الخطوة العمليّة الأولى لتطبيق الاستراتيجية الأمريكية، التي وُضعت في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، وقضت بانسحاب الولايات المتحدة من أوروبا ومن الشرق الأوسط، كي تركز جهودها على صراع النفوذ بينها وبين الصين.
حرب باردة ضدّ الصين:
فلم تمضِ سوى أيام على انسحابها من أفغانستان، حتى سارعت الولايات المتحدة إلى نقل بؤرة الصراع الدولي إلى جنوب شرق آسيا، وبدأت بشنّ حرب باردة ضد الصين. وتزامن تشكيل الحلف الجديد، وإقامة مصنع للغواصات الأمريكية في أستراليا، مع إلغاء الأخيرة صفقةً لشراء غواصات فرنسية، بقيمة 65 مليار دولار، اتُّفق عليها منذ عام 2016.
الحلف الثلاثي:
وجاء الإعلان عن (الحلف الثلاثي) خلال مؤتمر قمة افتراضي جمع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، ورئيس وزراء أستراليا سكوت موريسون. وقد وصف جونسون الحلف الجديد بأنه (شراكة دفاعية ثلاثية جديدة تعرف باسم «أوكوس» AUKUS، بهدف العمل معًا للحفاظ على الأمن والاستقرار في المحيطَين الهندي والهادئ).
فيما أعلن الأسترالي موريسون عن إقامة مصنع للغواصات في مدينة (أديلايد) الساحلية جنوب أستراليا (بالتعاون الوثيق) مع أمريكا وبريطانيا. وسيتطلب ذلك نقل التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة إلى أستراليا، التي ستكون ثاني دولة تملكها بعد بريطانيا.
الهدف محاصرة الصين:
يستهدف الحلف الثلاثي محاصرة الصين، من جهة بحر الصين الجنوبي، الذي يدور حوله نزاع أمريكي – صيني، حيث تدعي الصين أنه من ضمن مجالها الحيوي. وفور تشكيل الحلف، أبرزت أستراليا نفسها خصمًا عسكريًا للصين، وقالت إنها ستعزز دفاعاتها العسكرية لمواجهة القوة الصينية المتنامية، بصواريخ كروز الأمريكية بعيدة المدى، وبتكثيف التواجد العسكري الأمريكي على أراضيها. وبذلك ستكون أستراليا من ضمن الدول التي اصطفت لتطويق الصين وهي: الفلبين، وتايوان، واليابان، وكوريا الجنوبية، وماليزيا، وإندونيسيا، حيث تتواجد في هذه المنطقة أكثر من 150 قاعدة عسكرية أمريكية.
تهاوي النظام العالمي:
إذا كانت فرنسا قد تلقت (طعنة في الظهر)، بإلغاء صفقة الغواصات، وتلطخت سمعة أسلحتها، فإن الطعنة الأشد هي في تخلي الولايات المتحدة عن التزاماتها بالدفاع عن القارة الأوروبية. حيث يشعر الأوروبيون الآن أنه (لم يعد هناك وجود لحلف شمال الأطلسي «الناتو» ولا وجود للأمم المتحدة ولا وجود لمعالجة الأزمات في الوقت المناسب)، كما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية. وهذه هي الركائز التي قام عليها النظام العالمي الحالي، منذ الحرب العالمية الثانية، وأصبحت الآن على وشك التداعي، من المنظور الأوروبي.
وقد أعاد هذا التطور إثارة مسألة (الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي)، بتشكيل قوة عسكرية قادرة على الدفاع عن القارة العجوز أمام الأطماع الروسية. وربما تكون تركيا، بعديد جنودها وترسانتها الحربية الحديثة، هي العضو الوحيد في حلف (الناتو) القادر على الوقوف في وجه روسيا.
عيوب الغواصات الفرنسية:
بررت أستراليا تخليها عن صفقتها مع فرنسا (لأن الغواصات الأمريكية تناسبها أكثر)، حيث إنها تعمل بالوقود العادي (البنزين). وهذا يضطرها للطفو على سطح الماء مرة كل عدة أيام، لأخذ قسط من الهواء للمساعدة في عملية احتراق الوقود. كما تضطر لدخول الميناء، مرة كل عدة أشهر، للتزود بالوقود، مما يُسهل اصطيادها من قبل العدو. أما الغواصات الأمريكية فتعمل بالوقود النووي، وتغطس لفترة طويلة، وتتجنب التعرض للضربات. وهذا يدل على مدى تقدم التكنولوجيا الأمريكية، إضافة إلى أهمية توحيد سلاح الحلفاء خلال الحروب.
خلاصة القول.. فرصة إنهاء التدخلات الخارجية:
بعد الحرب العالمية الثانية، اتخذت الولاياتُ المتحدةُ، الاتحادَ السوفييتيَّ عدوًا لها، وقامت بينهما (حرب باردة) متواصلة، وحروب ساخنة أخرى بالوكالة. وظلّ هذا العداء مدة 40 عامًا إلى أن انهار الاتحاد السوفييتي.
بعد ذلك انتقلت أمريكا إلى معاداة الإسلام بذرائع واهية، منذ 30 عامًا، شنت خلالها حربًا مدمرة تلو الأخرى على بلاد العرب والمسلمين. ولما أكملت انسحابها من أفغانستان، أعلن رئيسها بايدن أن العداء للإسلام قد انتهى، وأن حروب أمريكا العسكرية والفكرية عليه ستتوقف، وأن الصين أصبحت الآن هي العدو الأوّل لبلاده.
وفي حال كان بايدن صادقًا في التخلي عن العداء للإسلام، وغير مخادع، فماذا يعني انتقال بؤرة الصراع الدولي إلى جنوب شرق آسيا؟ والجواب أنه يعني انتقال الصراع خارج منطقتنا وهذا ربما يجلب معه فرصة سانحة للشرق الأوسط، تتمثل في أن يتمكن العرب والمسلمون من صد التدخلات الخارجية، واستغلال خيراتهم الوفيرة، وإعادة بناء بلادهم المنكوبة، والنهوض من كبوتهم المؤلمة. ويومها ربما يتحقق حلمُ الشاعر عمر أبو ريشة في أن يصبح لهم (منبرٌ للسيف أو للقلم).