29-09-2021 01:13 AM
سرايا - على الرغم من انخفاض جرائم العنف الأسري في العامين الماضي والحالي، غير أن ما يثير مشاعر المرارة، هو الارتفاع الملفت في نسبة العنف الموجه ضد الأمهات، تحديداً، وفق بيانات المجلس الوطني لشؤون الأسرة، التي أظهرت زيادة نسبة القضايا المرتبطة بهذا الأمر من 1.8 % العام 2019 إلى 2.5 % حتى نهاية شهر آب (أغسطس) الماضي، من مجمل قضايا العنف الأسري.
كما أظهرت البيانات ذاتها أن عدد جرائم القتل الاسرية التي وقعت منذ بداية العام الحالي حتى نهاية آب الماضي، بلغ 20 جريمة ذهب ضحيتها 22 شخصا منهم 12 انثى و10 ذكور، بين بالغين وأطفال، وفقا لمدير ادارة حماية الأسرة والأحداث فراس الرشيد.
وقال الرشيد خلال ندوة نظمها أمس المجلس الوطني لشؤون الاسرة حول الجرائم الاسرية أن العام 2020 شهد انخفاضا في جرائم القتل الاسرية، اذ بلغ عددها 28 جريمة ذهب ضحيتها 32 ضحية منهم 17 ذكرا و15 انثى، في حين بلغ عدد هذه الجرائم في العام 2019 نحو 36 جريمة.
وفيما يخص البلاغات المتعلقة بالعنف التي تصل الى الادارة، بين الرشيد خلال الندوة التي ادارها مساعد الامين العام للمجلس الوطني لشؤون الاسرة محمد الزعبي، أنه في العام 2020 ارتفع عدد البلاغات التي وصلت الى الادارة لنحو 55 الف بلاغ بالمقارنة مع 47 ألفا في العام 2019، في حين وصل عدد البلاغات العام الحالي حتى نهاية اب إلى نحو 37 ألفا.
وبين أن الزيادة في عدد البلاغات يعود بشكل رئيسي الى تعزيز برامج التوعية بأهمية التبليغ، فضلا عن طرح الادارة أدوات جديدة وغير تقليدية للتبليغ عن العنف، بما فيها استخدام وسائط التواصل الاجتماعي، موضحا ان الادارة تتلقى البلاغات اما وجاهيا او عن طريق الرقم 911، وكذلك أرقام هواتف الادارة المباشرة، الى جانب وسائط التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك”، "واتساب آب” و”انستغرام، والموقع والبريد الالكتروني للادارة والانتربول.
وقال: "الى جانب التوسع في وسائل التبليغ فإن الادارة شهدت كذلك توسعا في الاختصاص النوعي، اذ يشمل عمل الادارة الاعتداءات الجنسية، والعنف الجسدي، والاستغلال الجنسي للاطفال عبر الانترنت، والخطف المقترن بالاعتداء الجنسي، والعنف الاسري والاهمال الواقع على الطفل، إضافة إلى القضايا المرتكبة من قبل الاحداث، علاوة على مهمتين جديدتين هما قضايا الزنا وإفساد الرابطة الزوجية.
وبالتوازي مع التوسع في عمل الادارة، لفت الرشيد الى خطة تطوير عمل الادارة التي شملت مستويات استراتيجية وادارية وتنفيذية، لافتا الى استحداث شعبة جديدة في الادارة تحت مسمى "شعبة التسوية والتدابير” التي تهدف الى ايجاد حلول الوساطة والتسوية الأسرية تنفيذا لمتطلبات قانون الحماية من العنف الاسري في قضايا الجنح.
وتطرق إلى أوامر الحماية التي تم اصدارها من الجهات القضائية في قضايا العنف الاسري، مشيرا إلى أن عدد أوامر الحماية التي صدرت من القضاة في القضايا التي تم توديعها للقضاء العام 2020 بلغ (15) أمرا.
ويعرف امر الحماية بأنه تدبير مؤقت يصدر عن المرجع القضائي المختص وفق أحكام القانون بمناسبة النظر في قضايا العنف الأسري، ويهدف الى حماية الضحية وباقي أفراد الأسرة وأي شخص آخر يقدم المساعدة للضحية، وذلك لمنع استمرار العنف أو التهديد بتكراره.
وفي مجال التطوير الاستراتيجي، لفت الرشيد الى اعتماد الإطار الوطني للحماية من العنف الاسري من ضمن مرتكزات خطة مديرية الأمن الاستراتيجية واعتماد المصفوفة ذات الأولويات المعدة من قبل اللجنة الوزارية لتمكين المرأة كاساس للخطة السنوية لإدارة حماية الأسرة والأحداث.
ولفت الى ان الادارة تسعى الى التوسع في زيادة نسب العاملات من الاناث في الادارة تحديدا اللواتي يتعاملن مباشرة مع الحالات، لافتا الى انه خلال الفترة الماضية تم رفع هذه النسب لتصل الى 43 % بين فئة الافراد، في حين تصل النسبة الى 33 % بين الضباط والافراد، مشيرا الى السعي لرفعها لتصل الى 50 %.
واستعرض الاحصائيات المتعلقة بعمل الادارة، لافتا الى انه "رغم انخفاض قضايا الايذاء الجسدي على البالغات لنفس الفترة بمجموع 125 قضية الا ان الملاحظ ازدياد شكاوى العنف من الامهات بمعدل 13 حالة، حيث ارتفعت قضايا العنف ضد الامهات من 1.8 % العام 2019 الى 2.45 % في 2020، و 2.5 لغاية آب الماضي.
اما الشكاوى من قبل كبار السن فارتفعت من 71 شكوى في العام 2019 الى 97 شكوى في العام 2020 بنسبة 37 % وبمعدل 26 حالة.
وبلغت قضايا العنف ضد الزوجات 80 % العام 2019 وارتفعت الى 82 % العام 2020 ثم انخفضت الى 77.8 % لغاية آب الماضي، فيما ارتفعت قضايا العنف ضد الشقيقات من 1.4 % العام 2019 الى
2.4 % العام 2020 والى 3.3 % لغاية آب الماضي.
وتطرق الرشيد الى جزئية اسقاط الحق الشخصي في قضايا الايذاء البسيط ضمن الاسرة، مشيرا إلى نها بلغت نحو 68 %.
كما تطرق الى الارتفاع في نسبة الادانة في شكاوى الاغتصاب التي كان متوسطها 42 % لمجموع السنوات الأربع الاخيرة، وكان اعلاها للعام 2020 بواقع 58 %، وكذلك نسبة الادانة في شكاوى هتك العرض التي بلغت 45 % لمجموع السنوات الأربع الاخيرة، وأعلاها للعام 2020 بواقع 67 %.
ولفت الى ارتفاع بعدد المستضافات لحساب الادارة في الدور الايوائية بمعدل 90 حالة شهريا العام 2021 مقابل 61 العام 2020، و48 العام 2019.
من جانبها، تطرقت المفتشة في المحاكم النظامية القاضية سهير الطوباسي الى القوانين والتشريعات المتعلقة بالعنف الاسري، مبينة أن التشريعات النافذة والنصوص القانونية التي تعالج بعض أنواع من العنف الأسري في كل من قانون العقوبات وقانون الاحداث، وإن كانت تعاقب على الإيذاء بمختلف أشكاله إلا أنها لم تنص على إجراءات ملائمة لضمان تمتع الإنسان بحماية تامة وفعالة لكافة حقوقه الإنسانية وكرامته وأمنه وحريته وسلامته البدنية والنفسية، كما انها لا تمنح الجاني فرصة أفضل لإصلاح سلوكه بما يسهم في إعادة بناء العلاقات الأسرية على أسس سليمة.
وبينت الطوباسي ان القوانين التي تتعلق مباشرة بالجرائم الاسرية هي قانون العقوبات، وقانون الاحداث، واصول المحاكمات الجزائية، وقانون محكمة الجنايات الكبرى، وقانون الحماية من العنف الأسري.
واشارت الى ان خصوصية الجرائم الاسرية تنبع من كونها جريمة تقع داخل جدران مغلقة، فضلا عن طبيعة الضحايا وتضارب المصالح غالبا بين الضحية والاسرة، وقلة الخيارات والبدائل المتاحة لدى المعنفين، فضلا عن الجانب الاجتماعي، اذ من المعروف ميل الاسر الى اخفاء ما يتعرض له أولادها وخصوصاً البنات من اعتداءات جنسية خوفاً من نظرة المجتمع.
واشارت الى الخصوصية التي وفرها قانون الحماية من العنف الاسري، حيث تعتبر هذه المحاكمات سرية، وبالتالي يجب ان تكون جلسات المحاكمة سرية تحت طائلة البطلان، بينما جلسة النطق بالحكم علنية.
كما تتخذ قضايا العنف الاسري بموجب القانون صفة الاستعجال، اذ توضح الطوباسي أن المحكمة المختصة تباشر النظر في اي قضية بعد احالتها إليها مباشرة، ولا يجوز تأجيل الجلسات أكثر من ثلاثة ايام، الا اذا اقتضت الضرورة غير ذلك، ولاسباب تثبت في المحضر، ويجب ان تفصل المحكمة المختصة في قضايا الجنح التي لم تتم تسويتها او رفض قرار تسويتها او لم تتم المصادقة على قرار تسويتها خلال ثلاثة اشهر من تاريخ ورودها إلى قلم المحكمة.
من ناحيته، قدم قاضي المحكمة الشرعية العليا الدكتور اسماعيل نوح القضاة ورقة حول الأسرة الامنة، قائلا ان الجرائم الاسرية من زاوية شرعية تعتبر فعلا محرما شرعاً، ومن زاوية قانونية هي شكل من أشكال الجريمة، ومن زاوية اجتماعية هي خلل في قيام الأسرة بوظائفها المنوطة بها.
وعزا القضاة أسباب تحول الاسر الى اسر معرضة للخطر، إلى الجهل بالأحكام الشرعية التي تشكل إطار الحقوق والواجبات الأسرية، وتقديم بعض الأعراف الموروثة الخاطئة على الحكم الشرعي، والتأثير السلبي لبعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، من خلال ترسيخ بعض المفاهيم التي تمجد العنف وتجعل ممن يمارسونه أبطالاً.
واشار إلى اشكالية انتشار بعض المفاهيم المغلوطة حول العنف مثل أن "القوامة تعني الحق في ممارسة العنف، أو أن الرجولة تتجلى في ممارسة العنف، وأن العنف وسيلة لحماية الشرف”.
وتطرق إلى دور دائرة قاضي القضاة في مواجهة العنف الأسري وذلك من خلال الدور التوعوي عبر عقد دورات للمقبلين على الزواج، وتوفير مكاتب الإصلاح والوساطة والتوفيق الاسري، التي تقدم الاستشارة للأفراد والأسر الذين يرغبون بتلقي النصح والتوجيه ولو من غير وجود دعوى، من خلال مجموعة من المتخصصين في الحقول العلمية التي تعنى بالأسرة، وفي إطار من السرية والحفاظ على حرمة الأسرة.
وتحدث عن الدور القضائي في العنف الأسري الذي قد يكون موجباً للتفريق بين الزوجين، وقد يكون موجباً لنقل حضانة الطفل من الحاضن الذي يعرضه للخطر، فضلا عن النيابة العامة، من خلال البلاغات التي تصلها ممن يطلع على بعض حالات العنف الأسري الذي يتعرض له الأطفال.
من ناحيتها، تطرقت خبيرة الإعلام والاتصال عنود الزعبي الى اثر التكنولوجيا ووسائل التواصل في زيادة ظاهرة العنف، لافتة الى ان "مشاهدة مشاهد العنف ولفترات طويلة تدفع بالاشخاص ليكونوا اكثر عنفا”، فضلا عن اثر الالعاب الالكترونية في زيادة ردود الافعال العنيفة لدى الأطفال والبالغين.
ودعت الزعبي الى ضرورة رفع الوعي بسبل الوقاية الرقمية وحماية الاطفال من ان يتم استغلالهم والاساءة اليهم عبر الانترنت، او إكسابهم ممارسات سلبية بسبب متابعة تطبيقات او فيديوهات لا تناسب أعمارهم او أن محتواها غير مناسب.
الى ذلك تضمنت الندوة عرضا لنتائج استطلاع رأي اجراه المجلس وشمل نحو 200 مستجيب، حيث اعتبرت النتائج أن 94 % من المستجيبين يرون أن العنف الأسري ارتفع خلال الاونة الاخيرة، فيما رأى 64 % من المستجيبين أن العقوبات غير رادعة بحق مرتكبي هذا العنف، في حين قال 76 % ان جائحة كورونا تسببت بزيادته.