04-10-2021 03:46 PM
بقلم : المحامي علاء مصلح الكايد
منذ شهور عدة، تنبّأت عبر مقالتين أن التحشيد ضد الأردنّ عموماً وشخص جلالة الملك على وجه الخصوص سيتصاعدا، فمن كان يظنّ أن الهجوم على المملكة وقيادتها إنتهى بتغيُّر الإدارة الأمريكية لا يمتلك النظرة السياسية الشاملة.
فهناك من المؤسسات والأجهزة من يدرك أكثر من غيره أن سموم السياسة مستمرة، لا بل إن السياسات بين الدول قلّما تجد طريقها في الصفاء والنقاء، ويستطيع المتتبّع لمسارها أن يصل إلى هذه الحقيقة، وأن الأطماع تستبيح كل ما يمكن إستباحته لأهداف شتّى ليس أوّلها زعزعة الإستقرار ولا آخرها التمدد على الساحات الدولية.
وبالعودة للقنبلة الإعلامية الموجهة، مضموناً وتوقيتاً، لا بد من مطالعة الصورة الكاملة للمناخ الذي جائت فيه والسياق الذي سَعَت إلى عرقلته.
فنحن اليوم، ومنذ دخول مملكتنا مئويتها الثانية على وجه الخصوص، إلتقطنا إشارات ملكية متعددة توحي بإنفراجات سياسية وإقتصادية، وحراك أردنيٌّ داخليٌّ وخارجيّ يهدف إلى تعاون عربيٍّ مع بضعة من الأشقاء إستغلالاً للعوامل الجغرافية إقتصادياً، كما تزامن ذلك مع صفحات بيضاء جديدة على مستوى ما سمّي بالمعارضة وكذلك تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي كسرت العديد من التابوهات وأزالت متاريساً تقليدية وقفت في وجه التعددية والتقدم السياسيّين مراراً، ولن يكون التوجيه الملكي بالعفو الخاص عمّن أساؤوا للمقام السامي آخر تلك الإجراءات، ويأتي ذلك كله في الوقت الذي يشهد العالم العربي موجة جديدة ممّا سمّي بالربيع العربي، وهذا الدليل على خصوصية الأردن وسيره عكس التيار ليس بمرغوب لدى قوى عديدة راهنت كثيراً على تحطمه.
وعودة على المنشور من تقارير، يظهر جليّاً إنتقائيّتها ومحاولتها اليائسة لضرب أوتارٍ صلبة وتزداد صلابة، فلو كانت إحصائية شاملة لثروات زعماء لما تسرب الشكّ إلى مصداقية غاياتها، كما أنها حملت مقارنات ضمنية منتقاة غير منطقية، فكيف تتم المقارنة بممتلكات عائلة حاكمة لها أصولٌ تاريخية في دولٍ عدّة وكان لبعض أفرادها حكمٌ إمتد من الحجاز حتى العراق مع آخرين أقصر عمراً في الحكم غير المتوارث، كما أن الشفافية إذ تقتضي حصر الممتلكات حول العالم ليس في بقع جغرافية دون غيرها حتى نكون أمام مادة سليمة من حيث الهدف والمعلومة صالحة للمقارنة بين الحكّام، وقد تكفي الإنتقائية هنا للدلالة على ما سبق ذكره من مآرب بعيدة عن البراءة.
أما مسألة التعدّي على المساعدات والمعونات فلا تعدو عن كونها قنابل إعلامية تجانب الواقع والمنطق السليم، فتلك المساعدات تمرّ بمصفوفة طويلة دقيقة من الإجراءات ومسك الدفاتر الخاصة بها كما أنه لدى الجهات المانحة تدقيقاً دوريّاً لاحقاً، ولو صحّ شيء من ذلك لتوقفت تلك المعونات والمساعدات والقروض بينما هي مستمرة العام تلو الآخر وهذا دليل آخر على كذب الإدّعاء والمعلومة، وعلى نزاهة النظام الأردني التي لم تكن يوماً محلّ شكّ.
ولعل ذاكرتنا القصيرة قد أنستنا تبرع جلالة الملك من جيبه الخاص لصندوق همة وطن ووزارة الصحة وصندوق عمال المياومة وترميم الجامع الحسيني وترميم قبر المسيح عليه السلام، عدا عن الكثير من التبرعات المعلنة وغير المعلنة التي يباشرها جلالته من جيبه الخاص بعيدا عن خزينة الدولة التي تنازل عن مخصصاته الدستورية فيها لصالح الوطن منذ زمن.
إن فيما نشر دليلاً على أكاذيب سبق وأن نشرت حول ثروات جلالة الملك، وربما أن المنشور الأخير يؤكد أن جلالته ليس من بين أعضاء قائمة مليارديرات العالم كما أشيع! كما أن الإرث الهاشمي الممتدّ والذي يبلغ عمره أكبر من عمر الدولة دليل آخر على معقولية ومنطقية هذه الممتلكات التي يحوز أفراد خارج إطار الحُكم أضعافها المضاعفة، كما يحوز حكّامٌ قصوراً عدّة في دولهم عدا عما هو خارجها.
لقد قدّر الله لي وأن أقرأ في تاريخ منطقتنا السياسي والعديد من دول العالم، وكلّما أمعنت فيه كلّما تأكد لي أن كل شيء قابل للسكون إلّا المؤامرات بين الدول وأذرعها المباشرة غير المباشرة التي تستخدمها في ذلك، ولم يكن الأردنّ كما لن يكون بعيداً عنها في يوم من الأيام، بل إن العامل الجيوسياسي والتاريخي يجعلان منه الهدف الدائم والأول.
الخلاصة، مهمٌّ جدا أن نعي محاولات النيل القادمة والتي قد تتجاوز هذا الحد، فالأردن القابض على جمر الوصاية الرابط بين أوصال وطنه العربيّ المرتخية المبادر لإحياء أواصر التعاون الساعي نحو التحديث وتعزيز قيم المواطنة الجامعة هدفٌ قديمٌ جديد، وقيادته مستهدفة طرديّاً بقدر ما تتقارب مع شعبها، وبقدر ما تسعى لتحسين معيشته وصون كرامته.
حمى الله الأردن قيادة وشعبا.