05-10-2021 10:22 AM
بقلم : خلدون مدالله المجالي
ثمة مسلمات تتعلق بمرتكزات العمل السياسي في اية دولة تتصل بفكرة الإصلاح لا تقبل التغافل عنها او تركها رهينة للنقاش الادبي بوصفها الأساس الذي يُبنى عليه تحديث المنظومة السياسية والتحول نحو الدولة المدنية بكل تجلياتها، فقبل ان نتفق على أن فكرة أن الإصلاح السياسي في أية دولة تحتاج لحاضنة شعبية خصبة تسهم في احداث التغيير الإيجابي بالاعتماد عليها والاستثمار في ثقافتها المتأصلة للوصول للتغيير المنشود والانتقال للديموقراطية الحقيقية يلزم من باب أولى اخضاع تلك الحاضنة للتقييم والتأهيل كخطوة أولى في مشوار التحول الديموقراطي.
اليوم وبعد 100 عام على تشكيل الدولة الأردنية ما الذي تغير على ثقافة الحاضنة الشعبية لجعلها جديرة بالإصلاح والمطالبة فيه، اليوم المشهد مليء بالاشتباك وفقدان الثقة بين الرأي العام- بوصفه السواد العريض للحاضنة الشعبية- وبين الحكومات المتعاقبة رؤساء ووزراء أبناء الشعب ايضاً!!، حكومات متعاقبة يتم تشكيلها جغرافياً استجابةً للضغط المناطقي مما لا يخفى على أي مشاهد للشأن المحلي، هناك دوماً حالة من ( الحرد والزعل ) تلازم محافظات بأكملها لا يدخل ابناءها في الفريق الحكومي، الذهنية الشعبية تعتبر المنصب الوزاري غنيمة وتشريف خارج حسابات التكليف الأمر الذي يفسر ظاهرة تلقي التهاني والتبريكات، ذات الأمر يفسر ميل كثير من الوزراء ورؤساء الحكومات لتركيز الاعمال والمشاريع في محافظاتهم على حساب باقي مناطق الوطن باعتبار ذلك استحقاقاً دستورياً وحقاً مكتسباً للمحافظة الأم.
المشهد الانتخابي هو الآخر يرتبط بمخرجات الحاضنة الشعبية( التي تطالب بالإصلاح)، السواد الأعظم ليس لديه القابلية في التخلي عن رواسب القبلية والمناطقية لاختيار نائب بحجم الوطن يتحلى بالقوة والأمانة والحضور النوعي داخل أروقة السلطة التشريعية، الهويات الفرعية تتعاظم على حساب الهوية الوطنية الجامعة، نائب الحارة والمخيم يكسب الرهان على ثقافة الحاضنة الشعبية على مر الأعوام، الكنافة والمنسف تصلح كبرنامج انتخابي ما زالت والمال السياسي لم يصبح ظاهرة يتم الحديث عنها لولا وجود الجيوب المتعطشة له، وظيفة نائب الخدمات نسخت نائب الرقابة والتشريع، كل ما ذكرت مهم لكن الأهم يتمثل باعترافنا بحقيقة ان الفساد النيابي والحكومي نتاج فساد مجتمعي ايضاً.
على وقع احداث الربيع العربي المشؤوم تصدّرت شعارات الإصلاح ومكافحة الفساد كل المسيرات والاعتصامات المترامية الوجود، بدا ان اليافطات باتت نسخة مكررة شعارها مكافحة الفساد والضرب بيد من حديد على الفاسدين، الجميع ينتظر خبراً لا يبقي للفاسدين أثراً خاصةً في المحافظات الفقيرة والغالبية هناك ايضاً حشدوا الجموع لاستقبال أحد المشبوهين على اهازيج ( يا... لينا وحقك علينا ) البقية منهم لم تمارس الاستنكار عالأقل وفضلت السكوت، المشهد مليء بالتناقض والتشفي وممارسة النميمة السياسية والردح على الدوار، الغالبية تؤيد مكافحة الفساد خارج نطاق دفتر العائلة والهوية الفرعية، المسؤول ( ابن الشعب) ينتظر دعماً سياسياً لكي يبدأ بواجبه الرقابي والوظيفي-المعين بموجبه اصلاً- وباقي المحتجين قاسمهم المشترك اردن خالي من التجاوزات في( كبسة زر)، الانتقال للمدينة الفاضلة ينتظر قرار ربما يشبه صيحة عاد وثمود والكل يجهل أدوات القرار ومراحله وابجدياته القانونية، الجميع يتحدث عن الحالة المرضية التي يمر بها الوطن بانتظار العلاج المفاجيء والجميع لا يملكون الشجاعة لاعطاء التشخيص الحقيقي للمرض وأسبابه قبل القفز لمرحلة العلاج، حتى رؤوس المعارضة في كافيهات اللويبدة-أبناء الحاضنة الشعبية- مثّلوا المحتجين ثم مثّلوا عليهم وخرجوا من بينهم ثم خرجوا عليهم ثم سكتوا بمناصب حين اتخذوا المعارضة كمصدر دخل.
تناول الحاضنة الشعبية كأحدى المرتكزات الرئيسية لعملية الإصلاح من الضرورة بمكان لتشخيص أسباب التراجع في العملية الديموقراطية، فحتى يكون الشعب مصدراً للسلطات لا بد من فحص وتشخيص المصدر للتأكد من جاهزيته وسلامة بنيته الثقافية والسياسية للبناء عليه في اية عملية سياسية وتحول حقيقي نحو المدنية ودولة القانون ( العميقة)، ثقافة القانون المتجذرة هي التي تشكل الدعم النفسي الكافي نحو اتخاذ القرار الوظيفي على اختلاف درجاته بلا وجل وخوف من الضغوطات، موظفي الدولة في المؤسسات الأوروبية مثلاً ليس لديهم القابلية لتجاوز القانون مقابل التعليمات فهم أبناء حاضنة شعبية ناضلت النفس والهوى والثقافة الهدامة لافراز رجال الدولة الحقيقيين ونواب الأحزاب الحاكمة، فالديمقراطية تصلح للشعوب الحية التي تُعلي الوطن ولا شيء سواه.
المقولة التي تتكرر بان الإصلاح يحتاج لارادة سياسية، تتعامى قصداً عن حقيقة ان الإصلاح أساساً وقبل كل شيء يحتاج لارادة صادقة من الحاضنة الشعبية أولاً.
الأحزاب، مؤسسات المجتمع المدني، النواب، النقابات، الشعب، الرأي العام، الحكومات، باختصار شديد: الكل يطالب الكل بالإصلاح والمشكلة لا تزال ترواح مكانها في ذات الحاضنة الشعبية.
للحديث بقية.....
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
05-10-2021 10:22 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |