11-10-2021 11:18 AM
بقلم : محمد يونس العبادي
في كتابه "فرصتنا الأخيرة" يفرد جلالة الملك عبدالله الثاني، مساحة للقدس، وما تحمله من معانٍ ودلالات في فكر ملوك بني هاشم، والفكر الأردني السياسي.
إذ يقول جلالة الملك، إنّ "اسم القدس يحمل معناه في صُلبِه، إنها بيت المقدس". واستيلاء إسرائيل على القدس في العام 1967م، هز ضمائر العرب والمسلمين في أرجاء المعمورة، وقد جرى التعبير عن مشاعر الغضب والحزن على خسارة القدس في المظاهرات والمسيرات، كما في الشعر والأدب. لقد أسرت فيروز، التي رنمت القدس ومكة كما لم يرنمها أحد، قلوب ملايين العرب عندما صدحت بصوتها الساحر معلنة الحزن على "زهرة المدائن"، رائعتها التي لا تزال تهز المشاعر والقلوب..".
جلالة الملك عبدالله الثاني، رسم صورةً للقدس ومعانيها في وجدان ملوك بني هاشم، إذ يقول "المكانة التي كانت للقدس في قلب والدي لم تكن لسواها، لقد باع منزله في لندن أوائل التسعينات القرن الماضي، ليتمكن من إصلاح الغطاء الذهبي لقبة الصخرة، كما أنني فخور بالعمل الذي قام به المهندسون والحرفيون الأردنيون في إعادة بناء منبر صلاح الدين الذي كانت قد دمرته قنبلة حارقة ألقاها في المسجد، صهيوني متطرف في العام 1969م".
إنّ هذا الدور الموصول لملوك بني هاشم تعزز في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، وهو ما نقرأه بالقول "إنني أولي مسؤوليتي في الحفاظ على الهُوية العربية للقدس ورعاية الأماكن المقدسة فيها أعلى درجات الجدية. تتعرض هوية القدس لخطر وتهديد كبيرين من الإجراءات الإسرائيلية الأحادية المستهدفة تهجير المسلمين والمسيحيين من المدنية. لا ينسين أحداً أنّ القدس أشبه ما تكون ببرميل من البارود يمكنه تفجير المنطقة برمتها وإشعال مشاعر الغضب في كل أرجاء المعمورة..".
لقد وصف جلالة الملك عبدالله الثاني، هذه الممارسات الإسرائيلية بأنها "تهدد العلاقات الأردنية – الإسرائيلية وتحمل خطر تدمير كل جهود تحقيق السلام في المنطقة".
ومن المواقف التي يذكرها كتاب فرصتنا الأخيرة، ما فعله شارون، زعيم حزب الليكود عندما أعلن في أيلول من العام 2000م، عزمه زيارة الحرم الشريف الذي يسمونه اليهود "جبل الهيكل"، ويشرح الأبعاد الخطيرة لهذه الزيارة، بما حملته من تهديد لعمران المسجد الأقصى، حيث "رأى كثير من المسلمين في خطوة شارون، التي جاءت ضمن خطة مسبقة .. لانتهاك أكثر المواقع الإسلامية قداسة".
إذّ شهد اليوم التالي امتداداً لرود فعل فلسطينية غاضبة من الانتهاك الاستفزازي الذي قام به شارون، وراحت الأحداث تتوالد وتمتد، ويلفت النظر جلالة الملك عبدالله الثاني، إلى "النجار الفلسطيني جمال الدرة الذي وجد نفسه عالقاً، مع ابنه محمد ذي الأثني عشر ربيعاً في وسط ساحة الصدام، فيما كانا يحاولان الاحتماء وراء أحد الجدران إذا بزخات الرصاص تنهمر عليهما". في مشهد التقطقته كاميرات التلفزة.
يقول جلالة الملك "لقد جسدت هذه الصورة، لمسلمي العالم من أقصاه إلى أدناه مدى الوحشية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين".
ويروي جلالة الملك عبدالله الثاني، جانباً من محاولاتٍ ومبادرات لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بناءً على ما طرحه الرئيس الأميركي بيل كلينتون عام 2000م، وكيف لم تصل هذه المبادرة وغيرها إلى نتيجة، وكيف أنّ "نقاط الخلاف أوقفت المفاوضات والفشل الذي انتهت إليه تفاعلت مع تداعيات زيارة شارون الاستفزازية للحرم الشريف".
إنّ هذه المذكرات، والتي حملت عنوان "فرصتنا الأخيرة: السعي نحو السلام في زمن الخطر"، توثق لجانبٍ مهمٍ من الفكر السياسي الأردني، وتشرح توجهات راسخة بشرعية الدين والقيادة، والعروبة، والجغرافيا، فالقدس هي جوهر الصراع، وهي مفتاح الحل، والخطاب الملكي أسس لهذه المفاهيم اليوم في منطقتنا، ولطالما كانت هذه الأدبيات هي التي تحكم أيّ توجهٍ أردنيٍ يسعى لحلٍ عادل للقضية الفلسطينية، ويصون المقدسات وهويتها العربية والإسلامية والمسيحية.
لقد قدم، ملوك بني هاشم، لأجل القدس، وعدالة قضيتها، الكثير، وما زلنا ندون في الحاضر، مواقف جلالة الملك عبدالله الثاني، في سبيل عروبتها، وأحقية تحقيق العدالة في منطقتنا. فالقدس بالنسبة للأردن، هي "جوهر الصراع" بحقٍ، وبموقف، وبتاريخٍ وحاضر.