12-10-2021 09:34 AM
سرايا - على ضفاف بحيرة تاريخية، تقع مدينة طبريا إحدى أقدم المدن الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1948، والتي تتمتع بمكانة دينية مهمة، حيث كانت مقصداً للسياح المسيحيين في كل وقت، فالكنائس التي يعود تاريخها إلى مئات السنين تمتزج فيها المناظر الطبيعية، لتعطي طبريا جاذبية خلابة.
القادم إلى مدينة طبريا المحتلة تلامس ناظريه طبيعتُها الخلابة في كل مكان يقع عليه بصره، ففي تلك المدينة المحتلة يمكن لك أن تشاهد أجمل المناظر في فلسطين، وذلك من خلال وقوفك على البقعة الواقعة على طول ساحل بحيرة طبريا الغربي، وعلى مسافة نصف ميل من هذه البقعة، ترتفع شرقي البحيرة جبال الجولان، لتتنسم روحك مناخها الجميل واللطيف على مدار فصول السنة.
حكاية تاريخ
تعد مدينة طبريا من أقدم مدن فلسطين التاريخية، وذات تراث وذكريات، شأنها شأن أي مدينة فلسطينية، بل هي حكاية تاريخ وأرض سُلبا، وشعب هُجّر من أرضه، ومعالم أثرية وحضارية استوطنت فيها عصابات القتل الصهيونية.
وتقع مدينة طبريا في الجزء الشمالي الشرقي لفلسطين، وتطل على شاطئ بحيرة طبريا الغربي، وتتمدد على سهل منبسط غني بالغابات الجميلة، وقد شكل موقعها منذ إنشائها مركزاً تجارياً وعسكرياً وسياحياً مهماً، فهي تقع على الطريق التجاري الذي يبدأ من دمشق، مروراً باللجون وقلنسوة واللد، مواصلاً اتجاهه عبر أراضي أسدود وغزة ورفح، فسيناء ومصر.
فيما تعد بحيرة طبريا من أجمل معالم المدينة، فهي بحيرة ذات مياه عذبة، وتعد أكثر بحيرات المياه العذبة انخفاضاً، وثاني مسطح مائي في العالم انخفاضاً بعد البحر الميت، وتشتهر البحيرة بالأسماك الوفيرة، والمياه المعدنية التي يؤمها السياح من كل مكان.
ويرجع قيام بحيرة طبريا إلى وجود الصخور البازلتية، حيث يبلغ طول البحيرة 21 كيلومتراً، ويتراوح عرضها بين ثلاثة كيلومترات ونصف الكيلومتر، وبين خمسة كيلومترات.
ذكريات لن تموت
كل من ولد وعاش في طبريا كانت له فيها ذكريات لا تنسى، لا يمحوها الزمن مهما تعاقبت الأجيال، فطبريا بالنسبة لأهلها مدينة فريدة بجمالها وتاريخها وآثارها، فكل ذرة تراب من أرضها وكل قطرة ماء من بحيرتها كنز مقدس.
الحاج محمد سعيد مراد، من مواليد مدينة عيلبون في طبريا عام 1933، مازال يعيش في مدينة الجمال طبريا، ومازالت ذكرياته فيها باقية بقاء المياه العذبة فيها.
«الإمارات اليوم» التقت الحاج مراد الذي عاد بنا 69 عاماً إلى الوراء، حيث يقول «في عام 1948 كان عمري 16 سنة، والبلد من الجنوب كان فيها زيتون، وهناك كان جيش الإنقاذ يضع قوة كبيرة في كل المنطقة، لكن القوات الصهيونية اقتحمت مدينتنا، وارتكبت مجازر كثيرة، وبعد ذلك هجرنا إلى مخيمات اللاجئين في عين الحلوة وغيرها».
تجفيف
بعد النكبة تغيرت معالم طبريا، خصوصاً المنطقة الشمالية، حيث هدم الاحتلال الأحياء العربية، لتحل محلها الحدائق والمتنزهات العامة والفنادق والمباني الحديثة، وأقيمت مستعمرة «كريات شمونة»، وأنشأت حياً سكنياً جديداً على المرتفعات الغربية، المطلة على حمامات طبريا الممتعة. |
يتعمد الاحتلال استنزاف بحيرة طبريا وحوض نهر الأردن، من خلال مشروعاته المتواصلة في هذا الإطار، فقد بدأت شركات إسرائيلية، أخيراً، تجفيف مقاطع من شواطئ بحيرة طبريا الجنوبية والشمالية، التي تسيطر عليها تلك الشركات، وتقدر مساحتها بمئات الدونمات، بهدف إنشاء مرافق سياحية وفنادق.
وبحسب الحاج مراد، تجري عمليات التجفيف بموافقة جميع الجهات الإسرائيلية الرسمية، بما يتلاءم مع مخطط بلدية الاحتلال في طبريا، فقد أصدرت البلدية تراخيص بناء في إطار أعمال التجفيف الجارية، كما ستنشئ في إطار المشروع ذاته المدمر للبحيرة، متنزهات عامة في محيط مقاطع الشاطئ الجاري تجفيفها.
ويقول المهجّر الفلسطيني من طبريا «إن هذا التخريب الإسرائيلي لبحيرة طبريا يضاف إلى استنزاف إسرائيل وتدميرها لحوض نهر الأردن، خلال العقود الأخيرة، الذي يشمل بحيرة طبريا، فقد حجب الاحتلال جريان المياه العذبة نحو النهر، ومازال يحول أكثر من نصف كميات الجريان المائي إلى وجهات أخرى.
ويوضح الحاج مراد أن الجزء الجنوبي من نهر الأردن، يعد من أكثر المسطحات المائية تلوثا في فلسطين، إذ إن إسرائيل حولته إلى نهر فقير بالمياه، ومشوه المعالم، كما جففت منابعه وروافده التي دأبت على سرقتها وتحويلها إلى صحراء النقب، لأغراض استيطانية، أما الجريان المائي البارز، الذي يمكن ملاحظته في الجزء الجنوبي من النهر، فهو تدفق للمياه العادمة.
تهويد وتزوير
صور طبريا القديمة وذكريات الطفولة لم تفارق مخيلة الحاجة رضية عيد، من مواليد طبريا عام 1929، رغم مرور عشرات السنين، حيث تقول «قبل عام 1948 كانت طبريا عبارة عن شريط ساحلي يضم محطة زوارق، وجامع الزيداني، من المسلخ وحتى الحمامات المعدنية، بينما كان القسم الغربي لطبريا يتوجد فيه أرض المقاطع التي استخدمت لقطع الحجارة والأراضي الزراعية، وكان قضاء طبريا يضم 26 قرية، منها، الدلهمية - كفر كما، كفر سبت، عيلبون، لوبيا، معذره، المغايرة».
وتضيف: «بعد النكبة تغيرت معالم المدينة، خصوصاً المنطقة الشمالية، حيث هدم الاحتلال الأحياء العربية، لتحل محلها الحدائق والمتنزهات العامة والفنادق والمباني الحديثة، وأقيمت مستعمرة «كريات شمونة»، وأنشأ حياً سكنياً جديداً على المرتفعات الغربية المطلة على حمامات طبريا الممتعة.
كما عمد الاحتلال، بحسب الحاجة رضية، إلى إنشاء المتاحف وتحويل المساجد والكنائس إلى مقاهٍ وحظائر للحيوانات، كما قام الاحتلال أخيراً ببناء مجمع آثار يضم ما يزعم أنه تاريخ اليهود القديم.
وتؤكد الحاجة رضية أنه رغم التدمير الهائل الذي لحق بالمدينة، والتزوير الكبير لمعالمها، بقيت طبريا عربية عصية على التغيير والتزييف، ومازال أهلها باقين فيها حتى يتم تحرير آخر ذرة تراب من فلسطين.
وتعكس الحالة الراهنة للمعالم التاريخية في مدينة طبريا داخل أراضي 48 مأساة المقدسات الإسلامية في فلسطين، التي تتعرض لاعتداءات الاحتلال الصهيوني والمتطرفين اليهود منذ النكبة وحتى اليوم، ففي طبريا، وهي المدينة الفلسطينية الأولى التي سيطر عليها الصهاينة في أبريل 1948، تتواصل عمليات تدنيس ونبش القبور الإسلامية على يد وزارة المواصلات الإسرائيلية من أجل توسيع المقبرة اليهودية الملاصقة وشق شارع عبر المقبرة الإسلامية «التحتي».
معالم أثرية
يوجد في مدينة طبريا الكثير من المعالم التاريخية التي تظهر عراقة المدينة، ففيها آثار المساجد والكنائس والمعابد، بالإضافة إلى الآثار المعمارية مثل السرايا، والقباب والعيون وغير ذلك، ومن أبرز معالمها الجامع الكبير الذي بناه ظاهر العمر الزيداني في القرن الـ18 الميلادي، ويعرف بالجامع الزيداني والجامع الفوقاني، بالإضافة إلى جامع الجسر الذي يقع في الحارة الغربية، كما يوحد أسوار المدينة القديمة، وهناك الكثير من الآثار الرومانية.
وللحديث عن المعالم الأثرية في طبريا، التقت «الإمارات اليوم» الباحث الأثري من طبريا، وليد الأطرش، حيث يقول «إن العباسيين أعادوا بناء مدينة طبريا بعد أن تهدمت جراء هزة أرضية مدمرة وقعت في 18 يناير عام 749 ميلادية، وشكلت طبريا في العصر الإسلامي عاصمة جند الأردن، وشهدت ازدهاراً استثنائياً في العهد العباسي، من الناحيتين الكمية والكيفية، لكنها بلغت أوجها في الفترة الفاطمية.
ويوضح الأطرش أهمية الموجودات الأثرية في طبريا، وذلك لإظهار مكانة البلدة الفلسطينية في الفترة الإسلامية، كونها عاصمة جند الأردن، حيث شكلت مركزاً تجارياً ثقافياً وسياسياً للمنطقة.
وكانت سلطة الآثار الإسرائيلية قد أجرت عمليات حفر في طبريا، أخيراً، بهدف التطور السياحي، وبحثاً عن آثار رومانية وبيزنطية ويهودية، بينما كشفت هذه التنقيبات عن آثار وموجودات من العصور الإسلامية في مدينة طبريا داخل أراضي 48، وتعد هذه الآثار مهمة لفهم تاريخ المدينة الفلسطينية، خصوصاً في عصرها الذهبي خلال العهدين العباسي والفاطمي.
وعن ذلك يقول الباحث الأثري إن الحفريات كشفت عن بناء أحياء على مستوى عالٍ من التخطيط المدني في طبريا، كما أن الخليفة العباسي هارون الرشيد، ومن بعده نجله المأمون، كان أول من بدأ الثورة العمرانية بشكل عام وفي طبريا على وجه الخصوص، لافتاً إلى اكتشاف عشرات الدنانير الذهبية التي تحمل اسمه خلال التنقيبات.
Posted by on ...