25-11-2021 09:25 AM
بقلم : محمد يونس العبادي
من بين أوراق الصحف العربية الأولى، تُطالعنا صحيفة الحياة الصادرة بالقدس، بتقرير لمندوبها مؤرخ بـ 30 أذار 1931م، تحت عنوان "النهضة الاقتصادية في شرق الأردن"، ويلقي هذا التقرير الضوء بعض من ملامح تاريخنا الاقتصادي في بواكيره.
ويقول كاتب التقرير الصحفي: "إنّ هذه النهضة الاقتصادية التي أخذت تبدو معالمها في هذا الشرق العربي، تتمشى نحو التقدم والرقي ساعة بعد ساعة، وأعتقد أنها نهضة مباركة ترتكز على أساس متين جداً، ولذلك لا يمكن أن ترى الأمة تمشي القهقرى ولا بد من استمرارها في التقدم..".
ويشير إلى تأسيس أول شركة مساهمة في عمّان، وهي "شركة التبغ والسجاير الأردنية، برأسمال يقدر بـ 12 ألف جنيه فلسطيني، موزعة على 12 ألف سهم وتبلغ قيمة كل سهم جنيه، يدفع على أربعة أقساط، ويحق للجنة العمومية أن تزيد رأس المال عند الايجاب".
أما مراسم التدشين لهذه الشركة، "فقد كانت يوم الثلاثاء الواقع في 24 الجاري يوم الاحتفال بتأسيس هذه الشركة، وعند الساعة الثالثة والنصف مساءً كانت حديقة المنشية تعج بآلاف الخلق من وجوه وتجار وموظفين وزارع وعمال وغيرهم. وكانت في وسط الحديقة الأعمدة حاملة لواء العروبة وصدر الحديقة مزين بالسجاد وبصورة مكبرة لسمو الأمير عبدالله، وكانت هنالك مقاعد خاصة بسمو الأمير وكبار المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الحكومة والوزراء وكبار الموظفين".
وتتابع الصحيفة في وصف مراسم تدشين الشركة "تصدر سمو الأمير طلال ولي العهد، وكان على يمينه الأستاذ الشيخ الجليل عبدالله سراج وعن يساره سكرتير الحكومة توفيق أبو الهدى"، وتضمي إلى تعداد الحضور ذاكرة بينهم: عمر حكمت ، وعبدالقادر الجندي، وحيدر شكري، وأديب الكايد، وعبدالستارالسندروسي، وطاهر الجقة وعبدالرحمن الغريب وغيرهم.
وتنقل الصحيفة، بعضاً من أجواء الاحتفال بتأسيس هذه الشركة، قائلة "تردد الألسنة أن عمّان لم تشهد يوماً أروع من يوم أمس، إذ عطلت جميع الأعمال عند ابتداء الحفلة، وانقطعت حركة السيارات وكانت العاصمة بجميع من فيها شاخصة نحو المنشية هاتفة للشباب الذين عرفوا موضع الداء وتشبثوا للحصول الدواء"، إذّ رأت الصحيفة بأنّ من أقدموا على تأسيس هذه الشركة المساهمة يؤسسون لنهضة اقتصادية في البلاد.
وتقول الصحيفة إنّ الحفلة بتأسيس هذه الشركة افتتحها عادل بك العظمة وتلاه الدكتور الأديب خالد بك الخطيب، فألقى كلمة كان لها أجمل وقع في النفوس وقوبلت بعاصفة من التصفيق الحاد، والهتاف المتواصل، ثم تكلم الخوري الضرغام، وهو شاعر لبناني، وألقى قصيدة نثرية.
ورأت الصحيفة في أن تأسيس هذه الشركة سيسهم بتحسين حياة الفلاح الأردني آنذاك، بقولها "باسم أولاد الفلاح الذين عضهم الجوع بنابه، وغمر البؤس سقف بيته، هؤلاء المساكين الذين كانوا بالأمس باكين أصبحوا اليوم ضاحكين إذ وجدوا فئة من الأمة تقدم لهم السعادة والرغد، فباسم هؤلاء نشكر الهيئة المؤسسة، ونؤكد لها أن الأمة تقدر لإحياء اقتصادياتها وتشجيع مصنوعاتها، من الأثر العظيم في استقلالها السياسي".
يذكر بأنّ بعض الوثائق تشير إلى أن أول معمل لتصنيع السجائر تأسس في عمّان عام 1924م، وتأسس معملٍ ثانٍ عام 1925م، واندمج المعملان عام 1929م، تحت اسم شركة دخان وسجائر الشرق العربي الوطنية المساهمة، وما جاء تقرير صحيفة الحياة فقد سلّط الضوء على تدشين المصنع الثاني للتبغ في الأردن، والذي كان أول شركة مساهمة أردنية، بحسب الصحيفة.
ومن بين المحطات الهامة التي مرّ بها تاريخنا الاقتصادي في بدايات عهد الإمارة، تأسيس أول مصنع لدباغة الجلود عام 1921م، وأول مطبعة في الأردن عام 1922م، وإطلاق أول معرض زراعي بحضور الملك المؤسس عام 1925م.
هذه بواكير ومحطات هامة في تاريخنا الاقتصادي، أحوج ما تكون للتوثيق، لامتدادها مع حاضرنا، ونهضة بلادنا الاقتصادية.