29-11-2021 10:35 AM
بقلم :
على مرّ أدوار التاريخ، ومنذ تأسيس هذا الوطن، ومنذ لحظة أنّ أعرب عن ذاته، وهو محاط بثلة من المشككين بوجوده، ومقدرته على المضي قدماً إلى الأمام وبثقة.
هذا هو قدر الأردن، والذي يبدو بأنه نابع من عوامل جغرافية وسياسية، ولربما لأنّ البعض لا يريد لهذا الوطن أن يبقى قائماً بدوره كمساحةٍ عروبيةٍ لها مشروعٍ ينتمي إلى الأمــة ووجدانها.
فالأردن، حين تأسس، وأعرب عن ذاته، نهض نافضاً عن الأمة كبوتها، إذّ جاء التأسيس لهذا الحمى الهاشمي بعد معركة ميسلون 1920م، والتي وصفها الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، بأنها كانت "ضربة حـــــــادة". لذا فإن الأردن كان التعبير الأول عن إعادة الثقة للمنطقة وإنسانها العربي.
وقد عانى هذا الوطن، ونتيجة لهذه الرسالة التي حملها، من مرور كثيرٍ من العابثين، أو من أصحاب المطامع التي لا تقيم للمبدأ وزناً، حتى أنّ النكران كان حاضراً لدى البعض، محاولين التسلل عبر نوايا التشكيك به وبرسالته.
والمتأمل، المطالع لتاريخ الأردن، وما كتب عن هذا التاريخ، يجد الكثير من توصيفاتٍ حاولت أنّ تتنكر لدور الأردن، خاصة مع اتساع مساحته على قدر آمال أمته، واتساع دوره على قدر رسالته التي آمن بها منذ أن أعلنها العرب مشروعاً كبيراً ينهض من عباءات الفكر المشكك الذي لم ينجح يوماً إلّا بصناعة ثقافة القنوط، فأراد الأردنيون عبر قيمهم المخلصة أنّ يقدموا لأمتهم أنموذجاً مختلفاً، يكون قادراً على تعزيز همتهم – واستطاعوا- .
فأدوار كبيرة، خاضها الأردنيون، بقيادة ملوك بني هاشم، وبينها محطات حرب عام 1948م، حين دافع الأردنيون ببسالة عن القدس وفلسطين، ورسموا هناك لوحة عروبية من التضحية والفداء، محتسبين شهدائهم عند الله عز وجل.
وفي سبيل إتمام هذه الرسالة، بذل الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، دماءه على أبواب المسجد الأقصى شهيداً، وهو مبدأ تعزز في أدوار الأردن حين أعــادوا الأمل مرةً أخرى لأمتهم، في معركة الكرامة عام 1968م، وكأن لسانهم حالهم يقول "ما أشبه الأمس بالبارحة" أعادوا الأمل للأمة بعد ميسلون ثم بعد الكرامة.
وقــــــاد الملك الحسين بن طلال (طيب الله ثراه) هذه المعركة، مدركاً أن الجندية الأردنية، والقيّم الوفية، هي من تستطيع إعادة رسم المعادلة، فكانت هذه المعركة أنّ أعادت للعرب ثقتهم بأنفسهم، وأحبطت عقوداً من خطابات المشككين بالأردن ودوره ورسالته.
واليوم، وخلال العشرين عاماً الأخيرة، في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، كان قدر الأردن، أنّ يعيش أسوأ ظروف المنطقة السياسية، حيث مرحلة الربيع العربي، وما تبعها من تداعيات ومعادلات قلبت رأس المنطقة على عقب، إلّا أنّ الأردن، وبعزيمة مليكنا، وقيمنا الوفيّة، بقي ثابتاً آمنــــــــاً، يستبق كل مرحلة بتحصين دولته دستورياً، ويسعى لبناء أنموذج، رغم كل النوازل التي أحاطت بنا شرقــــــاً وغرباً، وشمالاً.
وكانت أكثر السنوات على هذا الوطن، ضيقاً، هي سنوات "صفقة ترامب"، وكالعادة، قدّر هذا الوطن، وملوكه أنّ يعيدوا رسم الأمل، لأجل أمتهم، فجاء قرار جلالة الملك عبدالله الثاني بإنهاء العمل بملحقي الباقورة والغمر، في لحظةٍ عربيةٍ كانت تتعطش إلى قرارٍ وموقفٍ، فكان مرة أخرى القرار من عمّان يُذكر بمواقف أخرى أعادت الأمل للأمــــــــة، مثل : قرار تعريب قيادة الجيش، وهو قرار إلى جانب جهود الوصاية الهاشمية، والدفاع عن قيم الأمة الثقافية وأدوارها.
هذا الوطن، بذل الكثير، وفي سنواته الأخيرة، قاد جلالة الملك عبدالله الثاني سفينته، متجنباً ويلات الإقليم التي يدركها كل ملمٌ بما يحيط بنـــــــا، من أحداث.
إنّ مطالعة هذه المواقف، وإعادة دراسة تاريخ هذا الوطن وأدوار قيادته الهاشمية، وأدوارها الحاضره، تكشف عن كثيرٍ من المواقف والمبادئ الراسخة العظيمة، التي آمنت بالأردني، وسعت إلى تعزيزه ليخدم وطنه وأمته، بكثيرٍ من وفاء الناس ومحبتهم، وهي مواقف أعلّت صرحاً، ولم تستكن يوماً لا لثقافة يأسٍ أو تلتفت إلى مواقف آنية، بل بقيت مستمسكة بنواصي الخير، لأجل الأردن ومبادئة العظيمة، وهذه قيم الشرعية والمشروعية التي ستبقى راسخة في هذا الوطن.
نهايـــــة، حمى الله الأردن، من بعض المارين، وبعض الجاحدين، وبعض من ينظرون إلى هذا الوطن على أنه مساحة تتبدل فيها المواقف بحسب الأهواء، أو حسب المراحل..
دام الأردن عزيزاً بمليكه وولي عهده، وشعبه الوفي، وجيشه العربي العظيم.