08-12-2021 10:37 AM
سرايا - أخذت طفلها الذي يبلغ الثانية من عمره من دار حضانته بعد انتهاء دوامها الرسمي، فأخبرها بلغته «المكسرة» بأن المستخدمة التي تساعده في دخول دورة مياه دار الحضانة قد قرصته على كلتا يديه.
تبادر سؤال إلى ذهنها، بناءً على حديث دار بينها وزميلاتها في العمل كون أبناءهن يشتكين من سلوك المستخدمة في الحضانة، فطرحته عليه وهي تؤشر على أذنه اليمنى: هل شدتها؟، فأجابها بلغته البسيطة بأنها ليست التي تؤشر عليها بل الأخرى.
عادت بسرعة إلى دار الحضانة لتبلغ المديرة بما يقوله طفلها، والتي بدورها أنكرت أن تفعل المستخدمة ذلك، وأكدت لها بأنها، أي المستخدمة، تحب جميع الأطفال ولا تؤذيهم.
لم يكن هذا هو الموقف الوحيد الذي شكّت فيه بأن طفلها يتعرض لأذى بدني في دار الحضانة، بل عندما امتنع عن دخول دورة مياهها طيلة فترة وجوده فيها، ما أدى إلى حصول مشكلة في أمعائه، ومنطقة الإخراج لديه، وعودته إلى استخدام حفاظات الأطفال.
بقي يعاني من آلام ومشاكل سنةً كاملة، بالرغم من متابعة حالته الصحية عند طبيب مختص وامتثاله لعلاج طويل الأمد.
كما أن الأمر لم يقصر على الأذى الجسدي فحسب، وإنما امتد الى النفسي أيضا.
الآن، الطفل يجلس على مقاعد الصف الأول، مجتهد، خلوق، إلا أن جميع معلماته اللواتي درسنه، يشتكين من أنه لا يبادر ولا يشارك بالصف بالرغم من أنه يعرف إجابة السؤال.
هذه التجربة ليست من وحي الخيال، وإنما تجربة أم عاشتها مع ابنها في إحدى دور حضانات «عمان» الخاصة، روتها لـالرأي، وذكرت بأنه «مهما كان السلوك بسيطا بحسب وجهة نظر المربية التي تقوم به، إلا أنه يؤذي الطفل ويعاني من تبعاته لفترات طويلة، كما يؤثر على سلوكياته ونفسيته بشكل كبير، ويقلق راحة أفراد أسرته».
مدير مديرية الأسرة والحماية في وزارة التنمية الاجتماعية عامر حياصات يشير إلى أن تعليمات ترخيص دور الحضانات لعام 2019 تستوجب أن يتوافر في دار الحضانة مستخدمة متفرّغة تتولى الاهتمام بشؤون النظافة الداخلية لدار الحضانة، على ألا يكون لها أي علاقة برعاية الأطفال.
وشدّد، في حديث إلى الرأي، على أنه «يمنع بأن تساعد المستخدمة الأطفال عند دخولهم دورة مياه دار الحضانة، أو أن تقوم بتغيير حفاظات الأطفال».
ووفق الحياصات، هناك 1181 حضانة في الأردن، منها 122 حضانة مؤسسية وتطوعية، و547 حضانة مدرسية، و512 حضانة خاصة.
وأكد أنه «تم إغلاق 25 حضانة بشكل نهائي كعقوبة، وإنذار 34 حضانة، وبلغ عدد الشكاوى 56، وما يتعلق بالإيذاء البدني 4 حالات، خلال العام الحالي».
يقول أمين عام المجلس الوطني لشؤون الأسرة الدكتور محمد مقدادي أنه وبالرغم من اهتمام الحكومة والقطاع الخاص بتوفير حضانات آمنة، إلاّ أن هذا القطاع يحتاج إلى العمل والتعاون ووضع الطفولة المبكرة ضمن أولويات عمل الحكومة للسنوات القادمة».
ويشير مقدادي إلى أن العديد من المربيات/ الحاضنات لم يتلقين أي نوع من التدريب والتأهيل على العمل في الحضانات، على رغم أن النظام ينص على ضرورة التدريب والتأهيل للمربيات، إذ كثير منهن يعملن دون الحصول على دورات أو تأهيل أو مزاولة مهنة حاضنة
ويبين مقدادي أن عدم تلقي المربيات لدورات يسبب ضعفا في المهارة والمعرفة بجوانب كثيرة ومهمة يجب على الحاضنة الإلمام بها، مثل الخصائص النمائية للأطفال والأنشطة التعليمية المناسبة لكل فئة عمرية للأطفال، والتعامل مع الأطفال الرضّع ونظافتهم وخصوصيتهم التي تحتاج إلى الكثير من التدريب والتأهيل لتفادي وقوع أي إساءة أو خطر عليهم
وكذلك معلومات ومعرفة عن التغذية الصحية الجيدة للأطفال، والتعامل مع الأسرة وتشجيع انخراط الأسرة وأن تكون جزءا مهماً في عملية تعلم الاطفال في الحضانات
يعرّف رئيس قسم الطفولة المبكرة في الجامعة الهاشمية الدكتور أيوب الروسان الطفولة المبكرة بأنها «تلك الفترة التي تمتد ما بين الولادة وحتى بلوغ ثماني سنوات من العمر، وهي مرحلة التطور الملحوظ الذي يطرأ على دماغ الأطفال فضلاً عن تأثرهم الكبير بالمحيط حولهم»
وذكر في حديث خلال ندوة عقدها «المجلس الوطني لشؤون الأسرة»، بأنه قد أظهر بحث أجراه شونكف وفيليبس عام (2000) أن «قدرة الدماغ على التعلم تتطور بشكل ملائم فقط عند منح تحفيز كافٍ للعملية العقلية لدى الطفل في مرحلة مبكرة من عمره، التي تُعتبر ذروة تكوين المشابك العصبية»
وأشار الروسان إلى أن البحث قد أوضح أنه كلما كانت فترة الطفولة المبكرة معززة، ازداد احتمال التوصل إلى نتائج إيجابية في التعلم والسلوك والصحة طوال الحياة بينما يزيد الأساس الضعيف من احتمال مواجهة صعوبات في مرحلة لاحقة من العمر
ووفق تقرير أعدته مؤسسة الملكة رانيا عن وضع دور الحضانة في الأردن عام ٢٠١٥ فإنه يلتحق مقدمو الرعاية بالمهنة من غير إعداد كاف وتدريب مسبق، إذ إن أقل من ربع مقدمي الرعاية حاصلون على شهادة جامعية، وقرابة ثلث مقدمي الرعاية العاملين منهم في دور الحضانة التابعة للمنظمات المجتمعية أو المدرسية لم يحصلوا على شهادة الثانوية العامة (التوجيهي)
كما أظهر التقرير، المستند إلى دراسة مسحية، أنه وبالرغم من أن غالبية مقدمي الرعاية ليس لديهم المؤهلات الأكاديمية ذات الصلة، صرحت الغالبية العظمى منهم بعدم تلقيهم تدريب ما قبل الخدمة أو أثناء الخدمة لإعدادهم للمهنة.
وبيّن التقرير أن معتقدات بعض مقدمي الرعاية ومفاهيمهم متماشية لم تكن مع أفضل الممارسات المتبعة عالمياً؛ إذ يعتقد ٥٠% منهم أن توجيه الطفل على نحو مباشر أكثر فعالية من التعلم خلال اللعب، وأقر ٢٠% منهم باستخدام العقاب البدني في الأسابيع الأربعة التي سبقت إكمال الاستبيان.
وذكر التقرير أنه قد أقرت نسبة كبيرة من مقدمي الرعاية بعدم حصولهم على مزايا التأمين الصحي أو الاجتماعي. وفي هذا السياق، تشير نتائج المسح إلى أن نسبة كبيرة منهم تتقاضى رواتبَ أقل من الحد الأدنى للأجور.
وأشار التقرير إلى أنه قد أقر أغلب مقدمي الرعاية في دور الحضانة بعدم حصولهم على تدريب رسمي قبل التحاقهم بهذه المهنة، سواء من الجامعات أو من أي جهة أخرى، كما أقر ما يعادل 7 من أصل 10 بعدم حصولهم على أي تدريب رسمي خلال العامين الماضيين، علما أن دور الحضانة المدرسية والخاصة قد سجلت أدنى معدلات تدريب، بنسبة 5% و12% على التوالي.
الراي