09-12-2021 10:50 AM
بقلم :
نتقدم في العالم الرقمي، وتجاوزنا تكنولوجيًا كثير من دول المنطقة، فالعنف الرقمي أصبح في الواجهة عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والهاتف الذكي وغيره ...،
لقد شهد العنف الرقمي ضد النساء وخاصة التحرش أو الإكراه على العلاقات الجنسية، أو الابتزاز أو الاحتيال، أو قضايا الشقاق والنزاع في الأسرة، ولا ننسى العنف المبني على التمييز الجندري هو في الأساس من تداعيات اختلال مجتمعي للأدوار بين الرجل والمرأة، وتدعمه مفاهيم اجتماعية، وينعكس إلى عمق العالم الرقمي وتكون له أبعاد وعواقب في العالم غير الافتراضي، ويكون من أشكال العنف الرقمي استخدام الصور أو مضايقات أو إهانات شخصية أو تهديد من خلال أجهزة إلكترونية أو مقاطع فيديو حميمة لأشخاص آخرين بهدف إبتزازهم وتكون الصيغة التهديد طبعا، وفي نظر المجتمع اللوم على الضحية لا على المذنب.
إن من يمارس العنف ممكن أن يختبأ خلف هوية غير حقيقية؛ فيمارس إعتداءه باستخدام كاميرات الموبايل والبلوتوث والتسجيلات الصوتية، بالاضافة إلى اختراق الخصوصيات عبر مواقع إلانترنت، ضمن هذا الفضاء لإيذاء الآخر وتهديده وابتزازه دون قدرته الدفاع عن نفسه، فأصبحت هذه التقنيات الرقمية للتحرش والابتزاز والانتقام، ومصدرا للاتجار والعنف ضد مختلف فئات المجتمع عموما والمرأة تحديدا، وصارت الإساءة تخلق بيئة معادية على الشبكة الذبابية مما خلق الشعور لدى المرأة بالخجل من نفسها وهي تقع فريسة معنفة بالترهيب الذي يأتي بصور مختلفة يحط من قدرها وكرامتها وشأنها.
صحيح أن الفضاء يأخذك إليه ومن الصعوبة الإبتعاد عنه، حيث اتساع الجمهور المحتمل وعدم مرئية أولئك الذين يقومون بالعنف عبر شبكات الإنترنت، لكن الإنترنت ليس مكانًا خارج سلطة القانون، فمثلما للحياة الواقعية قواعد وقوانين فكذلك في العالم الافتراضي على الفيسبوك وإنستجرام ومنتديات الدردشة وغيرها، ويبقى العنف الرقمي تحت طائلة القانون، ويعد من الجرائم التي يعاقب عليها القانون، وتستطيع الجهات في دائرة الجرائم الالكترونية الكشف عن الهوية الحقيقية ومتابعتها قانونيا، وليس هناك ما يبرر الصمت لما تتعرض له من عنف رقمي أو إرهاب نفسي يمارس خلسة وفي ظل مبهم يغتال شخصيتك.
إن هيمنة الثقافة الذكورية في المجتمع ، تجعل من العنف الرقمي أكثر إمتدادا في المجتمع على النوع الاجتماعي ومنه السياسي والصحفي والناشط في المجتمع المدني، ويرتبط إلى حد ما بغموض أو قوة مكانيزمات الثقافة الذكورية، والإيغال للمرأة وتبرير العنف تجاهها في سلوكها أو صورتها أو معتقدها أو ...أو...!!، وهذا العنف المضاعف والممتد في الزمن الرقمي يتزايد إنتشاره وغالبا ما يكون في دائرة الثقة المحيط المفروض فيه الحماية وله مضاعفات نفسية خطيرة؛ فالخطورة تشمل الطرد والتعنيف المضاعف وفقدان العمل في بعض الحالات، وتصل حد انتحار الضحية أحيانا أخرى.
فمن كم هائل من الإساءات اللفظية والعنصرية في الرسائل الخاصة إلى سلوكات التعنيف من تشويه السمعة والتنمر والابتزاز أصبح ملحًا ضبط الإيقاع داخل الفضاء الرقمي الذي بات واضحا اتساع دائرته ضد النوع الاجتماعي، وتحديد مفهوم الخصوصية في مواقع التواصل الاجتماعي من أهم المواضيع القانونية التي سعت إلى تقريرها معظم التشريعات المعاصرة، والتي يمكن تعريفها بأنها "حق الفرد المستخدم في أن يقرر بنفسه متى وكيف وإلى أي مدى ممكن أن تصل المعلومات الخاصة به إلى الآخرين من المستخدمين أو القائمين عليها، وبذلك يتضح أن لكل فرد الحق في الحماية من التدخل في شؤونه، وله الحق أيضا في الاختيار الحر للآلية التي يعبر بها عن نفسه ورغباته وتصرفاته للآخرين ضمن التقنيات التي توفرها هذه المواقع".
فالعنف الرقمي له أشكاله، ذكرنا جُلها آنفا، ونزيد؛ فهنالك التعليقات السيئة والمحقرة والمهينة، وهناك أيضا من تتعرض لرسائل تحمل شتما، أو تهديدا صريحا، أو صورا خادشة للحياء، ويمتد الأمر إلى اختراق الحسابات الشخصية وانتحال الهوية الإلكترونية للحصول على معلومات أو صور محرجة بغرض نشرها أو ابتزاز صاحباتها، والخدمات المقدمة للمستخدمين كالمحادثة الفورية والرسائل الخاصة، والبريد إلالكتروني، والفيديو، والتدوين، ومشاركة ملفات وغيرها مما يمثل حلقات اجتماعية بين الاصدقاء يتبادل من فيها اهتماماتهم المشتركة، وتضم مواضيع خاصة وعامة من كتابات العنف الرقمي ضد المرأة، تحتاج مهارة للتعامل معها، ويجب أن ننتصر لها كمجتمع ونرفض أن تكون الحلقة الأضعف في هذا الجانب.
والمرأة جزء من المجتمع تسعى للتواصل مع الآخر ولها الحق الشخصي بإنشاء قنوات أو صفحات " فيسبوك " تفضي بمكنوناتها من خلالها، أو حرية الولوج إلى مجموعات أصدقاء والتعبير عن القضايا والهموم الشخصية والحياتية، ورغم ما تملكه من ثقة بنفسها وإدراكها العميق وهي تلج هذا الأفق الرقمي، تصر المرأة أنها تتحمل مسؤولية ما تتعرض له من عنف رقمي داخل شبكات التواصل الاجتماعي، إلا أن تمثلاتها الخاطئة للجسد والعلاقات الافتراضية والسعي وراء الشهرة أو إقامة علاقات يؤدي بها إلى انتهاك خصوصيتها المسيجة بكثير من السرية في الواقع، لكن هذه الخصوصية تُقتحم ويتم مشاركتها بشكل شعوري أو لا شعوي في العوالم الافتراضية.
فالعالم الرقمي كغيره فيه من الأنماط الخادعة تدعمه منصات ومواقع بكم هائل تتبنى تمظهرات وتمثلات وقوالب معدة مسبقا حول خصوصية عالم المرأة المكتنز، وطبيعتها الأنثوية المتموجة فتندفع إليها وتكاد تنغمس فيها، وتخرج منها بخفة وهدوء ورشاقة منفلتة ومتمردة على الأنماط الاجتماعية السائدة من قيم وعادات وأخلاق دون أي إعتبار للضوابط الاجتماعية أو الضوابط التي تكبح ذاتها الداخلية. إذ أن الانترنت والمنظومة التكنو-اجتماعية تساهم بتقديم حقيقة المرأة بدون قناع أو مكياج؛ فتكون على طبيعتها مندفعة بشكل لاشعوري لسلوكاتها وتصرفاتها، أثناء تنقلها على أي متصفح الكتروني وتتفاعل بقوة مع غياب ثقافة التعامل مع المحتوى الترفيهي والتسويقي والمغري للتكنولوجيا الرقمية التي تستحوذ على كل ما في المرأة من فضول.
وهنا تقع في الابتزاز بنشر فيديوهات أو صور مركبة أو مفبركة أو حقيقية، وكذلك عنف تعكسه التعليقات أو المحادثات وما تتضمنه من ابتزاز وايحاءات وتهديد واغواء، وردات فعل انتقامية أو تحريضية…، وانتهاك لخصوصيتها بقرصنة حسابات تملكها، وطلب فدية مالية أو التهديد بالاختطاف والاغتصاب، فلا صعوبة بالأمر مع إنتشار تكنولوجيا المعلومات والتواصل وسهولة استعمالها بالولوج إليها بهوية مرنة تصل إليها وتسيء للمرأة وتصورها بشكل يخالف القيم والذوق العام، وهي صورة نمطية للصناعة “البورنوغرافية” التي انحرفت بالعلاقات الانسانية عن معناها الأصيل وأدارت ظهرها للمثل الإنسانية التي تنشدها المجتمعات كافة.
لا يعي الكثير من الأشخاص حجم الضرر الذي قد يلحقه العنف الرقمي بنفسية المرأة، كما يرفض الكثيرون الإعتراف به خصوصًا إذا تعلق الأمر بممارسته ضد شخصية عامة، لكنّ الأبحاث والدراسات الدولية أثبتت وجود آثار سلبية لهذه الظاهرة أخطر مما كان يُعتقد، فتعرُض النساء للتهديد باستمرار يجعلهن يعشن شعورًا من الرعب النفسي الذي يهدد صحتهن العقلية والجسدية على حد سواء، كما يمكن للقلق والتوتر المستمر الذي يصيبُهن أن يدمر علاقاتهن الإجتماعية ومسيرتهن المهنية، هذا عدا عن حمى التشفي من المجتمع المحيط لها.
أما فيما يتعلق بالحكومات فيجب عليها إدراج العنف ضد المرأة على الأنترنت كجزء من مخططاتها الرامية إلى إنهاء العنف ضد المرأة، كما يتوجب عليها أن تنظر إلى ذلك باعتباره حاجزًا أكبر أمام النساء والفتيات في ممارسة كامل حقوقهن الإنسانية.
أمّا شركات التواصل الإجتماعي أو من يمكنه لعب الدور الأكبر في حماية المرأة وحفظ الصورة النمطية التي رسمها المجتمع لها، فيجب على القائمين عليها اتخاذ خطوات استباقية لكبح وعدم تمكين العنف الرقمي بما يحفظ حقوق النوع الاجتماعي.
وأخيرا نقول إن الإسلام صان حرمة المرأة، ورفع مكانتها، ووصي بها، وكان متقدما على النظم والشرائع الدولية التي دعت إلى حقوق المرأة، ولنا في آخر الوصايا للرسول صلي الله عليه وسلم مثلاً ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم) وقال أيضا:( رفقا بالقوارير)، فلا يكسر المرأة إلا ما يؤلمها من التجريح والتعنيف، وهي بطبيعتها تتسم بالضعف رغم قوتها فأقل شئ من الممكن أن نقف إلى جانبها.
ولا بدّ من استراتيجيات وبرامج تعزز حماية المرأة من العنف الذي يقع عليها، من خلال القانون وتشاركية أذرع مهتمة في مجال حماية المرأة على العلاقات الشخصية أكثر منه على أسس مهنية؛ لسد الثغرات في الممارسات القائمة، وتحديد الأدوار والمسؤوليات المشتركة لهذه المؤسسات، بما لديها من المعلومات والخبرات، وتقديم خدمات ضمن المعايير الدولية، ومن الأهمية تجريم العنف الرقمي ضد المرأة وإيلاء الأمر أهمية دولية؛ فبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان يحق لكل شخص انتهكت حقوقه بالإنتصاف الفعال والتعويض عما ألحق به من ضرر.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-12-2021 10:50 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |