حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 19153

سيمفونية "الخاروف الجورجي"

سيمفونية "الخاروف الجورجي"

سيمفونية "الخاروف الجورجي"

12-12-2021 09:48 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

قبل الحديث عن سيمفونية الخاروف الجورجي، سنعزف على وتر التاريخ والجغرافيا، فجورجيا لمن لا يعرف هي من البلدان التي تقع ضمن جبال القوقاز، وذات موقع استراتيجي، تقدر مساحتها بـ 69600 كم2،وعاصمتها مدينة " تبليسي " وتتألف من تسعة مناطق، وتقسم إلى جمهوريتين ضمن دولة واحدة وكل منها تتمتع بحكم ذاتي مستقل، يتحدث أهلها اللغة الأذرية والأرمنية والبخارية واللغة المنغولية بحكم أن الشعب خليط من الجورجيين والأذريين والأرمن والروس واليونانيين والأتراك والقرباط والأوكرانيين والتتار، ومعظم السكان ديانتهم المسيحية الأرثوذكسية بالإضافة لأقليات تدين بالمسيحية اأرمنية والمسيحية الكاثولوكية، وأقليات أخرى ديانتها الديانة الإسلامية.
أما الخاروف الجورجي الذي طغى صيته على فضاء السوشيل ميديا وأغلب المواقع الرقمية، وأخذ حجمه في الأوساط الأردنية، يذكرني بقصة تاجر تصدير الأغنام" بيكا غوناشفيلي " الذي كان بالفطرة كأي فرد يعشق رعاية الأغنام، وبطبعه كان محبا للموسيقى الشعبية التقليدية في بلاده، كما هو الحال لرعاة الأغنام(الحلال) في بلادنا، اللذين اشتهروا بالعزف على الشبابة(آلة موسيقية)، وتسمعه يهيجن بأحلى وأعذب ما لديه من تراثنا الشعبي والبدوي النقي الأصيل، ولا مكان له إلا الفضاء الواسع، والإيجابية في الحياة البسيطة، والأمل نحو كل سفح أو ربوة خضراء يتنقل اليها هو وقطيع أغنامه إلى ضفاف الينابيع وموارد الماء.
مدعاة الكلام أن شخصا يعيش هذا التقليد اليومي في حياته البسيطة، على الأغلب هو نقي السريرة، لم يرد في وارده المصطلح الإقتصادي الإحتكار، أو الغش، هو شخص على سجيته يحب كل الناس، كريم بطبعه وأخلاقه، مثالي في قيمه ومبادئه، يعبر عن الأصالة والتراث المتوارث عبر عقود وعقود.
هذا النقاء والصدق والوفاء كان موجود براعي الأغنام بجورجيا، وأصول التجارة والتعامل يشترك فيها من يعمل في هذا القطاع ولدى الأغلبية منهم في كل مكان يتواجد فيه رعاة الأغنام(الحلال).
فمزارع الأغنام في منطقة " توشيتي " النائية في جورجيا، يدعى " داتو أوتيرويدز " يقول: أن هناك تجار من ثلاثة أو أربعة دول عربية يتوافدوا على المنطقة ضمن مجموعات، فيقوم مربو المواشي في " توشيتي " بتوجيه قطعان الأغنام إلى أحد الجسور، وأن التجار العرب يشترونها جميعا، بدون طرح أي أسئلة ".

وأيضا مزارع في نفس المنطقة اسمه " موسخان أوزباخيف " يقول: أن الأغنام لم تكن تساوي شيئا، كنت أبيع الخروف مقابل كيس طحين في عام 2008، لكن تدّخل أجانب من دول أخرى، فارتفعت الأسعار فجأة لتصل إلى 60 دولار امريكي لكل خروف". ويقول أيضا: "وفي نفس الفترة كانت الأغنام تشحن إلى أذربيجان فقط، لكن بحلول عام 2009 ظهرت 21 شركة جديدة لتصدير الأغنام إلى أرمينيا والأردن ولبنان والمملكة العربية السعودية ".
إن هذا التهافت من هذا العدد من التجار والمستوردين في هذا القطاع وحسب رأي مزارعو الأغنام الجورجيون، هو أن المشتري يرى في قطعان الأغنام الجورجية تتغذى على الأعشاب، وأفضل من البدائل في أسواق التجار والمستوردين التي تتغذى على الحبوب، وأحيانا تعاني من أمراض الأغنام الشائعة بعكس حالة قطعان جورجيا التي تخضع لضوابط ومسؤوليات تحكم هذا القطاع ومعايير يجب الإلتزام بها من ترتيبات الحجر الصحي، وفحوصات الدم، ومرض جدري الأغنام، ومتابعة القطيع من داء البروسيليوس( مرض بكتيري معدي وشديد يمكنه الإنتقال للبشر ولكن نادرا ما يكون قاتلا)، وأي رعاية صحية وخدمات بيطرية تخص قطاع المواشي.
وهذا يعني بالنسبة لنا أن هناك ثقة متبادلة في هذا القطاع في زمن لم يعرف الفساد المالي والإداري في القطاع الخدمي والإنتاجي، لكن هذا لا يعني أن الأسواق الجورجية والأسواق الأردنية لم تعاني من آفات الفساد والطمع التي طالت كل القطاعات على امتداد عقدين ماضيين على أقل تقدير.
مع أننا استوردنا في سنوات سابقة هذا النوع من الخراف الجورجية ولظروف يشوبها الفساد تم إيقاف الإستيراد، ففي عام 2010 وما قبلها كانت الاردن تستورد خراف من جمهورية جورجيا، و فصيلة الخراف قريبة من مواصفات خراف منطقة بلاد الشام عموما، ولكن تغذيتها أفضل لوفرة المراعي في جورجيا مما يدلل تفوق قيمتها الغذائية على اللحوم البلدية.
وفي عام 2012م، كان هناك تخوف من تناقص الثروة الحيوانية في الأردن، وأنها في خطر، وأن اللحوم المحلية للإكتفاء الذاتي المحلي لا تتعدى 25%، والمستورد من اللحوم يُلحق بها مصاريف الشحن والتخزين وإجراءات أخرى، وهي أعباء كانت قيمة مضافة على المواطن.
وفي ظل تخبط الحكومات بإدارة هذا القطاع، أقصد قطاع المراعي ومربو المواشي، لجأ الكثيرين منهم للعزوف عن الاستمرار في هذا القطاع والإنسحاب منه، وقد يكون النشمي رضوان العجارمة "أبو طلال" أحد هؤلاء، لكنه آثر الهجرة ليبدأ استثماره في جورجيا، ونشكره بأن قدم عرضه ليكون منافسا في السوق الأردني ورفده اللحوم من إنتاج مزارعه في جورجيا، وهي خدمة للمواطن الأردني ليكون السعر المحلي للحوم في متناول الجميع، ونحن مع المنافسة الشريفة التي ستشهد فيها أسواقنا يالأيام القليلة القادمة إنخفاض الأسعار على هذا المنتج وتوقف وتيرة الإحتكار ولو قليلا.
هذا لا يعني أنه لم تكن في فيما سبق من سنوات الكميات غير كافية من اللحوم التي تغطي حاجة السوق؛ فالدولة كانت توفر ثلاث أو أربع أنواع من اللحوم المستوردة وتخضع للعرض والطلب، وللمواطن أن يختار ما يناسبه وحسب أولوياته في صرف الدخل الشهري له، فاللحوم الطازجة المستوردة تأتي يوميا عبر طائرات شحن خاصة، وكذلك لحوم الفاكيوم وتكون مغلفة ومفرغة من الهواء؟، ومدة صلاحيتها ثلاثة شهور، واللحوم المجمدة تأتينا من استراليا والبرازيل ونيوزيلندا والهند ومدة الصلاحية لها تقارب 18-24 شهرا. ومن السودان كان الاستيراد عن طريق الشركة الوطنية للأمن الغذائي وحسب دراسة وزارة الزراعة لحاجة السوق.
أما لماذا سعر اللحوم البلدية مرتفعا؟.. ببساطة لأنها تخضع للتصدير إلى دول الخليج ودول أخرى، وفي منتصف السبعينات كان اللحم البلغاري متوفرا في الأسواق عن طريق وزارة التموين، وكان يباع في أيام محدودة من الإسبوع، وكانت محلات البيع والتوزيع تشهد تزاحما في أحياء العاصمة عمان وباقي محافظات المملكة، لأجل الحصول على الكمية المناسبة للعائلة، وأحيانا يعتذر الجزار عن البيع لأن الكميات قد نفدت بسبب الطلب الشديد عليها، وينتظر المواطن صباح اليوم المحدد لبيع هذا النوع من اللحوم ليذهب مرة ثانية وثالثة حتى يحصل على طلبه، وكان المواطن يتغنى بذكرياته أيام كان سعر كيلو اللحمة البلدية 57 قرس في عام 1951م.
وفي فترة من الفترات كان هناك مقاطعة من المواطن لشراء اللحوم الحمراء عندما شعر بالغبن الذي مورس عليه من سياسة الإحتكار من قبل الشركات الخاصة بتوريد اللحوم وفرضها السعر الذي يناسبها وهي صاحبة الإرادة بتحديد السعر ورفعه متى رأت ذلك مناسبا، الا أن جمعية حماية المستهلك تنبهت لهذا ودعت المواطنين لكسر الإحتكار بالتوقف عن الشراء لأجل إجبار المورد تخفيض السعر، وهكذا كان.
ونحن اليوم أمام سيمفونية عن "الخروف الجورجي"، والسيمفونية لجّت عليها مواقع شعبية ورسمية، ومواقع إخبارية وأخرى صحفية، وجهات أفقية وأخرى عامودية، ومنطقية وغير منطقية، ومضادة وغير مضادة، وعابرة وغير عابرة، وجودة أعلى وجودة أقل، وبإلية وغير إلية.
كل هذه الموسيقى الصاخبة والمبعثرة، إجتمعت وانضبطت، وعجّلت في تخفيض أسعار اللحوم بشكل غير مسبوق لدى العديد من المولات ومراكز بيع اللحوم، وهنا نتساءل لماذا لم تتنبه الدولة مبكرا لهذا؟؟!.
فالمفترض ضبط المعادلة السعرية بين بيع الأغنام وبيع سعر اللحوم في المسالخ أو محلات الجزارين والتي يرتادها المواطن (المستهلك)،لأنه في الأوقات التي كان سعر الأغنام منخفضا لم يكن سعر اللحوم يتناسب مع هذا الهبوط، بل يبقى على سعره أو يزيد، ونحن نقول للتجار المنافسين في السوق والمستوردين منهم رفقا بالمواطن ولا داعي للمغالاة بالأسعار ولا داعي للإستغلال فالظروف لا تحتمل، ولتكن تجارتكم بما يرضي الله والعباد.
وكان بالإمكان التوفير على المواطن هذا الغلاء المفتعل والغير مبرر تجاهه، وقد تكبدته الجيوب عبر سنوات مضت، وكان بإمكان الحكومة بقرار سيادي ورسمي قطع الطريق على تجار الاستيراد للحوم من إغلاق وإحكام سيطرتهم على هذا القطاع.
والإجراء الأخير لوزارة الزراعة بمنح (9) رخص استيراد للحوم من جورجيا كلحوم طازجة وحيّة ومبردة للمواشي والعجول شريطة إزالة الليّة عنها في ظل حاجة السوق المحلي يقارب 60% من اللحوم المستوردة والباقي يعتمد على الإنتاج المحلي هو قرار محل تقدير وإن كان متأخرا.
وما قامت به وزارة الزراعة من فتج باب الاستيراد لتأمين متطلبات الأمن الغذائي للمواطن الأردني، ولتأمين النقص الحاصل في منتجات الثروة الحيوانية، وتأمينها من مناشئ جديدة لاستيراد اللحوم بهدف تعزيز الأمن الغذائي وزيادة الإنتاج وتنويع مصادر المنتجات الزراعية المستوردة، خاصة أن نسبة الإنتاج المحلي من اللحوم الحمراء في الأردن 38%، فيما يستورد ما يزيد على 60% من الخارج، هو سعي مخلص لتعزيز الأمن الغذائي ولتجنب الاستغلال من قبل بعض المصدرين، وقطع الطريق الوسطاء أو السماسرة.
فتحية إكبار لمعالي وزير الزراعة المواطن الحر خالد حنيفات، فقد أثبت أنه مع الوطن والمواطن، والحر لا يباع ولا يشترى، وهو يعلم أن خبر انخفاض اللحوم المعني به الكادحين والفقراء والمسحوقين خاصة أن موائدهم تفتقرها وتتمناها بالشهر أو بالأشهر مرة واحدة ويتقبلون هذا دون شكوى.
وندعو لتوفير دعم فعلي لتجار المواشي بهذا القطاع من الأردنيين وتحفيزهم على الاستثمار فيه من خلال مزراع وأراضي خارج الاردن تتوفر فيها المراعي المشابهة للمراعي في استراليا ونيوزلندا وجورجيا وغيرها.
واليوم نقول المنافسة محمودة، والخاروف الجورجي محل ترحيب، وقطع اللية هو قطع الشك باليقين للمواطن وحتى لا يقع بالغبن ويشتري اللحوم الجورجية على أنها لحوم بلدية.

وتحية لكل جهد فيه خير الوطن،،











طباعة
  • المشاهدات: 19153
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
12-12-2021 09:48 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم