14-12-2021 09:32 AM
بقلم : رمضان الرواشدة
ثمة تحولات عميقة ضربت المجتمع العربي، خلال العقود الماضية، وأسهمت في تراجع القيم والمبادئ العظيمة التي سَادت المجتمعات العربية وذلك لصالح ظهور نزعات وقِيم غريبة جداً عن المجتمع، وساهمت ثورة المعلوماتية الكبيرة، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشارها في بروز وتعظيم و«الكشف» عن هذه النزعات التي تتمثل في خطاب الكراهية وإقصاء الآخر وبروز الهويات الفرعية القاتلة.
ثمة جيل عربي كبير، نحن ومن سبقنا، لم يعرف ولم يكن يُميز أو يهتم لديانة الآخر أو طائفته أو أثنيته أو مذهبه، وكان التقييم على الدوام هو لفكر الآخر وحتى الانتخاب كان يتم على أسس فكرية وسياسية بعيداً عن العصبويات الدينية أو المناطقية أو المذهبية.
لم يكن العربي يهتم بالبحث عن ديانة شهداء حركات التحرر العربي من الجزائر وحتى العراق أو طائفتهم أو مذهبهم شأو انحيازاتهم الضيقة. ولم يكن المجتمع العربي مشغولاً–كما هو اليوم- في تحديد الهويات الدينية والأثنية والطائفية والفرعية لكبار الشعراء والمثقفين والأدباء والفنانين والمطربين بل كان انحيازه دوماً للثقافة والفن الراقي بغض النظر عن هوية المبدع.
لقد ساهم الاستعمار الأوروبي، وخاصة الانجليزي والفرنسي في زرع بذور التفرقة بين أطياف الأمة العربية ومكوناتها المتعايشة معاً، سواء عبر الحدود التي تم تقسيمها بهذا الشكل، أو عبر سياسة «فرق تسُد»، وفي وقت لاحق، أدى بروز وهيمنة الإمبريالية الكولونيالية الأميركية والحروب التي قادتها أو ساهمت بها إلى تعزيز الشعور الدائم بـ «المظلومية» و"الاضطهاد» لدى الاثنيات والطوائف والمذاهب والهويات الفرعية وآخرها الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003.
وثمة سبب آخر هو المد الديني المتطرف الذي أذكته ثورة الخميني في إيران العام 1979 وكذلك ظهور الحركات الدينية المتطرفة والمتشددة في بلدان عربية كبيرة ونشوء ظاهرة «التكفير» بدلاً من «التفكير» مع كل الآخرين المخالفين لمبادئ وعقائد هذه التنظيمات الدينية.
في كتابه «الهويات القاتلة» يشرح الكاتب والروائي اللبناني المعروف أمين معلوف طبيعة هذه التحولات خاصة مسألة السيرورة الوطنية للهوية الفردية والهويّات المركبة، وتحولها من «صديق مزيف»، كما يقول، إلى «أداة حرب» وهويات مدمرة للآخر ولا تقبل به.
قبل ذلك بعقود كتب المفكر العربي الفلسطيني الراحل هشام شرابي، المدرس في جامعة جورج تاون كتابه «مقدمات لدراسة المجتمع العربي» بحث فيه عن السلوك الاجتماعي للفرد في المجتمع العربي ودور التربية العائلية والثقافة الاجتماعية في طبيعة هذا السلوك و"قولبة» الفرد على النحو الذي يريده المجتمع ومنها طريقة «التلقين السلطوية» في المدارس العربية.
لقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل حاد، في بروز هذه الهويات القاتلة «الكامنة» وأطلقتها «من عِقالها»، وتعزيز خطاب الكراهية واقصاء الآخر وعدم التسامح معه لمجرد الاختلاف معه في الدين أو الطائفة أو المذهب أو الهوية الفرعية أو حتى الاختلاف السياسي والفكري والثقافي، فالموالون والمؤيدون لنظام سياسي أو ديني أو فكر معين لا يقبلون المعارضين لهم، والمعارضون، أيضاً، يُكّفرون وينصِبونَ المشانق و"محاكم التفتيش» لمن خالفهم.
إن تغيير القيم الاجتماعية السلبية يحتاج إلى ما هو أبعد من مجرد اعتبارها ظاهرة منفردة وممارسة سياسة الإنكار «denial» إزاها والبحث في الجذور الحقيقية والمخفية لهذه الظاهرة ومعالجتها سياسياً واجتماعياً وفكرياً وثقافياً، حتى لا نصل إلى يوم لا ينفع الندم فيه، عندما تصبح هذه الهويّات القاتلة، وما تحمله من خطاب كراهية واقصاء، هي السائد بدلاً من اندماج الناس في التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الايجابية التي تذهب بهم إلى قِيم الهويّات الوطنية المركزية والتسامح ونبذ الغُلوّ والتطرف وقبول الآخر مهما كانت طب?عته.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
14-12-2021 09:32 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |