14-12-2021 01:50 PM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
ضمن المقترحات الإضافية التي قدمتها الحكومة إلى مشروع تعديل الدستور الذي أوصت به اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية إنشاء مجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية، حيث أثار هذا الاقتراح جملة من النقاشات والتباينات في وجهات النظر حول ماهية هذا المجلس ودوره الدستوري، والعلاقة التي ستحكمه بباقي السلطات في الدولة، تحديدا مجلس الوزراء صاحب الولاية العامة في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية.
إن هذا التباين في الرأي حول الطبيعة الدستورية لمجلس الأمن الوطني يمكن تبريره بأن الحكومة لم تقم بتوضيح مفهوم هذا المجلس والأهداف المرجوة من إنشائه في الأسباب الموجبة لتعديل الدستور، حيث تم إعادة كتابة النص المقترح إضافته إلى المادة (122) من الدستور دون زيادة أو نقصان ضمن الأسباب الموجبة، ولم يتم التعبير بشكل واضح وجلي عن مبررات إنشاء هذا المجلس والدور المأمول منه. ولهذا السبب، تباينت الآراء والاجتهادات السياسية والقانونية حول المهام التي سيقوم بها هذا المجلس، الذي سيرأسه جلالة الملك، وسيضم في عضويته رئيس الوزراء، ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية، وممثلي الأجهزة العسكرية والأمنية، وشخصيتين اثنتين يعينهما جلالة الملك.
ومن خلال استعراض التجارب الدستورية المقارنة في مجال إنشاء هذه المجالس الأمنية العليا يمكن الوقوف على ماهيتها وطبيعة الأعمال التي تقوم بها. ففي مصر مثلا، يختص مجلس الأمن القومي المنشأ بموجب المادة (205) من الدستور بإقرار إستراتيجيات تحقيق أمن البلاد، ومواجهة حالات الكوارث، والأزمات بشتى أنواعها، واتخاذ ما يلزم لاحتوائها، وتحديد مصادر الأخطار على الأمن القومي المصري في الداخل والخارج، والإجراءات اللازمة للتصدي لها على المستويين الرسمي والشعبي.
كما يُسند إلى المجلس الأعلى للأمن في المغرب مهمة التشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر على مأسسة ضوابط الحوكمة الأمنية الجيدة وذلك استنادا لأحكام الفصل (54) من الدستور. وتنص المادة (161) من الدستور الكويتي على أن ينشأ مجلس أعلى للدفاع يتولى شؤون الدفاع والمحافظة على سلامة الوطن والإشراف على القوات المسلحة. أما المجلس الأعلى للدفاع في الإمارات، فيهدف إلى إبداء الرأي والمشورة في كل ما يتعلق بشؤون الدفاع، والمحافظة على سلامة الاتحاد وأمنه، وإعداد القوات المسلحة وتجهيزها وتطويرها، وتحديد أماكن إقامتها ومعسكراتها وذلك عملا بأحكام المادة (141) من الدستور الإماراتي.
إن مجلس الأمن الوطني الأردني يفترض ألا يختلف عن نظرائه في المهام والأعمال المرجوة منه، والمتمثلة في متابعة القضايا ذات الصلة بالمصلحة العليا للدولة، وكل ما يتعلق بالدفاع عنها والحفاظ على الأمن والسلم الوطنيين، وإقرار الاستراتيجيات للتعامل مع حالات الطوارئ والظروف الاستثنائية في الدولة، والتي سيتم تنفيذها من قبل الحكومة. فيكون المجلس بهذا الدور هيئة عليا تتولى تقدم الدعم للحكومة في تعاملها مع الملفات الهامة ذات الصلة بالشؤون الأمنية والعسكرية والدفاع عن الدولة. فمجلس الوزراء من خلال رئيسه وممثلي الوزارات السيادية فيه سيكونون متواجدين في هذا المجلس، وسوف يشاركون جلالة الملك التوقيع على الإرادات الملكية التي ستصدر، والتي تهدف إلى تنفيذ الاستراتيجيات التي سيقدمها مجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية.
إن الغاية من إيجاد هذا المجلس يجب أن تكون لتنفيذ تطلعات جلالة الملك التي عبّر عنها في الورقة النقاشية الثالثة بعنوان "أدوار تنتظرنا لنجاح ديمقراطيتنا المتجددة"، والتي أكد فيها بالقول "وبصفتي رأسا للدولة وقائدا أعلى لقواتنا المسلحّة، فإنني سأذود في الدفاع عن قضايانا المصيرية المرتبطة بالسياسة الخارجية وأمننا القومي، وذلك من خلال مجلس الوزراء الذي يتولى إدارة جميع شؤون الدولة استنادا إلى الدستور".
إن إنشاء هذا المجلس وفق الرؤى الملكية والتجارب المقارنة لن يكون منافسا أو مزاحما لمجلس الوزراء في الولاية الدستورية العامة، بل مساندا وداعما له في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية فيما يخص القضايا الأمنية والعسكرية العليا، وفي الدفاع عن الوطن وسلامته.
أ. د. ليث كمال نصراوين
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
14-12-2021 01:50 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |