19-12-2021 09:45 AM
سرايا - شغلت المرأة حبيبة وزوجة وعشيقة وأما وابنة الأدباء كتابا وشعراء منذ القدم، فكان حضورها في الأدب القديم والحديث والمعاصر حضورا واضحا مؤثرا فقد احتلت مساحة واسعة من نصوصه الشعرية والنثرية.
وقد زاد اهتمام الأدباء بالمرأة وقضاياها في الزمن المعاصر لأهداف مختلفة، وتبنى كثير من الكتاب قضاياها، وتصدوا للدفاع عنها ومناصرتها، ولعلي لا أبالغ إذا قلت إن هذا العصر هو عصر المرأة الذي حمل فكرة المساواة المطلقة، وسار باتجاهها بخطى ثابتة لا توقفها معيقات قانونية، أو دينية، أو اجتماعية، أو رفض، أو احتجاج، أو معارضة.
ولم يقف الأدب العربي المعاصر بعيدا عما يجري على الساحة العربية من هزة ثقافية عميقة مربكة، فقد رافقت الأقلام هذه التحولات الخطيرة، ورافقت حركة المرأة في سعيها لنيل مزيد من الامتيازات والحقوق، وتسجيل مزيد من المطالب، وتحدثت عنها، وصورتها، وبينت موقفها بجرأة حينا كما فعلت أحلام مستغانمي ونزار قباني، وبحذر أحيانا كما يفعل كثير من الأدباء. فقد اصطفت الأقلام بين مؤيد لمسعاها ومعارض فظهرت الروايات والقصص القصيرة والقصائد التي تتحدث عن زواج القاصرات ن وزواج الإكراه، والاستغلال الجنسي، وتجارة البشر، واللحم الرخيص، وظلم الزوج، وظلم المجتمع، والطلاق ، والحب ...
ومجموعة البيدر التي لم تسعَ كثيرا لتغيير صورة الرجل النمطية التي تحمله وزر ما وصلت إليه المرأة، وتعاملت معها على أنها مسلمة لواقع ثابت، هي لوحة مشهدية حركية موحية لواقع المرأة العربية المعاصرة لأنها تصور مقاطع مختارة من واقعنا الاجتماعي الأردني في البيت والشارع ومكان العمل ومسرح الحياة. وتولي عناية خاصة للعلاقات الاجتماعية والأسرية؛ كعلاقة الزوجين ، وعلاقة الأب بابنته، وعلاقة الحب، وعلاقة الأمومة.
وتظهر المرأة في مجموعة البيدر في أكثر قصصها بصورتها المثالية التي نعرفها بها ونتمناها ونريدها ونطلبها فهي أم مضحية في قصة « عملية جراحية»، وهي حبيبة وفية في قصة «، غزل عذري»، وهي مربية معلمة في قصة «رسالة غرامية»، وهي مقاومة عنيدة في قصة «بيت أجمل». وصور الكاتب في قصة «عجوزان « حرص المرأة المطبوع الفطري على كل ما يبقي بيت الزوجية دافئا نابضا بالحياة بعد أن ألفت طباع زوجها وعرفت كيف تتعامل معها، وكيف تكسر الروتين في بيت الزوجية وتجدد أنفاس الحياة فيه، فهي غي القصة المرأة الوفية المحبة التي لا تنسى حتى وهي مصابة بالزهايمر يوم مولد زوجها، فهي قد غابت من أجل زوجها، وتزينت وسرحت شعرها تسريحة جديدة من أجله، وحين دخلت البيت كانت تدندن بأغنية يحبها زوجها، ثم لما رأت أن زوجها لم يهدأ غضبه واستعد لصبه عليها غنّت له «سنة حلوة يا جميل».
وهي في قصة « ابتسامة» رمز للحنان والأمن والسلام والحب، وباعثة للأمل والتفاؤل، يرسمها الفنان فتاة صغيرة بشفتين مبتسمتين تسرق حالُ الأمة منهما الابتسامة.
وصورة المرأة الوفية تتكرر في مجموعة البيدر فنحن نجدها في قصة «رعشة» فالمرأة الأرملة تعيش على ظلال زوجها وذكرياتها معه حتى إنها تصيبها الرعشة وهي تحتضن صورته في فراشها، وتتلمسها وكأنها تحتضن جسده وتتلمس وجهه.
ونجد في المجموعة صورة للمرأة التي يشغلها هم المحافظة على الزوج، أو الحبيب، أو نيل إعجاب الرجال؛ ففي قصة «النجدة» يصور الكاتب المرأة النكدة الضعيفة التي لا تثق بقدرتها على الاحتفاظ بزوجها، ولا تعرف كيف تحافظ عليه؛ فهي لا تحسن التعامل مع خروج زوجها على قواعد بسيطة هي وضعتها كأن يتأخر عن البيت مثلا، فهي تمطره دائما بأسئلتها المليئة باتهامات الخيانة: أين كنت؟ ولماذا تأخرت؟ولماذا لم تمض ليلتك معها؟ هل هي أجمل مني؟. وهذا النوع من السلوك غير المحترف الذي يشير إليه الكاتب إشارة ذكية منبهة محذرة أدى إلى توتر العلاقة الزوجية وخلخلة السكينة فيها ودفع الزوج إلى استخدام أسلوب العنف الضعيف التنمري والهروب من البيت ليلتقي في الحافلة نوعا من النساء قادرا فلّ الحديد بالحديد.
وتمتعض الصبية الغربية الجميلة في قصة «ثقافات» من إهمال زميلها العربي لها وإشاحة وجهه عنها لأسباب مرتبطة بعقيدته هي لا تعرفها، فتتزود بجرعة ثقة من زميلتها التي شبّهتها بالبدر.وكأن الكاتب يريد أن يقول لنا إن المرأة مطبوعة ومفطورة على الأنوثة.
وصورة المرأة الضحية التي لا تمتلك كثيرا من أدوات تغيير الواقع، وفشلها في ذلك بسبب ضعف أدواتها وقلتها، حاضرة في قصة «وعد» فهي تفشل في إلزام الرجل بما وعدها، مع كل ما وفّرته له من راحة، وما أعطته من حب، وما سقته من لذة، فبقيت خيارا من الخيارات الكثيرة أمام الرجل الذي لم يتخلَّ عن حقه في أن يختار إلى جانبها غيرَها .فهو لم يغيّر رأيه، وتناسى وعده الذي قطعه لها في تلك الليلة في لحظة حميمية بأن لا يفارقها.
وتحضر في المجموعة صورة المرأة القلقة الخائفة من القادم الباحثة عن خفايا المستقبل والطالع عند العرافة كما في قصة «قارئة الفنجان»
وتصور قصة «سبات» المرأة التي تخنقها الوحدة والروتين وفتور الحياة الزوجية وقلة الدوافع للحياة فتلجأ إلى ذكرياتها المخبأة في صندوق على شكل صور وتكاد تجرفها الصور لولا أنها دست بعضها في قعر الصندوق ليعز عليها تذكر من فيها.
ووفي قصة «سوء ظن» يستخدم الكاتب تقنيات سردية متتالية متعاضدة منها: تقنية الوصف وتقنية المشهدية الحوارية، وتنوع الضمائر.لتصوير المرأة الضحية التي يحكم عليها زميلها في العمل من نوع لباسها وشكله وحجمه، فمع أنه يعرفها فهي سكرتيرة ويتعامل معها كل يوم، ويعرف طبيعة عملها إلا أنه يتهمها بمحاولة إغواء الشباب بما انكشف من ساقيها وصدرها.
وتصدم صورة الزوجة الغيورة المتسلطة زوجها في قصة «تناقض» بتناقضها حين يراها تعتني بزينتها وزاهي ألون ثيابها، وتناسق لباسها وتكامله، ولا تختار من المسلسلات والأفلام إلا التي تظهر باللونين الأبيض والأسود، وكأنها لا تريد للزوج أن يرى اللون إلا منها وبها وعليها ول تسمح له بغير ذلك.
وتصور قصة الفزاعة ما تتعرض له الأنثى من استغلال واستنزاف لطاقتها وقوتها وقدراتها فهي لم تستسلم للريح الهوجاء، وظلت تتحدى وتحاول تثبيت نفسها في المكان مرفوعة الرأس شامخة. ولكن من مأمنه يؤتى الحذر.
وتعود النضارة ليد الحبيبة وتزول التجاعيد حين يمسح العاشق يد حبيبته في قصة «ندم» وكأن الكاتب يريد أن يقول إن المرأة تحيا بكلمة حب وبلمسة حنان، وتذبل بدونهما، فالإهمال يتعب الروح، ويسبب الضعف، ويخلف الحزن والوحدة للمرأة التي تعودت السيطرة كما في قصة « فتاة ضعيفة» التي تظهر ما لجسد المرأة الممثلة من أثر كبير في تفكير الزوج والزوجة؛ فالزوج يعجبه في الفلم الرومنسي سكرتيرة المدير الجميلة الضعيفة دلوعة الشركة وتلحظ الزوجة ذلك فتتقرب منه وتلصق جسدها بجسده وتستذكره ليلة الدخلة، فيذكرها فتطلب مغازلته كما يغازل المدير سكرتيرته الضعيفة فيلقي بقنبلته اللفظية القاسية.
وتؤكد مجموعة البيدر ضعف المرأة ووهن الجدار الذي يقيها في مجتمعنا فهو ينهار مع أول هزة فقد تستغل المرأة جمال جسدها ورقة أنوثتها وفتنتها لأخذ ما ليس لها كما في قصة «إبداع» .وقد يكون الزواج منها عملا خيريا كما في قصة «المربع الأول» .وقد تعصف حولها الشكوك والاتهامات والتأويلات فلا يؤثر خبر موتها في من حولها بل لا ينتبهون إليه بقدر ما يؤثر فيهم خبر احتفاظها ببكارتها وعذريتها كما في قصة « فاجعة»
وقد ترسم المجموعة بطرق وتقنيات مختلفة صورا بعضها صادم لحال المرأة العربية المعاصرة منها:
التغييب:
يغيب الكاتب في قصة الخندق المرأة الزوجة فهي نائمة ليس لها حركة خارجية في القصة أو صوت. يقول: «ثم ودع زوجته ليلتحق بوحدته العسكرية»، ويغيب المرأة الأم فهي صورة من السارد لا على لسان البطل أو من حياته. يقول: «ضاما بندقيته إلى صدره كما تضم الأم طفلها». وهذا تغييب مقصود مخطط له فنيا وفكريا: فنيا كنوع من التنويع الزمني باستخدام تقنية التكثيف وتقنية الفجوة الدرامية وفكريا ليؤكد الكاتب أن الوطن أولا .
ويغيب الكاتب المرأة عن منصة التكريم في قصة «تكريم «ويغيبها في قصة «غرفة مفردة» لأن مطالب أطفاله توجه له هو لأنه هو القادر على تحقيقها.
تبادل الأدوار:
ويصدم القارئ حين يرى الكاتب يخل بالوظيفة الطبيعية للمرأة حين يسلبها أجمل وظائفها ويعطيها للرجل فهو حامل، ويصدم أكثر حين يرى المرأة نفسها سعيدة بهذا الحمل حريصة على أن يبقى سالما فتتابعه وترافقه برقة وحب منبهة عليه متباهية به.
الوصف المباشر:
وتصدم المرأة الزوجة القارئ في قصة «عرس لا ينتهي» فهي تنظر بفرح غامر إلى زوجها الشهيد المحمول على الأكتاف، وتشعر بسعادة غامرة وهي تجد أن ما في بطنها قد غدا طفلا ، وأنها اقتربت من تلك الساعة التي ستعبق فيها روحٌ بعطر مشروع شهيد جديد.
وتصدم المرأة الحبيبة الخائنة القارئ في قصة «صديق» فبعد أن جمعهما الجمال الخارجي لون عينيها وصفاء بشرتها وضفائر شعرها السوداء، ونعومة لسانها، ووسامته ورزانته وإقباله على الدنيا هربت واختفت من غير سبب معروف أو مقدمات.
وتتنكر الفتاة الجميلة في قصة « بلاء أشد»لحب زميلها وتهرب مع مديرها طمعا بالمال والجاه.
وتتحكم الزوجة في قصة «زواج متعثر» بالحياة الزوجية وتتحكم بالزوج وتوجهه، ولا تقبل خروجه عن الخط الذي ترسمه له، ولا تقبل أي تبرير أو عذر لأي خروج أو تقصير؛ فهي تهتم بالنتائج ولا تلقي بالا لكيفية وصولها إليها، وتبحث عن طرق قصيرة للوم الزوج ووضع العبء عليه.
صورت مجموعة البيدر المرأة ضمن واقع يعج بالمشكلات والأحداث، وتنوعت لذلك صورتها واختلفت بحسب موقعها من الحدث فهي في قصص المجموعة أمٌ وحبيبة وعشيقة وابنة ويتيمة وزوجة. واختلفت لذلك صورتها وموقفها وإن كانت صورتها في معاناتها وتحدياتها هي الأكثر ظهورا في هذه المجموعة.