21-12-2021 12:38 PM
بقلم : الدكتور غالب توهان الجبور
لا يختلف اثنان على أن الثواب والعقاب يعتبران من أهم أدوات التربية التي يستخدمها المربون على اختلاف مستوياتهم التعليمية، ولكن فعالية هذه الأدوات المهمة في التربية تتحقق إذا تم استخدامهما بشكل ملائم، فالعقاب القاسي مثلاً والذي لا يتناسب مع الموقف ولا مع الفئة العمرية لا يسهم في تعديل السلوك بشكل مرغوب، كما أن تقديم مكافأة لا يحبها الصغير لا تعتبر معزز للسلوك الذي قام به، أي أنها لم تحقق التعزيز المطلوب لزيادة فرصة تكراره للسلوك المرغوب، وما أود قوله هو أن طريقة استخدام الثواب والعقاب مهمة جداً في تشكيل السلوك وفي تعديله أيضاً، فالاستخدام الخاطىء لهما لا يسهم في تشكيل السلوك المرغوب بالإضافة إلى أنه قد يسهم في تفاقم الأمور على نحو أسوأ، فجميع المربين يستخدمون الثواب والعقاب بطريقة ما، ولكن المهارة تكمن في طريقة الاستخدام، فكثير من المهن يُستخدم فيها أدوات تساعد على إنجاز العمل ولكن النتاجات النهائية هو ما يحدد درجة مهارتهم، والنتاجات السلوكية المرغوب تشكليها في أبنائنا تحتاج إلى مهارة أيضاً من قبل المربين.
فالتربية الصحيحة تنطلق من أسس نفسية وتربوية تعتمد على نظريات على درجة كبيرة من الموثوقية، ومن يفتقد إلى هذه الأسس سيستسهل الاعتماد على خبراته الشخصية في التربية والتي قد لا تنجح في تربية الأولاد، فالخبرات الشخصية للأفراد المربين متباينة ولا تستند على الأغلب إلى أسس ومعايير واضحة، وحتى إن نجحت لسبب ما مع أن هذا الاحتمال ضعيف فهي غير قابلة للتعميم كالأساليب التربوية المستندة إلى العلم، كما أن الخبرات الشخصية تحكمها المزاجية في كثير من الأحيان والذي قد يسبب اضطراب للطفل الذي لا يعرف ماذا ستكون ردود أفعالك كمربي تجاه تصرفاته فهو يتوقع من المربي الغضب والهياج في أي لحظة، كما أن الخبرات الشخصية في التربية تحكمها زاوية الرؤية للموضوع والتي قد تكون مشوشة مبنية على أفكار لا يوجد أي دليل منطقي على صحتها مثل فكرة ( الطريقة التي تربينا بها يجب أن نربي أبناءنا عليها) فما كان مناسباً لك عندما كنت طفلاً ليس بالضرورة أن يكون مناسباً لولدك فقد اختلفت الظروف الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية بشكل يتطلب استخدام أساليب تربوية تراعي مواكبة هذه الظروف بشكل يتماشى مع مصلحة الفرد والمجتمع، فإذا كنت لا تعرف الأسلوب التربوي الأنسب لمعالجة حالة سلوكية ما فليس عيباً أن تسأل من يعرف، فمثلاً عند حدوث خلل في أية آلة تستخدمها ولا تعرف كيف تصلحه فإنك تلجأ إلى فني الصيانة لإصلاحه، فلماذا لا تنتهج نفس هذا النهج وتتوجه للمختصين في تعديل السلوك عند رؤيتك لخلل في سلوك ولدك ولا تعرف كيف تتعامل معه ، وللأمانة من الضروري أن يعرف الجميع أنه لا توجد حتى لدى المختص وصفات جاهزة مضمونة النتائج لتعديل السلوك، ولكن إرشاداته، وتوجيهاته، وملاحظاته تزيد من فرص تعديل السلوك، وهذا في كل الأحوال أفضل من اختراع أسلوب في التربية مبني على الخبرات الشخصية للمربي والتي قد تزيد تفاقم المشكلة لتسهم في إنتاج أفراد معقدين على قادرين على التعامل بشكل فعال مع كل ما هو حولهم.
التربية وعلم النفس علوم مبنية على دراسة السلوك، ودراسة العوامل المؤثرة فيه، ودراسة ظروف حدوثه، ومدى تكراره، وتأثيراته، وما هي العوامل التي تساعد على تقويته، وما هي العوامل التي تساعد على إضعافه، حيث يساعدنا ذلك أن نتحكم بالسلوك بشكل أكبر، والسلوك البشري من أعقد الظواهر المرتبطة بالإنسان، فليس من السهل تحديد العوامل التي تحكمه وتؤثر فيه، فالظواهر السلوكية للإنسان ليست كالظواهر الطبيعية كالزلازل، والجاذبية، والفيضانات وغيرها من ظواهر الطبيعة والتي يحكمها قوانين ثابتة قابلة للفهم، والضبط، والتنبؤ، وصحيح أن السلوك البشري قابل للفهم، والضبط، والتنبؤ لكن المسألة أكثر صعوبة، ومع ذلك فالعلم بنظرياته هو الأقدر على فهم السلوك الإنساني وعدم الثقة به والاعتماد على زاوية نظر الأفراد فقط لما هو أنسب في التربية هو سبب كثير من مشاكلنا ومشاكل أبنائنا والتي تصيبنا بالعجز والإحباط لعدم القدرة على حلها، فاسلك رعاك الله طريق العلم المعبدة التي ستقودك إلى حل المشكلة ولا تنسى التوكل على الله الذي بيده مفاتيح كل الحلول.
الدكتور غالب توهان الجبور
دكتوراه في علم النفس التربوي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-12-2021 12:38 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |